29 - 06 - 2024

حرب غزة 2023.. إما أن تتوقف الحرب الآن أو تتوسع.. المنطقة والعالم في مواجهة الأزمة

حرب غزة 2023.. إما أن تتوقف الحرب الآن أو تتوسع.. المنطقة والعالم في مواجهة الأزمة

تشير التطورات الحادثة على ساحة الحرب في غزة إلى أن الوضع مأزوم. والأزمة تعني الوصول إلى لحظة حرجة قد تؤدي إما إلى تحسن الوضع أو إلى تدهور شديد. وتتسارع الجهود الإقليمية والدولية الآن من أجل تحسين الوضع، إلا أن الأمر يظل مرهوناً بالقرار الذي قد يتخذه المتطرفون في الحكومة الإسرائيلية والمتشددون في فصائل المقاومة الفلسطينية الذين يحملون السلاح لمقاومة العدوان الوحشي للجيش الإسرائيلي. 

الأزمة حدثت بعدما أعلنت حركة حماس رفض اقتراح هدنة لمدة أسبوعين، ورد قادة إسرائيل على رفض حماس بتصريحات أكثر تشددا يؤكدون خلاها الإصرار على مواصلة القتال حتى النصر، واتبعوا تلك التصريحات بتصعيد عسكري في غزة وفي الضفة الغربية، واللجوء إلى أساليب إرهابية واضحة من خلال عمليات للإعدام الميداني لفلسطينيين، في محاولة منهم إلى استغلال الفرصة السانحة والدعم الأمريكي لعدوانهم وتطرفهم إلى أقصى مدى ممكن. وفي مواجهة هذا الوضع المتأزم، كثفت دول المنطقة والقوى الدولية جهودها من أجل التوصل إلى صيغة تضمن وقف التدهور الشديد والانزلاق إلى مواجهة أوسع، مع تصعيد جماعة الحوثيين في اليمن تهديداتهم لحركة الملاحة في البحر الأحمر عبر مضيق باب المندب. 

الكل بات في سباق مع الزمن من أجل إنهاء الحرب وتجنب اندلاع حرب إقليمية أوسع، وسط مؤشرات على حرص الأطراف جميعا على تجنبها، فإيران أعلنت أن لا مصلحة لها في توسيع الحرب، وأبقى حزب الله على مستوى عملياته مع أنباء عن سحب جزء كبير من قواته شمالاً بعيداً عن حدود لبنان الجنوبية لتأمينها، وتواصلت الاتصالات المصرية مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي من أجل القبول بالهدنة المؤقتة لكن بعد تطوير الاقتراح، بحيث يصبح هذا القبول مرحلة لمبادرة تنفذ على ثلاث مراحل وتؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار والشروع في مفاوضات لإنهاء الانقسام الفلسطيني، بما يوفر آلية لإدارة الوضع في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، وعودة النازحين والإعمار. وعلى الصعيد الدولي كان صدور قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الصادر يوم السبت والذي يقضي بزيادة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، ولم يدع إلى وقف لإطلاق النار، والذي قوبل بانتقادات من إسرائيل وحماس وأطراف عربية، ولأسباب مختلفة.  

ليس واضحاً إذا كان الوصول إلى هذه اللحظة الحرجة نتيجة تخطيط استراتيجي لأحد الأطراف المنخرطة في الحرب أو لطرف يديرها أم أنه كان نتيجة لمجريات الحرب وعدم قدرة أي من طرفي الحرب على الحسم، أو بسبب حسابات كل طرف لما يمكن تحقيقه من مواصلة القتال والأهداف المرجو تحقيقها. 

