27 - 09 - 2024

هل قامت الكنيسة المصرية بدورها أم قصرت في العدوان على غزة؟

هل قامت الكنيسة المصرية بدورها أم قصرت في العدوان على غزة؟

بعد أن شنت حركة المقاومة في قطاع غزة هجوما غير مسبوق على الاحتلال الصهيوني في 7 أكتوبر، وبدأت إسرائيل ارتكاب مايشبه الإبادة الجماعية ضد قطاع غزة، ظل موقف الكنيسة المصرية مجهولا.

بل إنها أصدرت بياناً في 8 أكتوبر، اعتبره البعض بياناً ضعيفاً، نددت فيه بالأحداث بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وشددت على أن العنف لا يؤدي إلا إلى عنف مماثل ومزيد من القتل والدمار، ودعت كافة الأطراف إلى الاحتكام إلى العقل واللجوء إلى لغة الحوار والتفاوض من أجل منع إراقة الدماء.

والتزمت الكنيسة المصرية الصمت ولم تصدر أي بيانات أخرى حتى 18 أكتوبر ، بعد اعتداء الكيان الصهيوني على المستشفى المعمداني في غزة، وقالت إنها تدين هذا الاعتداء وتؤكد موقفها الثابت ضد سفك دماء الأبرياء في كل مكان ومن كل جانب، ودعمها الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني في العيش بأمان داخل أراضيه، وتدعو الله أن يساعدهم على التعامل مع الفظائع التي يواجهونها، ويمنح الطمأنينة للعالم أجمع.

ويتساءل البعض لماذا صمتت الكنيسة، وهل للكنيسة دور في التواصل مع الغرب لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ولماذا لم تصدر بيانات شديدة اللهجة كما حدث من الأزهر الشريف؟

قال كمال زاخر، المفكر القبطي ومؤسس التيار العلماني فى مصر: الكنيسة في الأساس ليس لها أي دور سياسي. لها دور روحي، اجتماعي، إنساني، و مررنا بتجارب مؤلمة عندما اتخذت الكنيسة اتجاهات معينة، وهذا ليس لأن الكنيسة غير قادرة على أن يكون لها دور سياسي، بل لأن المجتمع الذي تعيش فيه الكنيسة يتربص بها، ولذلك فإن أبناء الكنيسة يتحملون تبعات المواقف الكنسية المختلفة التي تتخذها الكنيسة، سواء سلباً أو إيجاباً، وبالتالي فإن رسالة الكنيسة هي بحسب رسالة المسيح، أنها تسعى إلى خلاص النفوس، وبخلاف ذلك، يبقى هناك نوع من التلاعب بدور الكنيسة، إن محاولة خلق دور ليس لها لا يعتبر أمرًا سلبيًا.

ولكن السؤال هل الكنيسة تمثل الأقباط سياسيا؟

وعندما نجيب على هذا السؤال بموضوعية وصدق نجد أن الكنيسة لا تمثل الأقباط سياسيا، وإلا فسندخل في دولة دينية أو دولة أديان ومذاهب، وبالتالي ستكون هناك انقسامات لا نهاية لها لصالح الوطن.

الكنيسة لا تمثل الأقباط سياسيا، الأقباط هم في الأساس مواطنون مصريون، وبالتالي فإن لهم كافة الحقوق التي يتمتع بها المواطن، وعليهم كافة الواجبات التي على المواطن، وإلا فسيكون هناك نوع من عدم التوازن في فهم دور الكنيسة.

- موقف الأزهر والكنيسة من العدوان الصهيوني

وأضاف زاخر: هناك اختلاف في الأساس الفكري والفقهي والعقائدي بين الأزهر والكنيسة، فالإسلام من وجهة نظر الأزهر دين ودولة، فالمؤسسة هنا مؤسسة دين وربما تكون مؤسسة دولة أيضًا، وعلى عكس مفهوم وطبيعة المؤسسة الكنسية، فإن المسيحية تدعو وتسعى إلى السلام من خلال مناشدة جميع الأطراف للعودة إلى القواعد الإنسانية، لكنها لا تتدخل سياسيا.

* هل تتواصل الكنيسة مع الغرب لوقف إطلاق النار على عزة؟

يضيف زاخر: الكنيسة تتواصل بالضرورة مع الغرب، ولكن بدفع الغرب لإعلاء القيمة الإنسانية، لكنها لا توجه في اتجاه محدد، ولذلك فهي تناشد العالم لمساعدة المظلومين وإغاثة المنكوبين والتدخل لحماية الأرواح، ولكن من وجهة نظر إنسانية وروحية فقط، لكنها لا تدين أي طرف وإلا فعليها أن تمد الخط إلى استقامته حتى نهايته وتصبح مؤسسة سياسية.

* هل كانت البيانات الصادرة عن الكنيسة ضعيفة؟

يختم زاخز حديثه: الناس يحكمون على تصريحات الكنيسة بأنها قوية أو ضعيفة بحسب توجهاتهم، لكن الكنيسة لها حساباتها ولا تنزلق إلى عالم السياسة، لأن الأدوات التي تحركها ليست مملوكة للكنيسة لأنها أدوات تتناقض مع القواعد التي قامت عليها الكنيسة والمسيحية، فـ السياسة هي فن الممكن، واللعب بالكلمات و الألفاظ، وهذا أمر لا تقبله المسيحية ولا الكنيسة.

