30 - 06 - 2024

عمرو دياب في ألبومه الجديد "مكانك": غزل وحنين وتنويعات على روعة الذكريات

 عمرو دياب في ألبومه الجديد

أندهش من تعامل نقادنا الأجلاء ـ وربما غياب النقد الموسيقي المتخصص لتلك الحالة التي قدمها عمرو دياب خلال مسيرته الممتدة لنحو 40 عاما من الغناء.

ولا أنكر حماسي لعمرو ورفقاء دربه من شعراء وملحنين وموزعين؛ أما سر هذا الحماس؛ فيكمن في مسايرتي لمشواره منذ أكثر من 35 عاما؛ بدأت منذ اقترابي منه في نهاية الثمانينات وما تلاها، حتى انفردت بنشر مذكراته كاملة في مجلة الكواكب إبان رئاسة تحرير الكاتب وشيخ النقاد أستاذي رجاء النقاش الذي كان مدركا وواعيا تماما لأهمية احتضان جيل جديد من المطربين عانى أشد المعاناة من معاداة الجديد بحجة الحرص على التيار التقليدي، والغريب أنهم تقبلوا المدارس الجديدة في بقية فروع الفن.

وعمرو بالتحديد لم يكن نبتا شيطانيا في مملكة الغناء الشبابي "البوب"، بل كان هناك من سبقوه على مستوى الكلمة واللحن والآداء، بل والـ "ستايل" الذي ظهر به وسار على دربه عدد هائل من المقلدين، وإذا سألت عمرو نفسه: من أستاذك؟ سيقول صادقا: إنه المطرب الجميل عمر فتحي، أول من تحرك على المسرح وفي كليباته، ثم يستطرد: ولا أنسى فضل المطرب صاحب الإحساس النادر: محمد منير..الكنج.

عمرو دياب ظل طوال تاريخه مخلصا لذوق جمهوره العريض، به تحدى الجميع، وبه قاد المشهد لمدة أربعة عقود كاملة غير منقوصة، حافظ على إحساسه المميز، وطور على مستوى الشكل والمضمون وأجبر رموز المدرسة التقليدية من كتاب كبار ينتمون لرموز الأغنية الكلاسيكية على الإعتراف بفنه وإحساسه الخاص.

إن تصدر عمرو دياب، لمحركات البحث ومنصات التواصل الاجتماعي خلال الأيام القلية الماضية لم يكن صدفه، بل هو يفعلها مع كل إصدار جديد، حالة غنائية تقول إن مصرلم تزل قادرة على تحريك المياه الراكدة، حدث هذا بالتزامن مع طرح ألبومه الجديد "مكانك"، والذي يستعيد به فكرة إحياء طرح الألبومات الكاملة وليس على طريقة قطعة قطعة، بعدما اختفت تقريبا هذه التجارب من ساحة الغناء ليس في مصر وحدها بل وفي الوطن العربي بأكمله، اتجه فيه السوق الغنائي لبدعة طرح أعمالهم على طريقة "السينجل"، ليقدم عمرو وجبة دسمة استشعر أن جمهوره يحن إليها.

أقول أن استقبال هذه الشريحة العريضة للألبوم، كانت تستحق طرحها إعلاميا ونقديا بشكل يليق بجمهورها، ولكنه لم يحدث ـ حتى الآن ـ تماما كما تم التعامل النقدي مع حالة غنائية متطورة تحدث منذ أربعة عقود!

فماذا قدم عمرو دياب ورفاقه من كوكبة من الشعراء والملحنين بعضهم نجوما ساطعة والبعض الآخر يقدمه دياب للساحة الغنائية بكل قوة.. 

