17 - 07 - 2024

أ. عبد الله رفاعي .. وابنُ الوزِّ عوّام !

أ. عبد الله رفاعي .. وابنُ الوزِّ عوّام !

وعدتُ ابنه الأكبر بأن أّنعشَ ذاكرة القارئ بالوقوف علي سيرة والده العطرة، وتاريخه في حقل التربية والتعليم المُشرف، ولكنني تأخرتُ لعدم إلمامي بكثيرٍ من سيرته ومآثره، ولم أفكر في الرجوع لأولاده لأعرف عنه ما جهلت؛ لأتفادي فخَّ الكتابة تحت ضغط، وليتفادوا هم ألم الانتظار استشرافا لهذا المقال؛ ليستجلبوا من القراء الدعاء لأبيهم بالرحمة والمغفرة !

كلُّ ما تجود عليّ به الذاكرة أنه كان رجلا ربعة بين الرجال، ليس بالطويل ولا القصير، وإن كان للقصرِ أقرب، مُكتنزَ الكتفين ممتلئ الجسم، فزاده ذلك ثباتا ورسوخا أثناء مشيته، يصدق عليه قولُ الشاعر : واثقُ الخطوة يمشي ملكا .

كان أ. عبدالله رفاعي داود مَلِكا مُتوجا بين أقرانه، جمع إلي حُسن الخلق طيبَ السريرة، والعطف علي الصغير والكبير . كان - رحمه الله - لا يكلّ، ولا يمل من مساعدة المُحتاج، ومدّ يد العون لذوي العوز والحاجة .

وقطعا كلها صفات يعرفها عنه من عاصره، ومؤكدٌ أنهم يعرفون عنه الكثير والكثير !

لكنْ ما يهمني أن يعرفَ القارئ أنه تخرج في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، وعرف كثيرا من علوم الشرع واللغة؛ والحلال والحرام .

عقب تخرجه عمل في حقل التربية والتعليم، فكان مُدرسا لا يُشق في السعي إليه، والجلوس بين يديه غبار، ولكفاءته ارتقي في درجاته الوظيفية، فأدركتُه ناظرا لمدرستنا في المرحلة الإعدادية، وألفيتُ مِقدار ما امتاز به من هيبة أكسبه إياها صمتُه الطويل، وكلامُه النادر، والذي يخرج من فيه ترياقا، يُقوم المعوج، ويُعيد الشارد إلي الجادة، وحقا إن من البيان لسحرا !

كانت حُجرته في المدرسة ورشة تأهيل وتقويم، ونصح وإرشاد، فالجميعُ بين معلمٍ يسأل عمّا استعصي عليه فهمه، وتلميذٍ يتلقي النصيحة من أبٍ أخلصَ النصح .

كان ا. عبد الله رفاعي ضليعا في النحو، عارفا بشواهده، والقواعد واستثناءاتها !

أذكر أنَّ مدرس اللغة العربية، سأله تلميذٌ عن إعراب كلمةِ الطفل في جملة .. أنّ الطفل كريم، فأجاب المدرسُ : الطفل اسم أنّ منصوب، وكريم خبر، فجادله التلميذ، فهاج المدرسُ وماج، وأخذ يُرغي ويزبد، حتي دخل ا. عبدالله رفاعي فصلنا أثناء مروره علي الفصول، فناشد المدرسَ أن يُهدئ من روعه، ثم أجاب عن سؤال الطفل إجابة الواثق بقوله .. أنَّ هنا ليست الناصبة، ولكنها من الفعل أنَّ يئن أنينا بمعني تألم وتأوه، وبناء عليه فالطفلُ فاعلٌ مرفوع وليس اسمًا منصوبا .

حُفرتْ هذه الواقعة بذهني، وأكبرتُ الرجل أيّما إكبار، وحسبته رجلا عاد من زمن الأولين أرباب اللغة وأساطينها .

رُزق الفقيدُ - رحمه الله - بثُلة من الرجال، خرجوا من صُلبه، واقتفوا أثره خُلقا، وعملا، فالتحقوا جميعا بحقل التربية والتعليم، ومن بينهم صديقي أ.محمود عبد الله، وهو درعميٌ مثلي، حملَ لواء أبيه، وصار بحق مُدرسا مُعجبا، ولا أبالغُ إنْ قلتُ أنني لا أُقدر  من أقراني أحدًا من خريجي أقسام اللغة العربية كتقديري لمحمود عبدالله .. وهذا ليس بعجيب فابن الوزّ عوّام !
----------------------------
بقلم: صبري الموجي
* مدير تحرير الأهرام

مقالات اخرى للكاتب

أسامة صالح .. الغربة تكشف معادنَ الناس !