16 - 08 - 2024

مقال بـ "فورين بوليسي".. كيف تحولت قطر الى الدولة الشرق أوسطية التي لا يمكن الاستغناء عنها؟!

مقال بـ

الشخص الذي يحمل مفتاح أزمة المحتجزين الاستثنائية في الشرق الأوسط ليس إسرائيليًا ولا فلسطينيًا، ولكنه بدلاً من ذلك الحاكم الشاب والكتوم في قطر.

منذ توليه السلطة قبل عشر سنوات، ظل الشيخ تميم بن حمد آل ثاني البالغ من العمر 43 عامًا مصرًا على وضع بلده الصغير - واحد من أغنى دول العالم، مع ثالث أكبر احتياطيات الغاز وسادس أعلى دخل للفرد – كلاعب رئيسي في الساحة الجيوسياسة العالمية.

وبالرغم من استضافة كأس العالم لكرة القدم، ووجود مسؤولين اوربيين مترددين في الانفتاح على بلاده في البداية بعد انقطاع الامدادات الروسية الموثوق بها من الغاز، ها هو أمام فرصة لتحقيق مكانة أعلى من أي زعيم عربي منذ وقت طويل بفضل الحرب بين إسرائيل وحماس، وهو في وضع فريد يمكّنه من المساعدة في تسليم أكثر من 200 محتجز بأمان.

تميم غير قلق من انتفاضة او تحد من الإسلاميين السياسيين لحكمة على عكس جيرانه في المنطقة وبدلا من ذلك يستضيف جماعة مسلحة إسلامية في بلاده بما في ذلك حماس، الى جانب مكتب تجاري لإسرائيل لفترة وآلاف الجنود الأميركيين في قاعدة العديد الجوية والتي تنفذ الولايات المتحدة منها عادة عمليات عسكرية في المنطقة.

لا شك في أن مشاعر آل ثاني هي مع الفلسطينيين، فقد قامت وزارة خارجيته بلوم إسرائيل على هجوم حماس، ولم تقم بإدانة ماجرى يوم 7 أكتوبر ، الأحداث التي جرت لمرة واحدة، ومع ذلك، قد يكون نفوذ الدوحة على حماس هو الأمل الوحيد للأسر التي تتوسل الجمع بين أبنائها وبناتها وأحبائها الآخرين المحتجزين.

مع اشتعال الحرب في سوريا ومعارضة قيادة حماس للحكومة السورية، وفرت الدوحة ملاذاً للحركة في عام 2012، وقال القطريون إن القرار اتُخذ بالتنسيق مع الولايات المتحدة وبمباركة الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما.

تدين حماس لقطر ليس فقط لقيامها بتقديم ملجأ لقادتها وتوفير قاعدة للتخطيط والتفاوض مع رعاتها الإيرانيين، ولكن أيضًا لملايين الدولارات من المساعدات الأجنبية السنوية، التي تساعد الفقراء في غزة، وتدفع ثمن الكهرباء - وتموّل ميزانية حماس أيضًا كما يُزعم.

حتى الآن، تمكنت قطر من إقناع حماس بالإفراج عن أربع محتجزين، كلهن نساء، وقال ماجد الأنصاري، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية القطرية، لـمجلة فورين بوليسي: "لا يزال هناك أمل بشأن وضع الرهائن" مضيفًا "حدث بعض التقدم والاختراقات في المفاوضات، خاصة إذا قارنا بين البداية ومكاننا الآن”.

قبل يوم واحد من الإفراج عن إسرائيليين اثنين، أبلغ مسؤول كبير على دراية بالمفاوضات الجارية مجلة فورين بوليسي أنه سيتم الإفراج عن المزيد من المحتجزين المدنيين خلال الأسبوع والأسابيع المقبلة، وقال المسؤول: "تسير الأمور ببطء أكثر مما توقعنا" وأضاف: "أخّر قصف المستشفى المفاوضات"، في إشارة إلى الانفجار في مستشفى الأهلي العربي في مدينة غزة "لكن هناك تحرك إيجابي، حيث كانت حماس في البداية تريد مبادلة كاملة، بما في ذلك المدنيين والآن يريدون الإفراج عنهم مجانًا"، وعزا التحول إلى مهارات الوساطة القطرية.

تعتقد إسرائيل والكثير من حلفائها الغربيين أن تميم آل ثاني يمارس نفوذًا أكبر على الجماعة مما يدّعي على الأرجح ويمكنه بالتأكيد، ممارسة المزيد من الضغط على قادتها لتحرير المحتجزين.

قال وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين في اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هذا الأسبوع: "يجب على المجتمع الدولي أن يدعو قطر، التي تمول حماس، إلى تمكين الإفراج الفوري عن المحتجزين من قبل – من وصفهم بـ - الإرهابيين"، وقال بيتر ستانو، المتحدث الرئيسي باسم الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، لـفورين بوليسي في مكتبه ببروكسل: "نحن نعلم أن قطر يمكنها ممارسة تأثير على حماس، وليس لدينا سبب للاعتقاد بأنها لن تفعل ذلك".

