30 - 06 - 2024

حصاد 2023 الثقافي: طه حسين يتحدى الغياب و"فرانكفورت" ينحاز لإسرائيل ولويس يرفض جائزة ساويرس

حصاد 2023 الثقافي: طه حسين يتحدى الغياب و

- شيخ المترجمين وكاتب أدب الطفل الأول أبرز الراحلين   - أمين معلوف يتولى منصب أمين عام الأكاديمية الفرنسية
- عمر شهريار يدير "بيت الشعر" خلفا لسامح محجوب   - "العروس" و"رصاصة الدلبشاني" و"صاحب المدينة" روايات مصرية لافتة 
- "المرسال" و"جدتي وأمي وأنا" بين أبرز الأعمال المترجمة   - "المصرية اللبنانية" تصدر مقالات نجيب محفوظ في ثلاثة مجلدات 
- حبس شاعر لانتقاده وزيرة الثقافة التونسية عبر السوشيال ميديا 

كان العام المنصرم هو عام طه حسين، (مصريا وعربيا وحتى دوليا) وتجلى ذلك في إصدار عدد من الكتب عنه وفي سباق محموم على نشر أعماله إلكترونيا وورقيا، بين دور نشر خاصة مثل "هنداوي" ومقرها في لندن، والدار المصرية اللبنانية في القاهرة، وأخرى حكومية، مثل الهيئة المصرية العامة للكتاب، خصوصا بعد سقوط حقوق ملكيتها الفكرية بالنسبة إلى ورثته الشرعيين؛ لمرور خمسين عاما على رحيله. ومن أهم الكتب التي صدرت عنه خلال عام 2023 كتاب "بصيرة حاضرة... طه حسين من ست زوايا" (مركز أبوظبي للغة العربية) للكاتب عمار علي حسن، الذي تعامل بشجاعة نقدية تحسب له مع تراث طه حسين، فأهدى المكتبة العربية مرجعا في غاية الأهمية، ليس في موضوعه المباشر فحسب، بل وكذلك في رؤى هذا الكاتب القابض على الجمر، دفاعا عن عما أرساه رواد نهضتنا الحديثة من مبادئ، انتصارا لحرية التعبير.

ومن أهم ما شهد العام المنصرم من أحداث ثقافية ذلك الحدث المتعلق بقيام إدارة معرض فرانكفورت للكتاب بإلغاء حفل تكريم الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي، لحصولها على جائزة ليبراتورLiBeraturpreis عن روايتها "تفصيل ثانوي"، وهي رواية حظيت بإشادة كبيرة من قبل النقاد، فيما انتقدها البعض للزعم باستخدامها الكليشيهات المعادية للسامية، وذلك بعد مرور بضعة أيام على عملية "طوفان الأقصى" والرد الإسرائيلي البشع عليها. وفي هذا السياق كان هناك حدث إعلان هيئة الشارقة للكتاب وجمعية الناشرين الإماراتيين عن سحب مشاركتهما في معرض فرانكفورت للكتاب؛"رداً على إعلان المعرض دعمه لإسرائيل والغائه تكريم كاتبة فلسطينية". واتخذ اتحاد الناشرين العرب موقفا مماثلا، وهو ما يدخل ضمن "أضعف الإيمان"، في ظل خذلان رهيب لاقاه الفلسطينيون وهم يقاومون مؤامرات إبادتهم الممنهجة.  