مواقف تاريخية 

قالت النائبة مارجريت عازر، العضوة السابقة بمجلس النواب: الحقيقة أن الكنيسة المصرية كنيسة وطنية ولها دور وطني ولها مواقف من قديم التاريخ، ومواقفها جزء لا يتجزأ من الموقف المصري، ولا ننسى موقف قداسة البابا شنودة، ومنعه من الذهاب إلى القدس إلا مع إخوتنا الفلسطينيين، وبالتأكيد فإن الكنيسة وشعبها جزء من شعب مصر، لأن كل العائلات المسيحية المصرية شاركت في الحروب وثقافتها تمتد من تاريخنا المصري، والموقف المصري يمثل كافة المصريين بكافة أطيافهم وطوائفهم.

وأضافت أن الكنيسة عبرت عن ذلك في بيانات استنكرت فيها الاعتداءات الصارخة التي يشنها الكيان الإسرائيلي، والتي تستهدف المدنيين العزل والأطفال والنساء والإبادة الجماعية، فالكنيسة ليست كيانا منفصلا عن مصر.

يضيف الكاتب الصحفي سليمان شفيق: المؤسسات الدينية كالأزهر والكنيسة سبقت سائر المؤسسات الأخرى في التنديد والشجب، وسبقت مجلسي الشيوخ والبرلمان، وكذلك الأحزاب السياسية الرسمية الموجودة في مصر.

وتابع: الكنيسة المصرية كانت من أوائل المؤسسات التي تبرعت لغزة والفلسطينيين، وأعتقد أنها بذلت جهودًا أكثر من ذلك.

يذكر أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أعربت يوم 8 اكتوبر 2023 عن رفضها واستنكارها للأحداث الجارية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي والتي أدت وتؤدي - بكل أسف - إلى إزهاق آلاف الأرواح وإصابة آلاف آخرين، من بينهم كثير من المدنيين الأبرياء.

وأكدت الكنيسة فى بيان لها أن العـنف لا يثمر سوى عــنف مماثل ومزيد من القــتل والدمـار، لذا ندعو كافة الأطراف إلى الاحتكام للعقل واللجوء إلى لغة الحوار والتفاوض، حقنًا للدماء، وحفاظًا على حياة الإنسان التي هي أهم وأثمن مما عداها من القيم والأهداف.

وأشادت الكنيسة بجهود التهدئة التي تقوم بها الدولة المصرية بين طرفي النزاع للوصول إلى حل سياسي يحفظ حقوق الشعب الفلسـطيــني ويحقق السلام المنشود.

وفي 8 أكتوبر، أعربت الطائفة الإنجيلية في مصر أيضًا عن إدانتها لجميع أشكال العنف والصراع المسلح بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي تسببت في هجمات على عدد كبير من المدنيين الأبرياء.

وقال الدكتور القس أندريه زكي رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر نقف خلف الدولة المصرية، وموقفها الأصيل في الحفاظ على الأرواح وعلى حقوق الشعب الفلسطيني، ونثمن الدور المحوري المصري في التدخل والتفاعل مع الأزمة. 

ودعت الطائفة الجميع إلى الاستماع لصوت العقل والحكمة في التعامل مع كافة الأطراف، ونؤمن بأن الله قادر على تهدئة العاصفة، ونصلي من أجل أن يُحل اللهُ السلامَ والطمأنينة والهدوء على جميع دول العالم.

و أعدت الكنيسة الإنجيلية في مصر قافلة شاملة لإغاثة الشعب الفلسطيني، أعدته الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية بالتعاون مع التحالف الوطني للعمل التنموي المدني والحياة الكريمة والذي يعكس مدى العلاقة بين الشعبين ويؤكد دور الدولة المصرية والقيادة السياسية ومسؤولية مصر في الرعاية للشعوب العربية .

وكانت القافلة التي توجهت لمساعدة أهل غزة تحمل ما يقارب 106 قاطرات محملة بكميات هائلة من المساعدات الإنسانية، تشمل ألف طن من المواد الغذائية واللحوم، و40 ألف بطانية، بالإضافة إلى أكثر من 50 ألف قطعة ملابس وأكثر من 300 ألف صناديق الأدوية والمستلزمات الطبية لدعم الاشقاء في فلسطين نتيجة أعمال العنف التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.

وقالت مارجريت صاروفيم، رئيس قطاع التنمية المحلية في الهيئة الإنجيلية، عن هذا الدور، قائلة: “لقد ساهمت بحوالي 42 طنا من المواد الغذائية الجافة، والتي تخدم حوالي 5000 عائلة، وذلك لدعم الاشقاء في فلسطين”.

وأطلقت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية مبادرة من أجل كل من يريد تقديم تبرعات عينية أو مادية أو أدوية أو مستلزمات أو بطاطين الشتاء لصالح أهلنا في غزة.
----------------------
تقرير - مادونا شوقي