17 - 08 - 2024

ماذا يريد الشعب؟

ماذا يريد الشعب؟

انتهت الانتخابات الرئاسية وفاز السيسى بفترة رئاسية ثالثة، ونظرا لأن هذه الانتخابات قد تمت فى ظل ظروف محلية وإقليمية وعالمية غير عادية فى تاريخ مصر المعاصر، لذا يمكن أن نقول إنه لابد من أن يتم مناقشة وتقييم هذه الانتخابات بكل صراحة وبكل وضوح حتى تكون هذه التجربة فرصة للأستفادة والتغيير المطلوب لصالح الوطن فى المقام الأول. 

بداية ونظرا للتراكم التاريخى الموروث للانتخابات المصرية وما تم توارثه من فرض وصايات متعددة على الناخب مما يشوه الحالة الانتخابية فى إطار حرية الرأى الحقيقية، لذا وجدنا بعض من هذه الموروثات التى تعتمد على الحشد الجماهيرى بعيدا عن الرؤية والرأى السياسى، فقد كان جزء من هذا الحشد يدخل فى إطار التعليمات الحزبية (بعيدا عن برامج الأحزاب المغيبة) والوظيفية (تنفيذا للأوامر) التى نتمنى غيابها وإسقاطها. 

وبالرغم من هذا الموروث الذى يجب أن نسقطه حتى نحقق حرية حقيقية وديمقراطية سليمة وجدنا أن هناك حشدا جمهيريا يخرج ليس فى إطار انتخابات رئاسية تقليدية مكررة. ولكن كان حشدا سياسيا حقيقيا حتى ولو بالفطرة السياسية الوطنية من أجل حماية وصون الوطن من تلك المواجهات الخطيرة وغير المسبوقة التى يمر بها. فقد استشعر المواطن بخطورة تلك المواجهات المتعددة وآخرها أحداث غزة. وهنا أقول كمعارض مصرى وطنى أن موقف مصر وما يحاك لها من مؤامرات يشارك فيها الدولى والإقليمي (للأسف) كان موقفا مشهودا يتوافق مع تاريخ مصر الحضارى الذى يؤكد صلابة المصرى وتحمله لكل الصعوبات حفاظا على سلامة الوطن.

فبالرغم من ظروف المواطن الاقتصادية الصعبة نتيجة لانفلات الاسعار وغير ذلك من مشاكل، وجدنا حشدا يؤجل الحديث وأخذ أى مواقف سياسية تجاه تلك الظروف.

لذا على الرئيس السيسى أن يضع فى اعتباره أن هذه النتيجة الانتخابية إذا كانت لشخصه ولمواقفه التاريخية خاصة فى إسقاط الجماعة التى كانت تريد تحويل مصر إلى ولاية تابعة، أيضا فإن هذا الحشد وتلك النتيجة هى ثقة مجددة لمرحلة قادمة لابد فيها من تغيير حقيقى نصل من خلاله إلى الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة عملا وفعلا. وهنا وبالرغم من تعدد القضايا المهمة والهامة التى يجب الاهتمام بها ومنها التعليم والصحة وبناء الإنسان المصرى الواعى ...الخ. ولكن هنا نريد أن نتحدث عن الممارسة السياسية الحقيقية التى هي البداية الصحيحة لكل تغيير ولكل تقدم.

وهنا نقصد حرية التعبير عن الرأى والمشاركة فى اتخاذ القرار، فحرية التعبير هذه لاتكون ولا تتحقق بغير حرية الإعلام وإبداء الرأى المؤيد والمعارض . فالمؤيد فقط يفتح الباب للنفاق وللتطبيل وتحقيق المصالح الخاصة والذاتية على حساب مصلحة النظام والوطن. كما أن الرأى المعارض لايعنى رفع الشعارات المحفوظة والمكررة والتى لاتجد طريقا للتحقق على أرض الواقع نظرا لبعدها عن توصيف هذا الواقع توصيفا سليما وإسقاطها للامكانات التى يجب أن توجد لتحقيق هذه الشعارات، أو معارضة لإثبات التواجد الذاتى. 

فلابد أن يكون المؤيد والمعارض ممتلكا لرؤية سياسية تتوافق مع الواقع وتحل المشاكل وتحكم فى القضايا وتحقق الآمال، وكلاهما لابد أن يؤيد مايرى صحيحا ويرفض مايرى خاطئ على أرضية ورؤية سياسية تهدف إلى صالح الجماهير. 

هنا فحرية الرأى والمشاركة لاتتحقق فى ظل هذه السياسة الإعلامية المغلقة والتى تسير بالاوامر بعيدا عن رؤية سياسية تعى المصلحة العامة التى هى مصلحة النظام أى نظام ومصلحة الوطن.  فالإعلام يجب ألا يفقد المصداقية، والمصداقية هذه لاتتحقق بغير الرأى الآخر الذى ينير الطريق لصاحب القرار، فيرى الصورة الكاملة غير المنقوصة بعيدا عن التجزؤ والتجزئة. 

وعندما يفقد الإعلام مصداقيته يكون هذا عبئا على أى نظام، وهذا لاينفصل عن استمرار الحوار الوطنى ليس بالضرورة أن يكون بالصورة التى كانت ولكن هناك أساليب وطرقا متعددة لاستمرار هذا الحوار الذى يمكن أن يكون بديلا مؤقتا عن غياب نواب الشعب عن الارتباط الحقيقى بالجماهير، وبديلا أيضا عن غياب الحياة الحزبية الحقيقية حيث الآن توجد أحزاب ورقية ديكورية لاعلاقة لها بمنهجية الحياة الحزبية الصحيحة. هنا ننتظر عاجلا وليس آجلا وبدون تخوفات خاصة بعد تلك التجارب التى أثبتت وتثبت عظمة المصرى وتمسكه بوطنه وتحمله الأعباء من أجل رفعته .

ننتظر نظاما انتخابيا يعطى الفرصة لكل التيارات السياسية أن تمثل، أن تبدأ صياغة للحياة الحزبية بعيدا عن هذا العدد الذى لاوجود له للأحزاب الورقية وأن تتم ائتلافات حزبية تكتفى بالقوى السياسية الممثلة لمجمل الشعب المصرى بكل الانتماءات، أن يفتح الباب إعلاميا للرأى الآخر بعيدا عن الصوت التطبيلى فقط، والذى يحب أن يكون قد استفاد من التجربة الانتخابية وموقف الشعب تجاه التحديات.  

الحديث يطول ولكن الحرية والمشاركة هما الركنان الأساسيات اللذان يمكن من خلالهما أن نعرف المطلوب ونشارك فى التفعيل والعمل الجاد والمنتج لصالح هذا الوطن الغالى والمواطن الذى يحتاج إلى من يحنو عليه . 

ملحوظة : اتحفظ على تلك المظاهرات المصاحبة للانتخابات من رجال الدين المسيحى التى تم تغطيتها اعلاميا بصورة مبالغ فيها . فإذا كانت ذاتية أو تعليمات ( الله اعلم ) فهى لاتصب فى صالح التوحد الوطنى حاليا ومستقبلا. حفظ الله مصر وشعبها العظيم وجيشها الوطنى الذى نحتاجه الان وفى كل وقت.
-------------------------------
بقلم : جمال أسعد

مقالات اخرى للكاتب

أسلمة دكتور مجدى يعقوب