وقال المسؤول المطّلع على المفاوضات الجارية إن حماس تطلب من إسرائيل وقف القصف حتى تتمكن من جمع أكثر من 200 أسير مشتتين في غزة - بعضهم في حوزة الجهاد الإسلامي، وهي فصيل مسلح (أكثر تطرفًا في رأي كاتبة فورين بوليسي) ، والبعض الآخر يختبئ في مناطق سكنية من قبل مدنيين فلسطينيين.

بمجرد الإفراج عن المدنيين، تأمل حماس في التفاوض على صفقة تبادل الأسرى - معتقلون فلسطينيون مقابل إسرائيليين مسلحين - كما أضاف وقالت قيادة حماس إن لديها ما يكفي من الأسرى للمطالبة بالإفراج عن "جميع سجنائنا".

يخشى القطريون أنه إذا استمرت إسرائيل في إسقاط القنابل وشعرت حماس أن نهايتها قادمة، فقد تنهار المفاوضات، كما أدى ارتفاع عدد القتلى في غزة والخوف من موت الرهائن إلى دعوات متزايدة لـ "هدن إنسانية" من الاتحاد الأوروبي ومن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن.

ولكن، خلف الكواليس، تتنافس قطر مع آخرين في المنطقة متحمسين أيضًا للظهور بمظهر بطل القضية وإثبات أهميتهم للغرب.

عرضت تركيا الوساطة، إذا طلب الطرفان ذلك وهي تمتلك بعض النفوذ على حماس، التي التمس قادتها أيضًا ملجأ في تركيا، ولكن على الرغم من التضامن الإسلامي بين حماس والرئيس التركي، قد يفضل العرب قيادة زعيم عربي في هذه الأمور، والدوحة وأنقرة حليفتان وقالتا إنهما تنسقان.

كانت عمان شريكًا موثوقًا ومحايدًا نسبيًا للغرب فيما يتعلق بالتعامل مع إيران، حيث ساعدت في بناء الأساس قبل عقد من الزمن لمحادثات مباشرة بين المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين التي توجت بالاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران. لكنها لا تملك تأثيرًا مباشرًا على حماس.

تواجه قطر أقسى تحدٍ من مصر كوسيط محتمل. لقد تخاصمت القاهرة والدوحة لفترة طويلة على السيادة الدبلوماسية في المنطقة، بعد ان لعبت القاهرة دورًا أيضًا في الإفراج عن اثنين من الرهائن الإسرائيليين ووساطة العديد من وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في الاشتباكات السابقة.

يقول عماد جاد، سياسي ومحلل سياسي مصري، لفورين بوليسي عبر الهاتف من القاهرة: "دائمًا خلال الأعمال العسكرية السابقة بين إسرائيل وحماس، لعبت مصر دائمًا دور الوسيط" وقال جاد إنه لا شك في أن "المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس ستحدث في مصر".

كتب سلطان بركات، أستاذ في مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع - جامعة حمد بن خليفة، في ورقة أكاديمية عام 2014 أن دبلوماسية قطر في الصراعات الإقليمية نجحت تقليديًا بشكل أكبر في تخفيف حدة الأزمات قصيرة الأجل من توفير حلول طويلة الأجل للصراعات، لكنه الآن، يعتقد أن قطر تتمتع بفرصة أفضل من مصر ليس فقط في التوسط للإفراج عن الأسرى ولكن أيضًا في وقف إطلاق نار دائم.

قال بركات عبر الهاتف من الدوحة: "تريد إسرائيل دفع ملايين الفلسطينيين إلى سيناء، ولا يمكن لمصر التوسط إذا كانت هي من ستتلقى هؤلاء في مثل هذا السيناريو"

كما تواصلت عدة حكومات أوروبية بشكل بارز مع قطر، بدلاً من مصر، على أمل تحرير مواطنيها المحتجزين.

من جانبها، فقدت السعودية بعض المصداقية كوسيط مع الفلسطينيين، حيث كرست معظم طاقتها الدبلوماسية في الفترة التي سبقت هذه الحرب على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه، تكره إيران معظم العرب، والذين وقعوا اتفاقات إبراهيم مع إسرائيل في عام 2020 أقصوا أنفسهم كحكام، أما قطر فدولة صغيرة ذات ثروات ضخمة، وضعت نفسها بثبات في موقع تستطيع فيه التحدث إلى إسرائيل مع مراعاة مصالح الفلسطينيين.

تميم ال ثاني شاب وغني جدًا، وهدفه الواضح هو اكتساب إرث دائم، ولديه فرصة الآن لتحقيق ذلك، إذا استطاع إنقاذ المحتجزين مقابل إقناع الإسرائيليين بالموافقة على وقف إطلاق النار.

قد يقرر ذلك الدور المستقبلي الذي تلعبه قطر في حل أكثر الصراعات تعقيدًا في العالم.
----------------------
بقلم: 
أنشال فوهرا *
*كاتبة عمود في مجلة فورين بوليسي مقيمة في بروكسل وتكتب عن أوروبا والشرق الأوسط وجنوب آسيا. قامت بتغطية شؤون الشرق الأوسط لصحيفة التايمز اللندنية وكانت مراسلة تلفزيونية لقناة الجزيرة الإنجليزية ودويتشه فيله وكانت تقيم سابقًا في بيروت ودلهي وقدمت تقارير عن الصراعات والسياسة في أكثر من عشرين دولة.