انسحاب وانتخاب 

بعد أقل من ساعة على انتهاء حفلة الدورة الـ18، لجائزة ساويرس الثقافية التي أقيمت (للمرة الأولى) في قاعة "إيوارات" التذكارية في مقر الجامعة الأمريكية في وسط القاهرة، وقعت الواقعة. فجأةً انشغل روّاد السوشيال ميديا بخبر رفض شادي لويس، الفائز بجائزة الرواية عن فئة كبار الكتاب، الذي أعلنه على صفحته على "فايسبوك". مذيعة الحفلة كانت قد أعلنت أن شادي لويس لم يتمكن من الحضور بسبب وجوده خارج مصر، ومن ثم لم يصعد إلى المسرح سوى الفائز بجائزة المجموعة القصصية عن فئة كبار الكتاب أحمد عبد اللطيف، ومعه مقرر لجنة تحكيم تلك الفئة في الرواية والقصة الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد، والممثلة سلوى محمد علي التي كلفت بإعلان اسمي الفائزين وتسليم كل منهما درع الجائزة وقيمتها 150 ألف جنيه لكل فائز. وكان لويس شادي قد فاز عن روايته "تاريخ موجز للخليقة وشرق القاهرة" (دار العين – القاهرة)، فيما فاز أحمد عبد اللطيف عن مجموعته القصصية "مملكة مارك زوكربيرج وطيوره الخرافية" (دار المتوسط – ميلانو).ولكن ما حدث هو أنّ كل تفاصيل هذه الجائزة، في مختلف فروعها، توارت هذا العام خلف "ترند" لويس وقرار رفضه الجائزة (ماديًا ومعنويًا)، مع إقراره بأنه سبق أن وافق على ترشيحها، وبأنه تلقى برحابة صدر خبر فوزه الذي أبلغته به مديرة الجائزة وسام رجب قبل الحفلة بوقت كاف، وفق ما تقتضيه الحال مع جميع الفائزين.وشهد العام نفسه انتخاب الكاتب الفرنسي اللبناني أمين معلوف أميناً عاماً دائماً للأكاديمية الفرنسية، وهو منصب سيشغله لمدى الحياة. ولم يشغل منصب الأمين العام للأكاديمية، سوى 32 شخصاً منذ عام 1634، ويعدّ معلوف أول شخصية من أصل غير فرنسي تتولى هذه المهمة. وكان يُنظر إلى معلوف (74 عاماً) على أنه المرشح الأوفر حظاً لقيادة الأكاديمية، إذ تحظى شخصيته بالإجماع، نظراً إلى انخراطه القوي في أنشطة المؤسسة التي انضم إليها عام 2012.

حرية التعبير والمال الثقافي

وفي تونس سلط قرار بسجن الشاعر سامي الذيبي، الضوء على وضع الحريات في البلاد وجدد النقاش الدائر حول الحد الفاصل بين حرية التعبير من جهة والذم والقدح من جهة أخرى. فقد قضت المحكمة الابتدائية في تونس بالسجن ثلاثة أشهر في حق الشاعر والأستاذ الجامعي على خلفية تدوينة انتقد فيها وزيرة الثقافة، وفق ما ذكره محاميه لوسائل إعلام محلية وبالعودة إلى القاهرة سنجد أن "اعتذار" جرجس شكري عن عدم الاستمرار في مهمة أمين عام النشر في الهيئة العامة لقصور الثقافة، لم يمر مرور الكرام، ما بين مرحب وبين مستاء، علما أن شكري أمضى في ذلك المنصب سبع سنوات.ومن الأحداث "الطيبة" التي شهدها العام المنصرم، مبادرة الدار المصرية اللبنانية مقالات نجيب محفوظ في ثلاثة مجلداتكبيرة بالعناوين التالية: "الدين والفلسفة والثقافة"، "العرب والعلم والتقدم"، و"السياسة والمجتمع والشباب". وشهد العام المنصرم مزيدا من الأحداث المثيرة للجدل، منها الدورة الأولى لمهرجان "دواير" الثقافي التي أقيمت في وسط القاهرة، بتنظيم تولته مكتبتا "ديوان" و"تنمية"، وهما من أبرز منافذ بيع الكتب، فضلا عن أنهما من الأسماء الصاعدة بقوة في عالم النشر. وارتبط الجدل في هذه الحالة بالإعلان عن تنظيم "مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي" (إثراء)، فعاليتين خلال اليوم الختامي للمهرجان، وهما ندوة عن "ترجمة الفانتازيا والميثولوجيا الحديثة"، وأمسية شعرية بمشاركة د. فاطمة قنديل والشاعر محمود خيرالله، وأطلق مبادرة ومسابقة (أسفار أقرأ) من العاصمة المصرية القاهرة، بهدف خدمة القراء والمهتمين"! فهذا الإعلان دفع البعض إلى الاعتقاد بأن المهرجان أقيم بتمويل سعودي، وهو ما نفاه المنظمون. وفي سياق مختلف شهدت الأيام الأخيرة من العام إقالة الشاعر سامح محجوب من منصب مدير بيت الشعر المصري، بعدما أبدى بعض مجلس أمناء البيت برئاسة الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي أنه تم تعيينه في منصبه بدون الرجوع إليهم! ثم صدر قرار بأن يتولى الشاعر والناقد عمر شهريار المنصب نفسه، وسيخبرنا العام القادم بما إذا كان سيستتب له الأمر أم سيكون لحجازي ورفاقه رأي آخر.  

