17 - 07 - 2024

مقال بمجلة فورين بوليسي: لماذا تتساهل الولايات المتحدة مع علاقات قطر بحماس؟!

مقال بمجلة فورين بوليسي: لماذا تتساهل الولايات المتحدة مع علاقات قطر بحماس؟!

من بين الأسئلة التي يتم طرحها باستمرار في النقاش الحالي المستمر بشأن هجوم حماس المذهل على إسرائيل يوم 7 أكتوبر هو: "ما هي القصة مع قطر؟"

بعد وقت قصير من الهجوم، أصدرت وزارة الخارجية القطرية بيانا ألقت فيه باللوم على إسرائيل في هجوم حماس، ونظراً لعدد القتلى (قُتل نحو 1400 شخص في إسرائيل)، فقد كان التصريح صادماً.

في المقابل، أشارت السعودية، التي طورت علاقة مع إسرائيل وأصبحت أكثر انفتاحاً عليها على الأقل في الفترة التي سبقت هجوم حماس، بأصابع الاتهام إلى إسرائيل، لكن بيانها كان أكثر حذرًا وأقل إثارة للجدل في لهجته من ذلك القطري، ويتناقض كلاهما بشكل حاد مع رد فعل الإمارات منافس قطر وأقرب شريك لإسرائيل في العالم العربي التي وصفت هجوم حماس بأنه “تصعيد خطير" وقالت إنها "شعرت بالفزع من التقارير التي تفيد بأن مدنيين إسرائيليين تعرضوا للقصف وعن اختطاف رهائن من منازلهم".

بعد ذلك، ذكرت وكالة رويترز يوم الاثنين الماضي أن وسطاء قطريين يجرون محادثات مع كل من حماس والمسؤولين الإسرائيليين للتفاوض على إطلاق سراح النساء والأطفال الذين احتجزتهم الجماعة الفلسطينية المسلحة خلال هجومها.

لقد كانت هذه أخباراً جيدة في وسط الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر، ويبدو أنه على الرغم مما قالته وزارة خارجيته قبل أيام قليلة، فإن أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني كان يفعل كل ما في وسعه ليكون بنّاءً، بما يليق بدور الدولة التي يتزعمها كشريك للولايات المتحدة وحليف رئيسي من خارج الناتو.


قد لا ينجح القطريون، ولكن مهما كانت النتيجة، فإنهم يستحقون الثناء على محاولتهم.

ومع ذلك، كان جزء كبير من واشنطن يهنئ تميم، ويعكس الرد الصامت على جهود الدوحة نيابة عن الأسر الإسرائيلية وجهات النظر المتباينة تجاه قطر داخل مجتمع السياسة الخارجية.

بالنسبة للبعض، فإن القطريين هم مشعلي الحرائق الإقليميين؛ وبالنسبة للأخرين، هم قسم الإطفاء.

من الممكن أن يكون الشيئان صحيحين في وقت واحد بطبيعة الحال، لكن وجهات نظر واشنطن المتضاربة تجاه قطر لا علاقة لها بأي عبقرية استراتيجية من جانب قادة قطر بقدر ما تتعلق بالقيود التي تفرضها سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

ومن وجهة نظر معينة، تبدو قطر وهي تلعب دورًا أكبر من وزنها في المنطقة حينما يتعلق الامر بمساعدة واشنطن.

في منتصف التسعينيات، عندما توترت العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ولم يعد هناك ترحيب بأعداد كبيرة من القوات الأمريكية في المملكة، فتح القطريون الأبواب أمام الولايات المتحدة ومنحوا القيادة المركزية الأمريكية حلاً جديدًا لامعًا هو عبارة عن قاعدة للعمليات الأمامية في الخليج.

كانت القوات الجوية الأميرية القطرية هي الطرف المالك لهذه القاعدة، التي تسمى العديد، وكانت بمثابة المكان الذي أدار منه البنتاغون الحروب في أفغانستان والعراق بالإضافة إلى عدد لا يحصى من عمليات مكافحة الإرهاب.

قبل بضع سنوات، كانت موطنًا لما يصل إلى عشرة الاف جندي أميركي، وهو عدد كبير من الجنود، لكنه انخفض بشكل كبير عن ذروته خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وبطبيعة الحال، لم يكن الأمير حمد بن خليفة آل ثاني – والد الأمير الحالي – يقوم بأعمال خيرية حينما قرر منح القاعدة للأميركيين، بل كان يعتبر ذلك وسيلة لإشراك واشنطن كمستثمر في استمرار حكمه، الذي كان نتيجة انقلاب أطاح فيه بوالده.

مثل العدد الكبير من القوات الأمريكية في قطر شكلاً من أشكال الحماية ضد أفراد الأسرة الانتقاميين، جنبًا إلى جنب من الجيران مثل السعودية التي لم تعجبها مسيرة الدوحة الاستقلالية.