فبعد أن أعلنت قيادة حركة حماس رفضها عرض الهدنة الإنسانية لمدة أسبوعين، التي تقضي بالإفراج عن جميع المخطوفين الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح عدد من المسجونين الفلسطينيين بعضهم يُشكل خطورة أمنية كبيرة من وجهة نظر أجهزة الأمن الإسرائيلية، وأصرت حماس على مبادرة تقضي وقف الحرب أولاً، ثم إطلاق سراح جميع المخطوفين مقابل إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، فيما يعرف بصيغة الكل أمام الكل، صدرت تصريحات من القادة على الجانبين تعلن مواصلة القتال حتى النصر، واستخدم فيها قادة حماس تعبيرات من قبيل "رضوخ" إسرائيل لشروط حماس، مما يبرز أنه على الرغم من حقيقة أنه لا منتصر ولا مهزوم في مثل هذه الحروب، فإن معيار النصر والهزيمة الأساسي هو الإرادة، وطالما أن إرادة أي من الطرفين لم تنكسر، لا يتبقى سوى حسابات المكسب والخسارة بالنقاط، والقدرة على تحقيق الأهداف المعلنة، التي يجري تعديلها وفق المتغيرات في الميدان. وتعيدنا هذه التصريحات إلى نقطة بدء هذه الحرب في السابع من أكتوبر، وأصبحنا الآن في مواجهة احتمالات متزايدة، مدعومة بمؤشرات، لتوسع الحرب، لتضم أطرافاً إقليمية أخرى، وأن هذه الاحتمالات تتعاظم كلما طال أمد الحرب. 

إن احتمال استمرار الحرب الراهنة لفترة أطول قائم بدرجة كبيرة في ضوء المعطيات الراهنة في ميدان المعركة وفي ضوء متغيرات على الساحة الإقليمية، تتشكل فيها تحالفات وتحولات في المواقف ترسم خطوط القتال المحتملة. فبعد أسابيع من العمليات القتالية تخللتها هدنة إنسانية استمرت تسعة أيام، لا تزال فصائل المقاومة الفلسطينية قادرة على شن هجمات صاروخية على أهداف داخل إسرائيل، ولا يزال مقاتلوها قادرين على إيقاع خسائر في صفوف العدو، ولم نشهد أيضاً نزوح أعداد كبيرة من المدنيين في غزة هربا من القتال، مما يشير إلى عجز إسرائيل عن تحقيق أحد أهدافها الرئيسية المعلنة، رغم الخسائر الكبيرة التي ألحقتها بالفلسطينيين، ورغم التدمير الواسع الذي لحق بالبنية التحتية المدنية والعسكرية. 

في المقابل، لم تتمكن حماس إلى الآن من تحقيق هدفها الرئيسي المعلن، وهو تبييض السجون الإسرائيلية، ولم يطرأ جديد على أسلوب جماعة حزب الله اللبنانية على شن هجمات على إسرائيل تضامناً مع المقاومة في غزة، مع حرص شديد على عدم توسع هذه الهجمات بما يهدد بالانتقال إلى حرب شاملة تشنها إسرائيل على لبنان، رغم تصريحات المسؤولين العسكريين المتكررة والتي تهدد لبنان، من أجل الضغط سياسياً على حزب الله. لكن ثمة تقارير تشير إلى أن الضغوط الدبلوماسية التي تمارس على لبنان والضربات الإسرائيلية لمقاتلي الحزب في جنوب لبنان وسوريا، أدت إلى سحب قوات الحزب إلى الشمال من نهر الليطاني، بعيد عن الحدود الجنوبية، مما يشير إلى أن إيران بصفتها لاعب إقليمي رئيسي من خلال تأثيرها على محور المقاومة، لا تسعى إلى إشعال الموقف إقليمياً، لاسيما أن بعض أهدافها تحققت نتيجة لهذه الحرب التي أطلقتها عملية "طوفان الأقصى".    

