17 - 07 - 2024

إيمان يحيى يستقصي محاولة اغتيال سعد زغلول في رواية "رصاصة الدلبشاني"

إيمان يحيى يستقصي محاولة اغتيال سعد زغلول في رواية

صدرت عن دار "الشروق" رواية "رصاصة الدلبشاني" للدكتور إيمان يحيى، الروائي الذي تحوّل إلى التحقيق والتحليل التاريخي عبر النص الروائي ليأخذنا إلى ما وراء الأحداث. فهو هنا لا يلتزم بمقتضيات البحث التاريخي بل باستقصاء الأحداث ومعرفة خلفياتها وأسبابها المباشرة والخفيّة. وهذا ما أعطي الرواية نكهة مثيرة تجمع ما بين الوضوح والغموض، وإن كان الروائي يقدم عبر عدد من المسارات مفاتيح لفهم الأحداث. الرواية تبدأ بعبد اللطيف الدلبشاني الطالب المصري الذي كان يدرس في ألمانيا وعاد منها محملا بالعديد من أفكار الطلبة المصريين من أنصار الحزب الوطني والخديوي عباس حلمي الثاني والمناهضين للملك فؤاد. كانت الحكومة وقتذاك يترأسها سعد زغلول الذي فاز في انتخابات حرة بعد ثورة 1919 وكان يخوض مفاوضات شرسة ضد الإنجليز. وكان الدلبشاني حانقا علي سعد زغلول حيث رأى أنصار الحزب الوطني أنه باع الثورة وشهداءها من أجل المنصب. قاد ذلك الدلبشاني إلى"السعدني" في قهوة "متاتيا" في العتبة وهو يظن أنه من أنصار الحزب الوطني لينقل له حنقه على سعد زغلول. فيحفزه "السعدني"علي اغتيال سعد زغلول ثم يقابله لاحقا ليمده بالسلاح. ظل الدلبشاني يترقب سعد زغول إلي أن استقر رأيه علي اغتياله عند سفره من محطة قطار القاهرة لتهنئة الملك فؤاد في سراي رأس التين في الإسكندرية بعيد الأضحى. وفي محطة القطار يطلق النارعلى سعد زغلول، لكنه ينجو من الموت بأعجوبة. 

هنا تعود الرواية، إلى"إنغرام"؛ نائب حكمدار بوليس القاهرة ومقابلاته مع ضابط مخابرات يدعى "جورج" يعمل في السفارة البريطانية. يخبره "جورج" أنهم رصدوا مخططا لاغتيال سعد زغلول يقف وراءه القصر الملكي في مصر. ويطلب "جورج" من "إنغرام" اخفاء سلاح الحادث لإحداث بلبلة في أوساط المصريين. وهذا ما يقودنا إلى قيام "إنغرام" بإخفاء السلاح للأبد. النتيجة التي تقدمها الرواية أن الصراع بين الملك فؤاد والخديوي عباس حلمي الثاني الذي عزله الاحتلال الانجليزي عند قيام الحرب العالمية الأولي وجاؤوا بالسلطان حسين كامل ثم الملك فؤاد، جعل العداء مستحكما بين الطرفين خاصة أن الرواية تذكر أن عباس حاول استعادة حكم مصر عن طريق ليبيا وحاول التحريض ضد الملك فؤاد. 

كان أنصار الخديوي هم الطلبة المصريون في ألمانيا خاصة المنتمين إلى الحزب الوطني، لذا كان التركيز عليهم من قبل البوليس والإنجليز والملك واضحا. لكن ما تكشفه الرواية هو أن كل الفرقاء التقوا ضد نشر الشيوعية عبر هؤلاء الطلبة، في أوساط النقابات أو الأحزاب أو الجمعيات. ثم نرى الرواية تفصل تاريخ الحركات اليسارية في المنصورة عبر "عبد الحميد الطوبجي" الطالب الميسور ماليا والذي لم يكمل دراسته في ألمانيا. زاره "عبد اللطيف الدلبشاني" قبيل محاولة قتله سعد زغلول، فسيطر القلق على"عبد الحميد الطوبجي" ورفقائه في المنصورة. هذا القلق الذي نرى من خلاله وصفا لشوارع ومقاهي وبيوت المنصورة. ومن الطريف أن الروائي ولد وعاش في المنصورة، فكأنه يقدم لنا هنا وصفا للمدينة ونراه يقودنا منها للاسكندرية والتي حضرت في الرواية عبر الحركات اليسارية وقضية التنظيم الشيوعي والتي كان "إنغرام" طرفا فيها حين كان يعمل في بوليس الإسكندرية قبل نقله للقاهرة. 

إن الملفت في الرواية أنها ليست نصا أدبيا جافا بل سلسة في أحداثها، تأخذك بسرعة من حدث لحدث ومن قضية لقضية. فها هي قضية "الدلبشاني" أثناء تحقيقات النيابة تقود إلى عدة قضايا لأعضاء الحزب الوطني وللطلبة المصريين الذين درسوا في ألمانيا. ومن هنا تم توجيه اتهامات سياسية إلى أحمد وفيق رئيس تحرير صحيفة "اللواء"، وعصام حفني ناصف وغيرهما. فيما كان "الدلبشاني" في سجنه يحاول جاهدا أن يتابع الأحداث ليهديه تفكيره بأن يوهم النيابة أنه مجنون. تحوله النيابة لمستشفي العباسية للأمراض النفسية. وبعد سنوات يخرج ويفوز في مسابقة شطرنج وهو ما يثير حفيظة سعد باشا زغلول الذي ترك الوزراة بعد محاولة اغتيال السردار ستاك الضابط الإنجليزي. 

تقدم لنا الرواية شخصية حسن نشأت باشا الذي كان قائما بأعمال ديوان الملك فؤاد وهو شخصية لعبت دورا في حبك مؤمرات القصر الملكي ضد خصومه، وهو الذي أعطى السلاح للسعدني ليعطيه للدلبشاني لاغتيال سعد زغلول. فكأن القصر كان يخشى شخصية وجماهيرية سعد زغلول، فالتقت مصالحه مع مصالح الإنجليز في اغتياله أو إثارة الاضطرابات في مصر للتخلص من مطالبات المصريين بالاستقلال. الرواية إذن ليست رواية فقط بل ستتحول لمرجع تاريخي قدم آراء جديدة في حدث تاريخي، كاشفة عن أسراره.
---------------------------------
بقلم: د. خالد عزب

...