كانت قاعدة العديد مهمة في أغسطس 2021، عندما انسحبت القوات الأمريكية من أفغانستان وجلبت معها آلاف الأفغان، وبالرغم من قيام آخرين في المنطقة - ولا سيما الإماراتيون - بدورهم، لكن قطر كانت الوجهة الأولى للعديد من اللاجئين، وعندما يتعلق الأمر بالغزو الروسي لأوكرانيا في الشتاء التالي، كان زعيم قطر - على عكس شركاء الولايات المتحدة الآخرين، بما في ذلك إسرائيل - واضحا في إدانته للكرملين.

وعندما أوقف الروس الاتفاق الذي توسطت فيه الأمم المتحدة وتركيا والذي سهل صادرات المنتجات الزراعية الأوكرانية التي تعتبر ضرورية للإمدادات الغذائية العالمية، عمل القطريون مع تركيا والروس لإيجاد حل لكن لم ينجح دبلوماسيو الأمير، غير انهم حضروا وحاولوا تحقيق شيء ما.

وعلى الرغم من أنها لم تظهر اهتمامًا عامًا كبيرًا بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، إلا أن الدوحة أرسلت دبلوماسيًا إلى غزة - بمباركة إسرائيل - لتوزيع المساعدات على أفقر سكان غزة.

القطريون لا يساعدون الولايات المتحدة في الخارج فحسب، بل في الداخل أيضًا.

قبل أن تبدأ الحرب بين إسرائيل وحماس، تلقيت دعوة من السفارة القطرية تدعوني لحضور حفلها السنوي الخامس لدعم جمعية التوحد الأمريكية، وعندما اجتاح إعصار كاترينا نيو أورليانز في عام 2005، تعهد القطريون بتقديم مائة مليون دولار لمساعدة سكان لويزيانا المحتاجين

ولكن بالرغم من إيجابية القطريين وسلوكهم البناء إلا أنهم كانوا أيضًا شريكًا مزعجًا، ففي نفس العام الذي انطلق فيه بناء قاعدة العديد الجوية، أطلق القطريون قناة الجزيرة.

في البداية، بدت شبكة التلفزيون المملوكة للدولة بمثابة نسمة من الهواء المنعش، حيث بثت أخبارًا وتعليقات فعلية (باستثناء ما يتعلق بقطر) في منطقة لم تكن فيها وسائل الإعلام الحكومية أكثر من مجرد نقاط حوار تروجها الانظمة من اجل التأكيد على ما يعيشه الزعيم خلال يومه، ولكن مع مرور الوقت، أصبح من الواضح أن العديد من المنتجين والصحفيين والمعلقين في الشبكة العربية الرائدة لقناة الجزيرة كانوا مولعين بالإسلاموية ومعاداة السامية ومعاداة أمريكا.

عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين، فإن القطريين مخلصون لمبادئهم الداعمة للعدالة والحقوق الفلسطينية، وكما ذكرنا أعلاه، يمكن أن يكونوا بنائين، ولكن يبدو أن الجهود القطرية الرامية إلى إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين في غزة هي الاستثناء الذي يثبت القاعدة.

ربما يكون هذا أفضل تلخيص في خطاب الأمير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2023 حيث اعلن الزعيم القطري أنه "من غير المقبول أن يظل الشعب الفلسطيني اسيرًا لتعسف الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي، وانتهاكات الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي وسط رفض من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لاي حل سياسي عادل وفق مبادئ الشرعية الدولية".

إنه موقف عادل بما فيه الكفاية، ولكن بعد ذلك، شرع تميم في التشكيك في العلاقة اليهودية بالقدس ولم ينتقد استيلاء إسرائيل على الممتلكات في القدس الشرقية، بل شجب "تهويد القدس" وهو تمييز لا ينبغي أن يضيع على أحد، ولم يكن مفيدًا على أقل تقدير (هكذا يقول الكاتب).

تفاديًا لاتهامه بالمغالطة، خصص الأمير فقرتين كاملتين من السخط المبرر الموجه ضد إسرائيل لكنه خصص جملتين فقط بشأن المأساة التي استمرت عقدًا من الزمن في سوريا والتي أودت بحياة مئات الآلاف وشردت الملايين، الرعب الذي كان لقطر يد فيه من خلال دعمها لجماعات المقاومة هناك، والتي يبدو أن حماس تحاكي بعض تكتيكاتها.

إن النهج الذي اتبعه القطريون تجاه الفلسطينيين، والجماعات التي مولوها في سوريا، وكيف رحبوا بتراكم السلطة السياسية الإسلامية في المنطقة بعد الانتفاضات العربية - إلى جانب تعليقات قناة الجزيرة - قد أثارت منذ فترة طويلة الشكوك في المنطقة وبين المراقبين الغربيين المتخصصين فيها من أن قيادة قطر مرتبطة بشكل مباشر بجماعة الإخوان المسلمين.