حتى إسرائيل لا مصلحة لها في توسع الحرب إقليمياً، رغم إصرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وأقطاب حكومته، لاسيما من الأحزاب اليمينية المتطرفة، على مواصلة الحرب ضد الفلسطينيين على أمل تغيير الخريطة السكانية والديموغرافية، لكن الأهم أن هذه الحرب تضمن لهم بقاء هذه الحكومة في السلطة، ذلك ان توقف الحرب يعني بدء لحظة الحساب التي تشير إلى أنه سيكون عسيرا لنتنياهو، الذي تتراجع شعبيته في استطلاعات الرأي، والأحزاب الشريكة له في الحكومة الائتلافية. لكن ثمة مؤشرات على أن هذه الحرب ستتوقف لتبدأ لحظة الحساب. 

       

مستجدات على الساحة الأوسع

أول هذه المستجدات من ميدان المعركة واعتراف مسؤولين عسكريين إسرائيليين بأن تدمير حماس وتفكيك بنيتها العسكرية أمر غير قابل للتحقق في المدى القصير؛ أي خلال ثلاثة أشهر. فقد أشار المحلل العسكري الإسرائيلي يوآف زيتون، إلى قوة حركة حماس وكتائب عز الدين القسام المسلحة، وقال إنها تحولت إلى "جيش حقيقي تمّ تأسيسه على مرمى حجر" من إسرائيل، والأهم أن هذا الجيش أفراده يمتلكون إرادة قتالية تجعلهم "يفضلون الموت على الاستسلام" ويرفضون التخلي عن مواقعهم. هذا التقدير دفع المخططين العسكريين الإسرائيليين إلى إعادة تركيز عمليتهم العسكرية في قطاع غزة على هدف أقل يتمثل في اعتقال يحيى السنوار، قائد حركة حماس أو اغتياله، أملا في أن يؤدي هذا إلى "تسريع انهيار حماس عسكرياً وإنهاء الحرب". وهو هدف لا يقل صعوبة أيضاً عن الهدف السابق. وكشف تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن إسرائيل لم تتمكن من تحديد مكان السنوار وغيره من كبار قادة حماس، بعد أكثر من شهرين من اندلاع الحرب. كذلك، تشير الخبرة السابقة إلى أنه من غير المرجح أن يكون لمقتل أي من قادة حماس، أو حتى القضاء على حماس كلها، أي تأثير على المقاومة الفلسطينية، بل من المتوقع أن تزداد المقاومة قوة وصلابة نتيجة لوحشية العدوان الإسرائيلي. 

من المرجح، أن تدفع هذه الوحشية أطرافا أخرى للدخول إلى ساحة الصراع مع إسرائيل، مثلما يشير تدخل الحوثيين، وسعيهم للتأثير على مسار الحرب من خلال تهديد حركة الملاحة في مضيق باب المندب. لقد اكتشف الحوثيون أن في التأثير على حركة الملاحة والشحن العالمية ورقة ضغط على المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لوقف الحرب دون تحقيق هدف القضاء على حماس. فقد أثرت تهديدات الحوثيين للسفن التي تمر عبر مضيق باب المندب على شحنات الغاز الطبيعي عبر البحر الأحمر وقناة السويس الذي يُعد أسرع طريق بحري بين آسيا وأوروبا، رغم أن سفن قطر، المورد الرئيسي للغاز المسال لأوروبا، تواصل عبور البحر الأحمر باتجاه قناة السويس، وفقا لبيانات تتبع السفن. وكان لقرار الحوثيين تأثير واسع على شركات الشحن البحري، ومن غير المرجح أن تنجح الجهود الأمريكية لتشكيل تحالف بحري دولي لتأمين مرور السفن، لأن مثل هذا القرار ينطوي على مخاطر أكبر، والأرجح أنها انضمت للجهود الدولية الضاغطة على إسرائيل من أجل وقف الحرب أو تغيير نمط العمليات العسكرية في غزة لتقليص حدة الحرب واستهداف المدنيين، الأمر الذي سيؤثر على قدرة إسرائيل على تحقيق الهدف الآخر المتمثل في دفع المدنيين الفلسطينيين في النزوح إلى مصر. 