روايات لافتة

ومن الروايات اللافتة، من وجهة نظري المتواضعة،التي صدرت خلال العام المنصرم "رصاصة الدلبشاني" (دار الشروق) وفيها يستعيد الطبيب الروائي إيمان يحيى حادثة محاولة اغتيال الزعيم سعد زغلول في صيف عام 1924 ليسلط الضوء على حال البلاد في تلك الحقبة الزمنية متنقلًا بأحداثها بين ثلاث مدن هي القاهرة والإسكندرية والمنصورة، وبين ست شخصيات تتناوب السرد، بينها سعد زغلول نفسه. ورواية "العروس" (مكتبة ديوان) لحمدي الجزار، فبالرغم من أنها ذات بناء كلاسيكي، يذكّر بروايات عدة لنجيب محفوظ، إلا أنها جاءت غنية بسمات تميز مشروع مؤلفها، الذي يتطور من عمل لآخر، بما يجعله من أهم الروائيين على المستوى العربي. ورواية "الورّاق: أمالي العلاء" (دار الشروق- القاهرة) ليوسف زيدان، وهي مكتوبة بلغة تناسب العصر الذي تدور فيه أحداثها، وساعدت خبرة مؤلفها الطويلة في مجال تحقيق المخطوطات في ذلك إلى حد كبير. وهي رواية مهمة لأنها تستعيد ذكرى أحد أبرز العلماء المسلمين (ابن النفيس) بعد مرور نحو سبعة قرون على رحيله، لتؤكد مجدداً أهمية التراث العلمي المحض للمسلمين في نهضة الإنسانية. ورواية "المرسال" للروائي الصيني ليو ليانغ تشنغ، والتي صدرت بترجمة يحيى مختار عن "مجموعة بيت الحكمة للثقافة" في القاهرة. الرواية في ذاتها تبدو وكأنها أسطورة لا تمت بأي اتصال مباشر مع الوقت الراهن.

لكن تأمل أحداثها التي يفترض أنها وقعت في زمن غابر، كان فيه السيف والحصان عنصرين لا غنى عنهما في قوام أي جيش، سيجد ما يمكن تأويله باعتباره شأناً لا يزال يلازم الإنسانية إلى الآن، وأقصد به الحرب التي تزهق الأرواح، بلا شفقة، لهذا السبب أو ذاك، وبأسلحة تختلف من زمن إلى آخر، وكأنها قدر محتوم. وهناك أيضا رواية "1897... صاحب المدينة" (دار العين) للكاتب وجدي الكومي وهي عن أحد رواد النهضة المصرية الحديث وهو الشكيلي محمود سعيد، الذي حقق حضورا عالميا، يزداد زخما بمرور السنين، وهذا هو ما أراد أن يؤكده وجدي الكومي من خلال تلك الرواية.