ويقول دبلوماسيو الدوحة وجماعات الضغط والأصدقاء في واشنطن إن استنتاج أن القطريين يمثلون جماعة الإخوان المسلمين من خلال هذه المجموعة من القضايا لا يعكس الفارق الدقيق في نهج الأمير تجاه العالم، والذي يتسم بالمبادئ والبراغماتية، ففي نهاية المطاف، يشكل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كارثة وإن الرئيس السوري بشار الأسد هو القاتل الذي اعتقد معظم الناس في وقت ما أنه يجب أن يرحل، وقد أنتجت الانتفاضات العربية نتائج سياسية رأت الدوحة فيها فرصًا لتوسيع نفوذها، وتتمتع قناة الجزيرة، وفقًا للمسؤولين القطريين وعملائهم هنا، باستقلال تحريري عن الحكومة القطرية.

وهذه الحجج عادلة أيضاً، ولكن إلى حد ما فقط.

لقد رحبت قطر بجماعة الإخوان المسلمين عندما تم طردها من مصر في عام 2013، كما حافظ كبار قادة حركة حماس، التي أنشأها الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين في أواخر الثمانينيات، على وجودهم في الدوحة لأكثر من عقد بقليل.

ثم هناك علاقة قطر الاستراتيجية مع تركيا، التي لا يشكل حزب العدالة والتنمية التابع لها جزءا من كوكبة الجماعات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين في المنطقة، لكنه يملك هدفًا مشتركًا معهم على مدى العقد الماضي ومع كل هذا تأتي الادعاءات بأن القطريين يمولون حماس من خلال المساعدات التي تهدف ظاهريا إلى دعم سكان غزة الفقراء.

هناك وجهة نظر مفادها أن الوجود الإسلامي في الدوحة مفيد للولايات المتحدة حيث يوفر القطريون مكانًا ووسطاء لواشنطن للتواصل مع الأشخاص الذين لا ترغب في إقامة علاقات معهم، ولا يمكنها ذلك.

القطريون أنفسهم يطرحون هذه الحجة ويشيرون إلى أنهم يراقبون الإخوان المسلمين وقيادة حماس من خلال الترحيب بهم في الدوحة، وهذا منطقي، لكن هناك شيئًا غير منطقي: إبقاء قادة حماس والاخوان تحت السيطرة في الدوحة والسماح لهم بتناول الشاي في فندق الفورسيزونز والاستمتاع بالمشي مسافات طويلة على طول الكورنيش شيء، والسماح لهم بالعمل علنية ودون قيود شيء اخر سواء كان ذلك العمل على تقويض الحكومة المصرية أو التآمر ضد الإسرائيليين شيء اخر.

يُزعم أن قادة حماس شاهدوا الهجمات على إسرائيل وتداعياتها من مكان آمن في قطر، ولو كان القطريون قد رحبوا في الواقع بشخصيات من حماس في عاصمتهم من أجل مراقبتهم وتقييدهم، فربما كانت الدوحة قادرة على تقديم تحذير مسبق بشأن هجوم السابع من أكتوبر، وبالتالي المساعدة في تجنب الكارثة الإقليمية الحالية ولكن على حد علم الجميع، لم يكن قادة قطر منتبهين ولم يكن لديهم أي علم بالهجوم.

لا ينبغي لأحد أن يتفاجأ بشدة من أن القطريين يلعبون مع الطرفين، والقضية الحقيقية الان هي لماذا سمحت الإدارات الأمريكية المتعاقبة من كلا الحزبين قد سمحوا لقطر بالإفلات من العقاب.

تتعلق جزء من الإجابة على هذا السؤال بطبيعة صنع السياسة الخارجية الاميركية نفسها، والتي تتألف من سلسلة من الخيارات السيئة، ويميل المسؤولون الأمريكيون إلى التغاضي عن السلوك السيئ في أحد الأبعاد لأنهم يعرفون أو يأملون أن يكون الشريك مفيدًا في بُعد آخر.

الامر لا يستحق توبيخ تميم علنًا بشأن خطابه (الذي يصفه الكاتب بغير التاريخي) في الأمم المتحدة، لأنها الأمم المتحدة في النهاية، عندما يكون بإمكانه أن يكون مفيداً في مجالات أخرى، مثل العمل على تأمين إطلاق سراح النساء والأطفال الذين تحتجزهم حماس على سبيل المثال.

ثم هناك المشكلة الخاصة بقطر: نظرًا لأن الولايات المتحدة تستثمر بشكل كبير في قاعدة العديد - وهي قطعة مميزة من جهد طموح للغاية لتحويل الشرق الأوسط ومنشأة لا يوجد بديل حالي لها - فإن صناع السياسات الأميركية مترددون في معالجة الجوانب الأقل فائدة في نهج الدوحة في التعامل مع المشاكل الإقليمية.

ومع ذلك، فمن الصعب إلقاء اللوم بالكامل على القطريين، فسياستهم الخارجية ذات الوجه المزدوج تشكل مصدراً للقوة والنفوذ والهيبة، والمشكلة هي أن واشنطن هي الطرف الذي يسمح لهم بالإفلات من العقاب.

--------------------
بقلم: ستيفن كوك * - ترجمة: فدوى مجدي
* كاتب عمود في مجلة فورين بوليسي وزميل أول إني إنريكو ماتي لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية وسيُنشر كتابه الأخير، نهاية الطموح: ماضي أمريكا وحاضرها ومستقبلها في الشرق الأوسط، في يونيو 2024.