أكدت الولايات المتحدة، التي تضغط على إسرائيل أيضاً من أجل زيادة المساعدات التي تصل إلى غزة، في وقت سابق أنها تعمل مع آخرين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لحل نقاط خلافية تتعلق بمشروع قرار قدمته دولة الإمارات لمجلس الأمن، يحث على وقف عاجل ومستدام للأعمال القتالية في القطاع، للسماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق، ورغم أن واشنطن صوتت ضد القرار، المدعوم من جميع أعضاء المجلس، وعشرات الدول الأخرى، لاعتقادها بأن وقف إطلاق النار الدائم لن يفيد سوى حماس. لكن تؤيد واشنطن الوقف المؤقت للقتال وتبادل للأسرى وهو الأمر الذي رفضته حماس.

واختيار قادة إسرائيل لهجة متشددة للرد على رفض حماس يختبر قدرة الولايات المتحدة في احتواء أي آثار قد تترتب على توسيع القتال على الصعيد الإقليمي، ومواصلة جهودها للحيلولة دون توسع الحرب إلى حرب إقليمية قد تكون لها نتائج أبعد مدى على المستوى الدولي. وتكثف الإدارة الأمريكية ضغوطها على إسرائيل كي تنتقل إلى نمط مختلف للعمليات، أكثر دقة، ضمن استراتيجية جديدة ناقشها وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن مع قادة إسرائيل تقوم على تقليص التواجد العسكري الإسرائيلي في القطاع والتركيز على إقامة منطقة عازلة تفصل بين القطاع وبين مستوطنات الغلاف، بعرض كيلومتر واحد تقريبا، والضغط على إسرائيل لتجنب تعريض المدنيين الفلسطينيين للخطر، والتركيز على الاستهداف الدقيق لقيادة حماس وعلى العمليات التي تستند إلى معلومات استخباراتية في المرحلة الجديدة للحرب، مما يخفف من التوتر الإقليمي.

وتشير فكرة الاستراتيجية الجديدة التي تقترحها الولايات المتحدة إلى توافق الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية على فكرة استمرار الحرب واستمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل خصوصا أن شيئا لم يتغير بعد في الموقف من حماس، لكنها لا تريد في الوقت نفسه توسع الحرب. لكن من غير الواضح ما إذا كانت إسرائيل تبدي استعدادا لتقليص تواجد جيشها في غزة والتركيز بشكل أكبر على الهجمات الأصغر حجماً، لأن ذلك لا يضمن لها تحقيق أهدافها بعيدة المدى. وتزيد الحسابات المتعلقة بإدارة القطاع بعد انتهاء العمليات العسكرية وكذلك بالحفاظ على تماسك الحكومة الإسرائيلية صعوبة الانتقال السريع لمثل هذه الاستراتيجية، الأمر الذي قد يزيد من هجمات الحوثيين وعمليات حزب الله وما يشكله ذلك من ضغوط على إسرائيل قد تدفعها للرد بشكل مؤلم باستهداف البنية التحتية في لبنان. ورغم أن الولايات المتحدة لم تقتنع بعد بأن إطالة أمد الحرب يشكل تهديداً لمصالحها ومصالح حلفائها، إلا أن وجهة نظرها لا تتطابق بشكل كامل مع وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية، وحسابات نتنياهو، الذي يرى في إطالة أمد الحرب فرصته الوحيدة للبقاء في الحكم، وحاجته الماسة للإقدام على عمل يحسن من شعبيته المتدهورة في استطلاعات الرأي. 

