29 - 06 - 2024

موقعنا في المشهد الإعلامي العالمي.. ما السبيل؟ *

موقعنا في المشهد الإعلامي العالمي.. ما السبيل؟ *

يشمل الحديث هنا قضيتين، الأولى تتعلق: بموقع الجزائر وحركتها في المجال الإعلامي، بما يعكس خصوصيتها الوطنية والمجتمعية، والثانية: تخصّ المشهد الإعلامي العالمي، مضاف إليها وجود الجزائر فيه.إذن، بداية الطرح تقتضي وتفترض، بل أنها تُسلم، بوجود علاقة عضوية بين القضيتين، ذلك لأن الجزائر جزء من هذا العالم المتحرك، والمتدفق إعلاميّاً.غير أن هذا التسليم في ظاهره الإقرار، ولكن في باطنه"التسفيه" للمسألة الإعلامية من حيث هي سلطة متفوّقة على جميع السلطات من ناحية التأثير، والشهرة، والنجومية، ومهيمنة عليها.

وفي السّياق ذاته، لا يمكن لجميع أنواع السلطات مهما تحكمت في حركة الناس، وأحيانا مصائرهم، أن تظهر للعلن ما لم يكن الإعلام معترفا بها. وهذا ينتهي بنا إلى القول: أنَّ على أجهزة الدول ومؤسساتها السعي بشكل دائم لإقامة علاقة سوية متزنة ومنصفة مع الإعلام، ليس فقط لأجل توصيل رسالتها للناس، وإنما لأن أي مشكلة في العلاقة معه، قد تؤدي أي توتر على مستوى شبكة جميع العلاقات القائمة في الدول من أعلى مؤسسة حيث صناعة القرار إلى نهايات قد تكون بعيدة ذات تأثير مباشر على الأفراد، حتى لو كان منعزلين.عندها لن يشكل صانعو الفعل السياسي مع البشر الآخرين في المواقع المختلفة تكتلا أو تحالفا، بغية تحقيق هدف جماعي مشترك، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً. 

الهويَّة.. والوثنيَّة المُعاصرة

لذلك كله ولغيره، يستدرجُنا الحديث اليوم من حيث نعلم أو لا نعلم، إلى سؤال نعلن فيه ـ بوعي ـ عن هويتنا الوطنية وعلاقتها بالإعلام من ناحية التشابك، والتلاقي، والتصالح، وأحيانا كثيرة الصدام إن لم يكن بشكل واضح لتشكيل رأي عام حول قضية ما ـ محل قبول أو اختلاف أو رفض ـ فعلى الأقل على المستوى الفردي، على ألا يأخذنا التحليل هنا إلى نوع من "الوثنية المعاصرة" في الحديث عن الوطن، وألّا ننسى أننا جزء من منظومة كونيَّة. 

السؤال هنا هو: أنَّى يكون لنا موقع في المشهد الإعلامي العالمي، ونحن نصرّ على البقاء تحت سيطرة ظرفيْ المكان والزمان (الجغرافيا والتّاريخ) دون الفعل فيهما؟

من ناحية الواقع المُعاش، لا يبدو السؤال السابق سليماً، ذلك أننا اليوم نُسْهم جزائريّاً في المشهد الإعلامي العالمي، خاصة عبر وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي، وهي حالة عالمية عامّة، وتلك حالة لا ينكرها إلا جاحد أو جاهل.

الإستراتيجيا.. والجفاف الفكري 

بالنسبة لي أتصور أن هذا الواقع هو الذي يجعلني أبحث عن " الحقيقة" في المجال الإعلامي، والتي تعنى بالأساس، طرح القضايا برؤية إعلاميّة تتغلب فيها الإستراتيجيا عن التكتيك، وتنهي مرحلة" الجفاف الفكري"، والذي تم الترويج له عبر تحطيم كل الثوابت الخاصة بمنظومة القيم للحياة وللموت، وما بينهما.. فهل نحن نسعى فعلاً ـ بمسؤولية وصدق وصبر وتخطيط ـ إلى تخطِّي تلك المرحلة، أو على الأقل نفكر في كيفية الخروج منها؟ دعونا نعترف، وذلك في إطار ما اعتبره مبلغي من العلم في المجال الإعلامي، أن العالم اليوم يعيش مشهداً إعلاميّاً يسيطر فيه المرئي، وخاصة الصورة، لكن تفسيره من حيث المشاهدة أوّلاً، والمقروئية ثانيا، والتفاعل ثالثا، ليس واحداً، ولا ينتظر منه أن يكون ذلك.

البصر.. والبصيرة

وبناءً عليه لا يُسْعدنا أو يُريحنا أن تتلبّسنا روح المشاهدة العامة ببعديْها الزماني والمكاني، كما لا تُلْهينا المشاركة في قراءة واهية أو زائفة للأحداث، سعياً منَّا إلى ابعاد البصر عن الخديعة، والنجاة من أن تُعمى بصائرنا، لكن في الوقت نفسه علينا ألا نوُهم أنفسنا بعودة إلى الوراء، في حالة نكوص.

الحال تلك إن تحققت، ستجعل منّا شركاء في المشهد العالمي للإعلام على مستوى الفعل وصناعة الحدث، مكررين لتجربة عشناها ـ لمن يتذكرها منكم ـ بعد الدخول في مرحلة التعددية، والمدهش فيها أنها كانت تجربة إعلام دولة، عبَّدت الطريق أمام التجارب الخاصة في المجاليْن المكتوب والمرْئي.

إعلامُنا.. الاحتراق والاختراق

إعلامُنا الوطني بإمكانه اليوم أن يخرج من سعة الجغرافيا الجزائرية، وتركة المجد الثوري والتاريخي والسياسي، وضيق المؤسسات الخاصة بحداثتها وعصريتها، والضوابط ـ المشروعة وغير المشروعة لأنظمة الحكم المتعاقبة، حيث الهدف هو التطويع، وليس الحرية، ليحل في فضاء العالم عبر صناعة الفعل، في خروج مطلوب وإجباري من قيود الجغرافيا والتاريخ.

في ذلك تغيير منتظر للواقع الإعلامي على الصعيد المحلي، يتم من خلال صناعة الفعل الإعلامي، يكون سابقا للفعلين السياسي والاجتماعي، ولاحقا بهما ومعبرا عنهما، ومن خلال تلك الصناعة نصبح فاعلين في المشهد الإعلامي العالمي، ومصدّرين لأفكار إيجابية ذات صبغة إنسانية وكونية.

وعبر ذك التغيير نتحرر من سيطرة الدُّخلاء ـ وما أكثرهم ـ ونتجنّب سهام الأعداء، ونتحرر من مخاوفنا الذاتية المتراكمة، ونجعل من الغرق في المحلية انطلاقا نحو أفق أرحب، ونمد جسور ثقة بيننا وبين صاحب القرار، بحيث لا يزعجه تقدمنا نحوه في ظن منه ـ هو إثم في معظمه ـ بأننا نحاول اختراقه، ولا نكون في حال من سوء الفهم لدوره وللعلاقة به، فيكون اقترابنا منه احتراقا، ومن هنا فقط يمكن أن نصبح أصحاب فعل في المجال الإعلامي على الصعيد العالمي.
--------------------------

بقلم: خالد عمر بن ققه * *
*ورقة مقدمة لندوة "الإعلام والتحديات الراهنة" / وزارة الاتصال ـ الجزائر / 02 ديسمبر 2023م
**كاتب وصحفي من الجزائر

مقالات اخرى للكاتب

موقعنا في المشهد الإعلامي العالمي.. ما السبيل؟ *





اعلان