أولا يجدر الإشارة إلى أن ألبوم "مكانك يعد هو الألبوم رقم 36، في مسيرة المغني عمرو دياب، ومن الصعب أن يوجد بينهم ألبوم لم يصادفه النجاح الجماهيري؛ في وقت يلعب فيه جمهور المغني دور المتلقي والناقد وهي في حد ذاتها ظاهرة تستحق التوقف أمامها، فجمهور هذا الفتى لا يتلقى معلوماته من الميديا، بل هو الذي يبادر بصنع النجاح، ويستوقفنا دور منصات التواصل الاجتماعي التي أغلقوها على أنفسهم؛ فـ "جروبات" معجبيه تصل إلى المئات وتضم ملايين من الشباب، نعود إلى الألبوم الذي تعاون فيه مع عدد كبير من نجوم الشعراء والملحنين والموزعين البارزين، منهم الشاعر تامر حسين، والموزع أحمد إبراهيم، الذي شارك كل منهما بـخمس أغنيات دفعة واحدة لكل منهم، وعلى مستوى الكلمة يتعاون مع الشاعر مصطفى حدوتة، صاحب أغنية المهرجانات التى أحدثت دويا "بنت الجيران" لحسن شاكوش وعمر كمال، كما يضم الألبوم، أغنية رقيقة للغاية هي "بيوحشنا" كلمات تامر حسين، وألحان مدين، وتوزيع أحمد إبراهيم، وهي من ألحان الملحن الواعد محمد يحيى، وتأتي مشاركة يحيي بالألحان في عملين آخرين هما: "مودها" كلمات بهاء الدين محمد شريك عمرو دياب في العديد من الأعمال العلامات في مشوارهما معا وهي من توزيع عادل حقي، ثم أغنية "واخدين راحتهم" وهي من كلمات محمد البوغة، وتوزيع مميز للغاية من وسام عبد المنعم.

ويغلب عمرو دياب الحنين إلى التلحين وهو بالمناسبة دارس له، 3 أغنيات من الألبوم، حيث يقدم: "مكانك" ـ أغنية الهد الرئيسية ـ وهي من كلمات الشاعر تامر حسين، وتوزيع أحمد إبراهيم، و"يا قمر" من كلمات مصطفى حدوتة، وتوزيع وسام عبد المنعم، و"لوحدنا" كلمات تامر حسين، وتوزيع أسامة الهندي، وللحق فإن الأغنيات الثلاث، نجح فيها عمرو نجاحا مدهشا في العودة إلى أنجح إنتاجه التي يغازل بها جمهوره الوفي والحب الذي كان وبها رائحة وعبق ورومانسية التسعينيات:

عارف كام سنة وانا جنبك هنا

بحلم ييجي يوم نبقى لبعضنا

لا مكانك اتملى ولا يوم حبيت

ولا اتخيل قلبي انا مع غيرك يا انا

صورة رسمتها ليك وصاحبتها

قصة حبنا في خيالي عشتها

لا مكانك اتملى ولا يوم حبيت

ولا اتخيل قلبي انا مع غيرك يا انا

ياما شغلتني ياما وحشتني

واتعلقت بيك لما قابلتني

عيني فتحتها شافت حلمها

والصورة الليلة دي جيت كملتها

لا مكانك اتملى ولا يوم حبيت

ولا اتخيل قلبي انا مع غيرك يا انا

هذه هي الغنوة التي لا يكف الشباب عن سماعها عبر الوسائط الحديثة في انتشاء عاد بالزمن إلى أجواء المصايف ونزهاته على الشواطيء، أما الشاعر المخضرم أيمن بهجت قمر فهو لا يحتاج إلى تعريف؛ فهو شاعر محترف بإحساسه ومفرداته، وأغنيتيه جاءتا معبرتين تماما عن وحدة مشاعر الألبوم؛ فلم يغرد بعيدا ومن هنا فإن عمرو دياب حريص على تواجده في أعماله السابقة، قدم: "معرفش حد بالإسم ده"، من ألحان وتوزيع أحمد إبراهيم، و"المعنويات مرتفعة"، ألحان الموهوب بشدة عزيز الشافعي قام بالتوزيع وسام عبد المنعم، بينما جاء تعاون الثنائي تامر حسين وعزيز الشافعي، في أغنية "ما تتعوضش" توزيع شريف فهمي، وذلك بجانب غاني الكلام ليك" و"ما بتغيبش"."

الألبوم بشكل عام به تناغم رائع، وهو كما قلنا يحمل طعم الفترة الأكثر توهجا في مسيرة المطرب عمرو دياب، وكل "كوبليه" منه يجعلك تستعيده مرات في رومانسية حالمة كنا قد افتقدناها، وأفكار الشعراء تدهشك فيما تطربك الألحان، واللافت في مشوار عمرو أن الشباب يؤرخون لحياتهم بعناوين وأزمنة ألبوماته، لذا فإن إصدار الأبوم قبيل رأس السنة بساعات كان موفقا للغاية.
-------------------------------
بقلم: طاهـر البهـي








اعلان