26 - 06 - 2024

مقال منصف في موقع أمريكي: لا تلوموا الفلسطينيين .. هم يتحدثون لغة العنف التي علمتهم إسرائيل

مقال منصف في موقع أمريكي: لا تلوموا الفلسطينيين .. هم يتحدثون لغة العنف التي علمتهم إسرائيل

إن إطلاق النار العشوائي الذي قامت به حماس ومنظمات المقاومة الفلسطينية الأخرى ضد إسرائيليين وخطف المدنيين وإطلاق وابل من الصواريخ تجاه اسرائيل وهجمات الطائرات المسيرة على أهداف متنوعة يعد اللغة ذاتها التي يتحدث بها المحتل الاسرائيلى . فلطالما تحدثت اسرائيل بهذه اللغة العنيفة الموغلة في الدم منذ قيام الميليشيات الصهيونية بمصادرة 78% من ارض فلسطين التاريخية، و قيامها بتدمير 350 مدينة وقرية فلسطينية و قتل 15000 فلسطيني في أكثر من سبعين مجزرة . و قد أقيمت إسرائيل عام 1948 على جثث 750000 فلسطيني مورس التطهير العرقي ضدهم ما بين 1947 حتى عام 1949 . 

إن رد فعل إسرائيل على هذه التحركات المسلحة سيكون هجوما يقترب من الإبادة الجماعية . سوف تقتل إسرائيل عددا كبيرا من الفلسطينيين مقابل كل اسرائيلى قتل . إن مئات الفلسطينيين قد قتلوا بالفعل من جراء الغارات الجوية الإسرائيلية منذ انطلاق عملية (طوفان الأقصى) والتي أدت إلى مقتل عدد كبير من الإسرائيليين.

ولكن أين من المفترض أن يذهب الفلسطينيون في غزة? إسرائيل تفرض حصارا بريا ولا منفذ إلا مع مصر. لا يوجد مخرج عن طريق الجو أو البحر ، التي تسيطر عليهما إسرائيل.

 يعد ممارسة الانتقام الجماعي ضد الأبرياء تكتيكا مألوفا ومعمولا به لدى الحكام الاستعماريين . نحن قمنا به (كأمريكيين بيض) ضد سكان أمريكا الأصليين (الهنود الحمر) ، وفي الفلبين وفيتنام فيما بعد . و قام به الألمان ضد قبائل الهيريرو و الناماك في ناميبيا . و قام به البريطانيون في كينيا و جزر الملايو ، وقام به النازيون في المناطق التي احتلوها في الاتحاد السوفييتي وأوروبا الوسطى والشرقية . و تتبع إسرائيل نفس النموذج وهو (( القتل من اجل القتل )) و(( الوحشية من أجل الوحشية)) . ولكن المحتل دائما ما يبادر بهذه الرقصة المميتة و يتاجر بأكوام من الجثث من اجل سفك دماء جثث أكثر . 

هذا ليس دفاعا عن جرائم الحرب التي ارتكبها اى جانب وليس إشادة بالهجمات . لقد رأيت ما يكفى من العنف في المناطق التي احتلتها إسرائيل حيث قمت بتغطية الصراع لمدة 7 سنوات لكي أكره العنف . ولكن هذا التعقيد يعد مألوفا في كل المشروعات الاستيطانية الاستعمارية. حيث أن النظم المفروضة بالعنف تواجه عنفا مضادا . لنضرب أمثلة بحرب التحرير في هاييتي ، وما فعله الماو ماو في كينيا والمؤتمر الوطني الافريقى في دولة جنوب إفريقيا وهذه الانتفاضات قد لا تنجح بالضرورة ولكنها اتبعت النماذج المألوفة. والفلسطينيون مثل كل الشعوب الواقعة تحت الاحتلال لديهم الحق في المقاومة المسلحة وفقا للقانون الدولي .  

لم تكن لدى إسرائيل أية مصلحة قط في تسوية عادلة مع الفلسطينيين. فقد أنشأت دولة فصل عنصري (ابارتهيد) واستولت على مساحات أكبر وأكبر من الأرض الفلسطينية ضمن حملة تطهير عرقي بطيئة الوتيرة. وقد حولت غزة منذ عام 2007 إلى اكبر سجن مفتوح في العالم . 

 كيف يمكنك أن تحشر 2 مليون شخص في غزة نصف أولئك يعانون من البطالة في واحدة من أكثر بقاع الكوكب اكتظاظا بالسكان لمدة 16 عاما نصفهم من الأطفال ، وتوصلهم إلى حد الكفاف عبر حرمانهم من الإمدادات الطبية الأساسية والمياه والكهرباء والغذاء، وتستخدم الغارات الجوية وسلاح المدفعية و الصواريخ ووحدات المشاة في ارتكاب المجازر بحق المدنيين العزل بشكل عشوائي ولا تتوقع ردا عنيفا ؟ إن  إسرائيل تقوم حاليا بسلسلة من الهجمات الجوية على غزة وتعد العدة لاجتياح برى و =قطعت الكهرباء عن غزة و التي تعمل عادة لمدة تتراوح بين ساعتين و أربع ساعات فقط في اليوم . 

لا شك أن كثيرا من مقاتلي المقاومة الذين تسللوا إلى إسرائيل كانوا يعرفون أنهم سيلاقون حتفهم لا محالة. و لكن مثل مقاتلي المقاومة في حروب التحرير الأخرى قد قرروا أنه إذا لم يستطيعوا اختيار الطريقة التي يحيون بها فإنهم سيختارون الطريقة التي سيموتون بها. 

