29 - 06 - 2024

مقال في "واشنطن بوست": غزت إسرائيل لبنان وحصلت على "حزب الله" .. فماذا تنتجه الحملة العسكرية الحالية؟

مقال في

الإسرائيليون مرعوبون من الهجمات التي شنتها حماس في السابع من أكتوبر على بلادهم، وهو امر مفهوم. 

لقد أدى الشعور الناجم عن الصدمة إلى تعزيز الرغبة فيما يسميه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بـ "الانتقام العظيم"، ولكن غالبا ما تجعل العواطف الجياشة مسألة التفكير في تداعيات أفعال اي شخص أمرًا صعبًا. 

أثناء مشاهدتي العملية العسكرية الإسرائيلية المتنامية حاليا في غزة، تذكرت غزوًا آخر قامت به حكومة إسرائيلية يمينية أخرى - أيضًا ردًا على الهجمات - وكيف انتهى الأمر بذلك الهجوم، بشكل مختلف تماما عما كانت تأمله إسرائيل.

فقبل عقود من ذلك الهجوم، أسست المجموعة الفلسطينية الرئيسية المسماة (منظمة التحرير الفلسطينية) قاعدة لها في العاصمة اللبنانية بيروت وسيطرت وغيرها من المنظمات الفلسطينية على أجزاء من لبنان المجاورة وقاتلوا باستمرار ضد قوات الدفاع الإسرائيلية وقتلوا مدنيين إسرائيليين. 

قررت حكومة الليكود برئاسة مناحيم بيغن (تولى فيها أرييل شارون منصب وزير الدفاع) شن غزو لاستئصال البنية التحتية لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان وطردها من البلاد نهائيًا في عام 1982، 

وتحالفت إسرائيل مع ميليشيات من مسيحيي لبنان (إحدى الفصائل العديدة في بلد متعدد الطوائف) للقيام بذلك الغزو بفعالية، وبعد القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، كان بيغن يأمل في تنصيب حكومة يهيمن عليها المسيحيون في بيروت.

كان الغزو كبيرًا ودمويًا فقد استخدمت إسرائيل ثمانين الف جندي وأكثر من 1200 دبابة وتم قتل اكثر من 17 الف شخص في لبنان واصيب 30 الفا اخرين وفقا لاحد التقديرات. 

حققت إسرائيل في النهاية هدفها المتمثل في طرد منظمة التحرير الفلسطينية من البلاد ولكن التكلفة كانت تصعيدًا وحشيًا للعنف، مما أنتج مأساة مروعة. 

قامت ميليشيا متحالفة مع إسرائيل وتعمل في منطقة تخضع لسيطرتها بمجزرة طالت المئات، وربما الآلاف، من المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين - بمن فيهم العديد من النساء والأطفال وكبار السن - في حي صبرا ببيروت ومخيم شاتيلا للاجئين المجاور. 

وما هو اكثر اهمية من كل ما تقدم، الهب غزو اسرائيل القوى غير المسيحية في ذلك البلد على المدى الطويل، وساعد في خلق حزب الله، الجماعة الشيعية المدعومة من إيران، والذي اصبح منذ ذلك الحين واحدا من أشد التهديدات خطورة على امن إسرائيل. 

في السابع من  أكتوبر، ادعت حماس أنها أطلقت خمسة الاف صاروخ على إسرائيل ويُقدّر أن لدى حزب الله الان 150 ألف صاروخ وقذيفة.

إن الدرس مما تقدم هو أن الحروب غالباً ما تؤدي إلى نتائج مختلفة جدًا عمّا كان متخيلاً لها في البداية.  

التوترات الحالية في الشرق الأوسط هي عواقب غير مقصودة لغزو آخر، وهو الغزو الذي شنته الولايات المتحدة في العراق عام 2003 الذي أطاح بالحكومة العراقية ذات القيادة السنية برئاسة صدام حسين، والذي حول العراق إلى بلد يقوده الشيعة وترتبط نخبته الحاكمة بعلاقات وثيقة مع إيران وهو الأمر الذي أثار دول الخليج العربية، التي يغلب عليها السنة، وإسرائيل، مما جعلهم أكثر قربًا من بعضهم البعض. 

هذا التحالف الناشئ هدد بقاء وقوة الجماعات الفلسطينية مثل حماس والتي قررت إحراق المنزل بمن فيه. 

كما أن الغزو الأمريكي تسبب في نشوء تنظيم القاعدة في العراق، الذي كان أساسا لتنظيم الدولة الذي ظهر فيما بعد.

ما الذي يمكن لإسرائيل القيام به؟ 

يقول الباحث في جامعة شيكاغو روبرت بابي، إن الدراسات الدقيقة للإرهاب تشير إلى أن "السبيل الوحيد لإلحاق ضرر دائم بالإرهابيين هو الجمع بين الهجمات الانتقائية المستمرة ضد الإرهابيين المستهدفين والعمليات السياسية التي تبعد بين الإرهابيين والسكان المحليين الذين ينحدر منهم هؤلاء، ويتم ذلك عبر حملة طويلة تمتد لسنوات" ويقترح أنه الى جانب الرد العسكري، يجب على إسرائيل تقديم بعض السبل نحو قيام دولة فلسطينية. 

يؤكد الجنرال المتقاعد ديفيد بترايوس، الذي خطط لـ "زيادة عدد الجنود الاميركيين" في العراق، أن فصل السكان عن الجماعة (المقاومة) أمر أساسي ويضيف انه يجب تقديم شيء ما للسكان..ربما بعض الأمل في مستقبل أفضل. 

يعزو بترايوس نجاح زيادة القوات الاميركية في تحقيق هدفها إلى العوامل السياسية بقدر ما يعزوه إلى العوامل العسكرية البحتة، لكن إسرائيل حاليا لا تتبع استراتيجية بترايوس وفقا لكتابه الجديد عن تاريخ الحروب. 

في غزة، هناك ما يقدر بنحو ثلاثين ألف إلى أربعين ألف مقاتل من حماس في مكان يبلغ عدد سكانه أكثر من مليوني شخص، نحو نصفهم من الأطفال. 

من أفضل ما يمكننا معرفته، أن نظرة سكان غزة لحماس متناقضة، فقد فازت في انتخابات عام 2006، ونفذت انقلابًا عام 2007 وحكمت منذ ذلك الحين بقبضة حديدية إسلامية. 

قد تتسبب معاناة سكان غزة من حصار قاس يحجب معظم الطعام والماء والوقود عن جميع السكان البالغ عددهم مليوني شخص، وتجربتهم للقصف ومشاهدة آلاف الوفيات من المدنيين، في ان يحتشدوا حول حماس، وهذا مناقض لما تهدف إليه استراتيجية مكافحة (الإرهاب) المصممة بشكل جيد.

أدرك أنه من السهل انتقاد الأمور من بعيد، وإسرائيل تشعر الان بقدر كبير من الضعف بالتأكيد، ويزيد هذا الضعف سوءًا الارتفاع المروع لمعاداة السامية في أجزاء كثيرة من العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، ولكن من المهم التأمل فيما إذا كانت السياسات القائمة على الغضب والانتقام تحقق مكاسب دائمة. 

لقد غزت إسرائيل لبنان وحصلت على حزب الله واستنفدت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية مما عزز حماس.

ولا أعرف ما الذي ستنتجه هذه الحملة العسكرية  الحالية على المدى الطويل، ولكنني أخشى ان النتائج لن تكون جيدة لإسرائيل أو للفلسطينيين.
----------------------------
فريد زكريا - واشنطن بوست 
ترجمة: فدوى مجدي






اعلان