استمرار كابوس غزة رغم التدمير

يبدو أن زيادة حدة العدوان على غزة وتحويل معظم مناطقها إلى خرائب يصعب العيش فيها، إلا أن إسرائيل تواجه خيارات أكثر صعوبة فيما يتعلق بمستقبل القطاع. ففي الحرب على غزة، لا تُختبر فقط الأسلحة الجديدة، وإنما تُختبر أيضا النظريات والمفاهيم المتعلقة بالصراع الدولي والحرب. فالخبرات التي تعلمها الطرفان من حروبهما الست السابقة، ومن النظريات الحديثة التي تدرس في كليات الحرب، وجرى تطبيق بعضها في ميادين القتال، تتجلى الآن في ميدان المعركة على ما يبدو. فمن حيث التصنيف، تندرج هذه الحرب في فئة "الحروب اللامتكافئة"، بالنظر إلى ميزان القوة بين الطرفين المتحاربين والاختلاف الكبير في التنظيم العسكري. فهي حرب تدور بين جيش نظامي يشن حربا شاملة يستخدم في العمليات التي يشنها قواته البرية والجوية والبحرية، وبين جماعات مسلحة تخوض تكتيكات مختلفة مستمدة من خبرات حروب العصابات، من أهمها حرب الأنفاق، والتي تختبر نظرية ميزان القوة، كما تختبر أيضاً مفهومي النصر والهزيمة، وتختبر أيضاً مفاهيم جديدة، مثل مفهوم الحرب الطويلة، وتختبر فرضية سائدة ترى أن الجيش الإسرائيلي لا يقوى على الصمود في معركة حربية طويلة الأمد.

كذلك، كشفت هذه الحرب عن حقائق جديدة في مقدمتها مساهمة التكنولوجيا الحديثة في تقليص الفجوة من ناحية المزايا العسكرية بين إسرائيل وجماعات أخرى مثل حركة حماس، حسبما أشار تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية التي قالت إن هذه التكنولوجيا سمحت للجماعات المسلحة بأن تتصرف بطرق تحاكي الجيوش رغم الفجوة الكبيرة في التسليح، التي عوضتها من خلال التدريب والقدرة على شن عمليات عسكرية تحد من المزايا العسكرية التي تتمتع بها الدول. هذه الحقيقة كانت واضحة بشكل جلي من واقع حرب أفغانستان وحرب العراق. فقد أثبتت الحربان صعوبة إلحاق هزيمة عسكرية بمثل هذه التنظيمات التي تحارب بعقيدة قتالية معقدة. وتضيف حالة حماس بعداً آخر متعلقا بالتكنولوجيا الحالية التي مكّنتها من شن هجمات متطورة وأيضا من نشر الدعاية بقدر لا يقل عن قدرة إسرائيل، مما أفقدها السيطرة على تمرير روايتها للحرب عبر وسائل الإعلام العالمية، ومكنت التكنولوجيا الحديثة أيضا حماس والجهاد الإسلامي من ابتكار أنظمة الأسلحة الخاصة بهما، والتي ساعدت في تحييد بعض عناصر التفوق العسكري الإسرائيلي. صحيح أن فصائل المقاومة الفلسطينية لم تتمكن من إلحاق أضرار مؤثرة على البنية التحتية الإسرائيلية، مثلما فعلت إسرائيل في قطاع غزة، غير أن نجاحها في اثبات أنها لا تزال تحتفظ بقدرة على توجيه ضربات لإسرائيل، واستدراج جيشها لاستخدام القوة المفرطة على نحو لا يقوض فقط من صورته الخارجية، وإنما يؤثر أيضاً على قدرته على تحقيق هدفه المتعلق بتحرير المخطوفين، الأمر الذي يزيد من ضغوط الرأي العام الداخلي على حكومة نتنياهو وتوثيق ذلك ونشره إعلامياً، الأمر الذي يجعل من الصعب على قادة إسرائيل ضبط النفس، تفاديا لغضب الناخبين، ويضعف من قدرة إسرائيل على تقليص قدرة حماس على حشد الدعم والتحريض على المزيد من العنف.

