16 - 08 - 2024

رحيل عاشق فلسطين والأندلس عبدالعزيز سعود البابطين

رحيل عاشق فلسطين والأندلس عبدالعزيز سعود البابطين

بغياب رجل الأعمال الكويتي عبد العزيز سعود البابطين اليوم الجمعة عن عمر يناهز السابعة والثمانين عاما، فقدت الثقافة العربية أحد أبرز رعاتها على مدى أكثر من نصف قرن. لكن العزاء في فقده يتمثل في أنه وضع جهوده في إطار مؤسسي لن يغيب إن شاء الله بغيابه. هذا الكيان يتمثل في "مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية" التي اختار الراحل أن يكون مركزها في القاهرة، إيمانا منه بأنها العاصمة الأهم ثقافيا على مستوى العالم العربي. وقد تميز الراحل بإيمان لا يتزعزع بضرورة الاحتفاء بفلسطين، باعتبارها قضية العرب والمسلمين الأولى، فخصص جائزة لشباب الشعراء الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948. كما آمن بحتمية العمل على تذكير العالم بما صنعه المسلمون من حضارة في قلب أوروبا من خلال وجودهم الممتد في الأندلس لما يزيد على ثمانية قرون.وفي سياق الاهتمام بالتراث الثقافي الأندلسي، بمختلف ميادينه الفنية، والأدبية والعلمية، التي مازالت محل اهتمام الباحثين، تقدم "مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية" جائزة مقدارها 30 ألف دولار لأفضل بحث يتناول جانبًا أو أكثر من الجوانب المتعلقة بالتاريخ والثقافة الإسلامية في الأندلس. 

ويصعب أن نلم في مقال واحد بما أنجزه هذا الرجل بماله الخاص حبا في الثقافة العربية، وفي القلب منها الشعر. وهو وإن كانت ذائقته في الشعر تميل إلى قالبه التقليدي، وقد تجلى ذلك في ثلاثة دواوين له، وفي الدواوين التي منح أصحابها جوائز مالية تحمل اسمه، إلا أنه كان على حريصا على مواكبة التطور التكنولوجي في إنتاج المعرفة، من خلال ترجمة ما يستجد منه من لغته الأصلية إلى اللغة العربية عبر "مركز البابطين للترجمة". هنا، سأكتفي بالإشارة إلى بعض ما أنجزه الراحل من خلال عمل مؤسسي برع في إدارته مستعينا بكفاءات من جنسيات مختلفة وفي مجالات شتى. ومن تلك الإنجازات "معجم البابطين لشعراء العربيةفي عصر الدول والإمارات"وصدر في 25 مجلدًا. ويتناول الذين نظموا شعرًا بالعربية؛ عربا كانوا أو غير عرب، قلّ شعرهم أم كثر في فترة زمنية تبدأ سنة 656 هـ وتنتهي في سنة 1258 هـ. ويبلغ عدد الشعراء الذين ورد ذكرهم في هذا المعجم حوالي تسعة آلاف وخمسمئة شاعر. ونذكر هنا أيضا "جائزة البابطين العالمية للدراسات التاريخية والثقافية في الأندلس"، و"مركز البابطين للترجمة". وهذا المركز تقوم آلية عمله على تشجيع دور النشر على ترجمة كتب مهمة للقارئ العربي، وذلك من خلال اتفاقيات مع دور نشر لها مكانتها في هذا المجال، ويتم بمقتضاها تقديم دعم مالي عن ترجمة وإصدار كل كتاب من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية. ويعتبر إنشاء هذا المركز – كما جاء في تعريف مؤسسة البابطين به - بمثابة دعوة أو رسالة تقول إن علينا الالتفات أكثر إلى هذا المحور أو هذا العامل الأساسي من عوامل النهضة، ثم هو دعوة إلى ضرورة وجود وتكثيف المبادرات الخاصة بهذا المجال وضرورة تنويع الجهود ومصادرها، لتحقيق الأهداف الثقافية والتنموية للترجمة ولاسيما في جانبي التنمية الاقتصادية والتنمية البشرية فضلا عن اقتصادات التكنولوجيا والمعلومات في عالم تحركه اليوم أكثر من أي وقت مضى مجتمعات المعرفة.أما من حيث معايير اختيار الكتب، كما تذكر صفحة المؤسسة على الإنترنت، فإن المركز أصدر في بدايته ترجمات كتب عن أحوال الغرب عامة وكتب معرفية تاريخية، وفي مرحلة تالية أصبح التركيز أكثر على الكتب ذات الطبيعة العلمية – التقنية – التكنولوجية. ويعود هذا التركيز إلى الاهتمام باكتساب المعارف من أصولها وبتفاصيلها، وإلى إطلاع القارئ العربي على التجارب والمعارف بالشكل الذي يمكن أن يعزز أساليب ونهج الاكتشاف وطرقه وسبله وتجاربه وخاصة الحديث منها. فالمطلوب ليس فقط التركيز على نتائج وإنجازات العلوم والتكنولوجيا، بل التركيز أيضاً على مسيرة العلوم ومجريات وظروف الأبحاث والاهتمام بالمعارف التي تساهم في استلهام أفكار وتقنيات جديدة وتؤدي لاحقاً إلى الابتكار والإبداع العلمي. 
---------------------------
بقلم: علي عطا


مقالات اخرى للكاتب

نحو مدوَّنة سلوك مهني تواكب حتمية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي