27 - 06 - 2024

نص مقال ملك الأردن في واشنطن بوست: حل الدولتين سيكون انتصارًا لانسانيتنا المشتركة

نص مقال ملك الأردن في واشنطن بوست: حل الدولتين سيكون انتصارًا لانسانيتنا المشتركة

تواصل الحرب في غزة في تقسيم العالم، ويتفاقم هذا الانقسام العميق بسبب المشاعر العاطفية الشديدة المحيطة بها. 

هناك روايتان، فلسطينية وإسرائيلية، تؤلب المتظاهرين ووسائل الإعلام والأديان والشعوب والمناطق ضد بعضهم البعض، وفي هذه العملية تحول الوضوح الأخلاقي الذي ينبغي علينا أن نتقاسمه بشأن القيم الإنسانية الأساسية إلى ارتباك أخلاقي. 

لذلك دعونا نبدأ بحقيقة أساسية، وهي أن آلاف الضحايا في جميع أنحاء إسرائيل وغزة والضفة الغربية كانوا في غالبيتهم الساحقة من المدنيين. 

في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، أصيبت إسرائيل بصدمة عميقة بسبب مقتل أكثر من الف إسرائيلي، بما في ذلك النساء والأطفال، على يد حماس، ومنذ ذلك الحين، قُتل أكثر من احد عشر ألف فلسطيني بسبب القصف الإسرائيلي العشوائي على غزة، ويلقى آلاف الأطفال حتفهم تحت أنقاض المنازل والمدارس والمستشفيات المدمرة في غزة. 

باسم إنسانيتنا المشتركة، كيف يمكن قبول مثل هذه الأعمال الوحشية وجرائم القتل؟

إن المعاناة الإنسانية والتوترات العالمية اليوم تحثنا على الالتزام بمعايير الإنسانية قبل أن نصل إلى نقطة الانهيار الأخلاقي للجميع، ويتحمل الزعماء في كل مكان مسؤولية مواجهة الواقع الكامل لهذه الأزمة رغم قبحها.

لن نتمكن من تغيير الاتجاه المتزايد الخطورة لعالمنا إلا من خلال الاعتماد على الحقائق الملموسة التي أوصلتنا إلى هذه النقطة، ويبدأ الأمر بالاعتراف بواجبنا في فرض التدخل الإنساني ووضع حد لهذه الحرب الفظيعة والاعتراف بأن المسار الحالي ليس طريقًا لتحقيق النصر لأي شخص - وبالتأكيد ليس طريقًا يسترشد بالوضوح الأخلاقي.

لا أستطيع إلا أن أصدق أن الفلسطينيين والإسرائيليين يريدون تحقيق نفس الاهداف، وهم ليسوا وحوشا ولا يعشقون البؤس والموت، كما يملك الفلسطينيون، مثلهم مثل الإسرائيليين، الحق في حياة كريمة وآمنة ومحترمة، في دولة مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة، ولكن أدت الإجراءات الأحادية التي اتخذتها إسرائيل على مدى ما يقرب من عشرين عاما، إلى تقويض عملية السلام والاستهزاء باتفاقات أوسلو، التي وعدت بحل الدولتين الذي يحقق السلام والأمن لكلا الجانبين. 

لقد تم تقسيم الأراضي الفلسطينية، شيئا فشيئا وخلافاً للقانون الدولي، إلى جيوب صغيرة منفصلة، وضاعفت إسرائيل "مستوطناتها" ثلاث مرات على الأراضي التي اعترفت الاتفاقات بأنها جزء من الدولة الفلسطينية، كما تم طرد المقدسيين من منازلهم، وتعرضت الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية للهجوم ومضايقة المصلين، والآن، تم تهجير ستين بالمائة من سكان غزة المحاصرين البالغ عددهم 2.3 مليون فلسطيني. 

إن العائلات الغزية التي يتم قصفها وإخراجها من منازلها هي ضحايا هذا العقاب الجماعي، ولا يوجد لها مكان تلجأ إليه، فلم يعد هناك مستشفى ولا مدرسة ولا مبنى للأمم المتحدة آمنًا بعد الآن. 

لا يخطئن أحد.. سكان غزة لن يتركوا منازلهم لأن منشورًا أو رسالة نصية تأمرهم بذلك. إنهم يعلمون أن المغادرة تعني فقدان الأمل والكرامة وفرصة العودة إلى أرضهم: وقد شاهدوا ذلك يحدث لأمواج وأمواج من زملائهم الفلسطينيين وأسلافهم طوال العقود السبعة الماضية من هذا الصراع. 

الواقع أن "خروج" إسرائيل من غزة قبل ثمانية عشر عاماً لم يكن مساهمة في حل الدولتين، بل كان بمثابة استباق لأي حل من هذا القبيل، وقد أنتج هذا الانقسام الدائم الذي منع قيام الدولة الفلسطينية من خلال منع قيام شريك فلسطيني وحيد.

إن القيادة الإسرائيلية التي لا ترغب في سلوك طريق السلام على أساس حل الدولتين لن تكون قادرة على توفير الأمن الذي يحتاج إليه شعبها، ولا يستطيع الإسرائيليون أن يستمروا في حياتهم كالمعتاد، متوقعين أن الحلول الأمنية وحدها تضمن سلامتهم، بينما يعيش الفلسطينيون في البؤس والظلم، ومع غياب الأفق السياسي، فإن الوعد بمستقبل سلمي سوف يغيب عن الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء. 

هل هناك أي بدائل واقعية لحل الدولتين؟ 

من الصعب أن نتصور أي حل آخر غير هذا الحل، فحل الدولة الواحدة من شأنه أن يجبر هوية إسرائيل على استيعاب الهويات الوطنية المتنافسة، وإن حل اللادولة من شأنه أن يحرم الفلسطينيين من حقوقهم وكرامتهم. 

إذا استمر الوضع الراهن، فإن الأيام المقبلة ستكون مدفوعة بحرب مستمرة من الروايات بشأن من يحق له أن يكره أكثر ويقتل أكثر، وسوف تحاول الأجندات والأيديولوجيات السياسية الشريرة استغلال الدين. 

إن التطرف والانتقام والاضطهاد سوف يتعمق في المنطقة وفي جميع أنحاء العالم أيضا، وما سيحدث بعد ذلك سيكون نقطة تحول للعالم كله. 

إن بذل جهد دولي متضافر لتطوير بنية إقليمية للسلام والأمن والازدهار، مبنية على السلام الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، يشكل أولوية، والأمر متروك للقادة المسؤولين لتحقيق النتائج، بدءاً من الآن، ولن يكون هذا العمل سهلا، ولكنه ضروري. 

ليس هناك نصر في المذبحة التي تتكشف فصولها الان، ولن ينتصر أحد إلا إذا حصل الفلسطينيون على حقوقهم ودولتهم، وهذا وحده سيكون بمثابة نصر حقيقي للسلام، للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء، وهذا سيكون، أكثر من أي شيء آخر، انتصارا لإنسانيتنا المشتركة.
--------------------------------
عبد الله الثاني بن الحسين
واشنطن بوست

ترجمة - فدوى مجدي






اعلان