قد يزيد هذا الوضع من صعوبة الخيارات المتاحة أمام إسرائيل فيما يخص بالترتيبات في قطاع غزة بعد الحرب. ومن الواضح أن فشل إسرائيل في تفكيك حركة حماس عسكريا وسياسيا سيجعل الحركة طرفاً أساسياً في أي صيغة مستقبلية في القطاع سواء بمشاركة السلطة الفلسطينية أو منفردة، خصوصاً مع تنامي شعبية حماس وفصائل المقاومة على المستوى الفلسطيني وعلى المستوى العربي. إن حديث نتنياهو الرافض لكل من السلطة الفلسطينية وحماس -"لا فتحستان ولا حماستان"- لم يقدم رؤية جديدة للمستقبل، وأثبت ضيق أفقه ومحدودية حساباته السياسية المتمحورة حول ذاته. إن المعضلة الحقيقية التي يواجهها نتنياهو والتي باتت حقيقة واقعة، أنه بعد أن تنتهي الحرب في غزة، سينتهي هو وستبقى حماس، وفي هذا انتصار حقيقي للحركة.

قرار واحد لا يزال بيد نتنياهو للإفلات من هذا المصير، وهو الدفع بشخصية جديدة قادرة على قيادة فلسطين مع الاستعداد للتراجع عن ادعائه الكاذب بأنه لا يوجد مفاوض فلسطيني، والتراجع كذلك عن وهم إمكانية تحقيق سلام بدون إعطاء الشعب الفلسطيني جزءًا من حقوقه المشروعة وإفلاس صيغة "السلام مقابل السلام" التي ثبت فشلها. الشخصية التي بيدها تغيير المعادلة موجودة في سجون إسرائيل وهي على رأس قوائم الأسرى الذين تطالب المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها الإفراج عنهم، إنه كلمة السر لفتح الأبواب لمستقبل مغاير، لا ينهي فقط كابوس غزة، وإنما ينهي أيضاً خيارات حماس في الضفة الغربية، خاصة لو أقدم على خطوة الإفراج عن مروان البرغوثي من جانب واحد ودون اتفاق للهدنة أو وقف لإطلاق النار، فإن من شأن ذلك أن يدفع بأوراق جديدة في المعادلة. لكن هل نتنياهو سياسي قادر على رؤية الفرصة التاريخية السانحة له؟ الإجابة الأرجح هي لا، لقد كتب نتنياهو نهايته بيده قبل سنوات طويلة.
---------------------------
بقلم: أشرف راضي

مقالات سابقة للكاتب عن حرب غزة

طوفان الأقصى.. علامة فارقة في الصراع مع إسرائيل

الحرب على غزة وتوسيع مبدأ تدفيع الثمن ليصبح عقيدة قتالية للجيش

وقفة مع "حرب غزة 2023" وسيناريوهات للمستقبل

حتى لو تم تدمير غزة لن تنتهي قضية فلسطين

تغيير البيئة الإقليمية للصراع | حرب غزة 2023، وإعادة ترتيب ضرورية لأوضاعنا الداخلية والإقليمية

حرب غزة 2023.. وتجديد الصهيونية | إسرائيل تنفذ عملية ممنهجة لتصفية القضية الفلسطينية

حرب غزة 2023.. حول التناقض الرئيسي والتناقضات الثانوية

حرب غزة 2023.. التفاعل المتسلسل الذي أوصلنا لهذا الوضع وكيف ننهيه

حرب غزة 2023.. في مواجهة الرسائل الخطيرة من قلب المعركة

حرب غزة 2023.. الحرب امتداد للسياسة إلا في غزة

حرب غزة 2023.. مفاهيم جديدة في الحرب من ميدان المعركة

حرب غزة 2023.. خيارات سعودية مصيرية

مصر والقضية الفلسطينية بعد حرب غزة: "توسيع الخيارات وهامش المناورة"

مقالات اخرى للكاتب

حرب غزة 2023 | هل تغامر إسرائيل بفتح جبهة حرب جديدة في لبنان؟





اعلان