مزيد من الإبداع

وأعجبتني كذلك المجموعة القصصية "الليلة الأولى من دونك"(دار العين) للكاتبة أريج جمال، لشجاعتها في تناول علاقات صداقة مرفوضة، ومن ثم فإن ظهورها للعلن، يعرض أطرافها للنبذ والاحتقار، وربما القتل، في ظل ثقافة يتناقض فيها المعلن مع الخفي تناقضا جذريا. ويكمن جمال هذا العمل في انشغاله بقيمة مطلقة للحب، يؤمن بأنها قابلة للتحقق مهما واجهت من عراقيل. وفي الشعر استوقفني ديوان "أنا جائع يا رب" (دار الأدهم) للشاعر كريم عبد السلام، وفيه تتوارى الذات الشاعرة، لتفسح لشخصيات عديدة يتولى سارد خارجي استعراض مآسي كل واحد منهم مع "الجوع" بمختلف تجلياته، وهو ما ينفي ما يقال عن أن قصيدة النثر لا تهتم إلا بكل ما هو شخصي. ومن بين إصدارات المركز القومي للترجمة، أعجبني كتاب "جدتي وأمي وأنا: مذكرات ثلاثة أجيال من النساء العربيات"، وهو للكاتبة جين سعيد المقدسي، وترجمة هالة كمال (المركز القومي للترجمة) يتتبع تاريخ ثلاثة أجيال من النساء، ويركز على مفهوم كل منهن للحداثة في سياق اغترابهن القسري ومعايشتهن لأحداث جسام، مع العلم أن المؤلفة هي شقيقة إدوارد سعيد لكنها شاءت أن تقدم نفسها وأمها وجدتها في هذا الكتاب باعتبار أن كلا منهن جديرة بأن تروى سيرتها بمعزل عن سير ذكور العائلة نفسها وفي إطار اجتماعي وضع المرأة العربية في مكانة تستحق أن تفاخر بها قرينتها الغربية. 

وخلال العام المنقضي، واصل عزت القمحاوي، في كتابه "الطاهي يقتل... الكاتب ينتحر" (الدار المصرية اللبنانية) تمرير تصوراته "النقدية" بشأن الكتابة عموماً والكتابة الأدبية بخاصة، منطلقاً من تجارب يغلب طابعها الشخصي، على أي ارتباط لها بالمناهج الأكاديمية.وبالتالي يمكن التعاطي مع هذا العمل باعتبار أنه يتكئ على جانب محدَّد من سيرة كاتبه الذاتية؛ يتعلق بشغفه بالقراءة والسفر، وبالكتابة والطبخ، وهو يتعلق في الوقت نفسه بلونٍ من التدوين العابر للأنواع الأدبية، بدأه بكتابه "الأيك في المباهج والأحزان" (2000)، بعد مجموعتين قصصيتين ورواية، واستأنفه في "كتابة الغواية"، و"ذهب وزجاج"، و"العار بين الضفتين"، و"غرفة المسافرين"، ثم في طبعة مزيدة من كتاب "الأيك" صدرت العام الماضي.

وفي الوقت نفسه، يطبّق القمحاوي في كتابه الأحدث، النقد الثقافي، على كثير من الأعمال الأدبية، وغير الأدبية، عبر بحثٍ مبتكر وطريف في المشترك ما بين الكتابة والطهو، منذ أن عرفهما الإنسان وحتى وقتنا الراهن، مستشهداً بإنجازات عدد من نجوم المجالين، وناقداً لها في الوقت ذاته.

الراحلون

ومن أبرز من رحلوا خلال عام 2023 شيخ المترجمين الدكتور محمد عناني، وشيخ كتاب أدب الطفل يعقوب الشاروني، والروائي المختلف حمدي أبو جليل، والشعراء محمود قرني وعبد الحفيظ طايل، وزكريا محمد (فلسطين)، وعبد العزيز سعود البابطين (الكويت) وعبد العزيز المقالح (اليمن)، والروائي السوري خالد خليفة، والفنان التشكيلي عز الدين نجيب، والروائي ميلان كونديرا، والكاتب الياباني كينزابورو أوي، والإعلامي مفيد فوزي، والكاتب المسرحي محمد أبو العلا السلاموني، والشاعر الأمريكي تشارلز سيميك. فوداعا 2023، وأهلا 2024.
-------------------------------
بقلم: علي عطا







اعلان