لقد كنت صديقا مقربا للسيدة الينا مارجوليس ايلدمان التى كانت جزءا من المقاومة المسلحة في انتفاضة جيتو وارسو في الحرب العالمية الثانية. وكان زوجها ماريك ايلدمان نائبا لقائد الانتفاضة والقائد الوحيد الذي نجا من أهوال الحرب .حيث حاصر النازيون 400000 يهودي بولندي داخل جيتو وارسو. وقد مات اليهود المحاصرون بالآلاف من الجوع والأمراض والعنف العشوائي. وحينما بدأ النازيون في نقل اليهود المتبقين إلى معسكرات الابادة واصل مقاتلو المقاومة عملهم ولم يكن احد يتوقع أن ينجو . 

بعد الحرب أدان ايلدمان الصهيونية كإيديولوجية مستخدمة لتبرير سرقة الأرض الفلسطينية =، و وقف إلى جانب الفلسطينيين ، و كان داعما لمقاومتهم المسلحة، و التقى مرارا و تكرارا مع القادة الفلسطينيين . وبينما تتحدث إسرائيل متشدقة بأسطورة انتفاضة الجيتو فإنها عاملت القائد الناجي الوحيد للانتفاضة الذي رفض مغادرة بولندا باعتباره منبوذا . أدرك ايلدمان أن درس الهولوكست وانتفاضة الجيتو هو أن اليهود ليسوا ضحايا أبديين أو متفوقين أخلاقيا، فالتاريخ ملك للجميع حسبما قال ايلدمان . فالشعوب المقموعة بما في ذلك الفلسطينيون لديها الحق في القتال من اجل المساواة و الكرامة و الحرية . 

و قد قال ايلدمان ((أن تكون يهوديا يعنى أن تقف دائما مع المظلومين وألا تقف في صف الظالم  أبدا)) 

لطالما ألهمت انتفاضة وارسو الفلسطينيين، حيث اعتاد ممثلو منظمة التحرير الفلسطينية وضع إكليل الزهور على النصب التذكاري لجيتو وارسو في الاحتفال السنوي للانتفاضة . 

إن العنف المفرط الذي يمارسه المستعمر لإخضاع الشعب الواقع تحت الاحتلال يتحول هو بدوره إلى وحش كاسر . حيث يسيطر على الحكومة الإسرائيلية حاليا المتطرفون اليهود والصهاينة المتعصبون دينيا الذين يفككون الديمقراطية الإسرائيلية، ويدعون إلى الطرد الشامل للفلسطينيين أو قتلهم بما في ذلك الفلسطينيون الذين يعيشون في إسرائيل . 

و قد حذر الفيلسوف الاسرائيلى يهوشوا ليبوفيتز الذي اعتبره الفيلسوف ايزيا برلين (( ضمير اسرائيل )) من أنه إذا لم تقم إسرائيل بالفصل بين الدولة والدين فإن ذلك سيؤدى لقيام مؤسسة دينية حاخامية فاسدة سوف تحول الديانة اليهودية إلى طائفة دينية فاشية . 

و قد أدرك أن التمجيد الأعمى للجيش خصوصا بعد حرب 1967 التي أدت لاحتلال سيناء المصرية و قطاع غزة والضفة الغربية ( بما في ذلك القدس الشرقية ) ومرتفعات الجولان السورية كان أمرا خطيرا، و سوف يؤدى إلى الدمار الشامل لإسرائيل ولأي أمل في الديمقراطية . وواصل تحذيره قائلا (( إن موقفنا سيتدهور إلى أن يصبح فيتنام ثانية وإلى أن يصبح حربا في تصعيد مستمر دون اى أفق للحل الشامل )) 

وتنبأ بالتالي (( سيكون العرب عمالا وسيكون اليهود في مناصب المديرين والمفتشين و المسئولين الرسميين وقادة الشرطة خصوصا الشرطة السرية بشكل رئيسي. إن دولة تحكم شعبا معاديا لها يتراوح ما بين 1.5 و 2 مليون مواطن اجنبى سوف تصبح بالضرورة دولة بوليسية. إن الشخصيات الفاسدة هي التي ستسود في دولة إسرائيل. وسيكون على الإدارة أن تقمع التمرد العربي من ناحية، ومن ناحية أخرى استقطاب المتعاونين من العرب. وهناك سبب منطقي للتخوف من أن الجيش الذي لا يزال حتى الآن جيشا للشعب لكونه تحول إلى جيش احتلال سيكون جيشا منحطا ، و أن قادته الذين سيصبحون حكاما عسكريين سيكونون مشابهين لزملائهم في الأمم الأخرى )) 

و رأى أن الاحتلال الممارس بحق الفلسطينيين لمدة طويلة سينتج عنه حتما ((معسكرات اعتقال)) . و حينها (( لن تستحق إسرائيل الوجود و لا تستحق الجهد المبذول من اجل الحفاظ على كيانها )) حسبما قال 

إن إسرائيل مقتنعة أن ممارسة أعلى مستويات العنف سوف تحطم الطموحات الفلسطينية . إن إسرائيل مخطئة في  ذلك . فالإرهاب الذي تمارسه سيرتد عليها. 
------------------------------------------
* كريس هيدجز – موقع ( mint press  ) الأمريكى* 
ترجمة / محمد احمد حسن *

* كريس هيدجز عمل مراسلا لصحيفة نيويورك تايمز لمدة 15 عام و كان مديرا لمكاتب الصحيفة فى الشرق الاوسط و البلقان كما عمل مراسلا لصحف امريكية اخرى و حاصل على جائزة بوليتزر كما عمل مراسلا لعدة صحف امريكية اخرى 

* المترجم : كاتب صحفى و مترجم تخرج من كلية الاداب قسم الاعلام جامعة المنيا 2012

لينك المقال






اعلان