17 - 07 - 2024

تأكيد التضامن مع أهالي غزة في نقاش حول مستقبل الثقافة في مصر

تأكيد التضامن مع أهالي غزة في نقاش حول مستقبل الثقافة في مصر

أكد الدكتور أحمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية على أن العالم يتجه للعنف وهدم جميع القيم الإنسانية، وما يحدث في غزة يعكس ذلك بوضوح، مؤكدًا تضامنه وجميع المثقفين الحاضرين مع أهالي غزة. وذكر أن أي مثقف لا بد أن يدين العنف، مشيدًا بالدور الذي تقوم به مصر في هذا الصدد، ووقوف الرئيس عبد الفتاح السيسي ضد فكرة التهجير، وتصفية القضية الفلسطينية بشكل حاسم. جاء ذلك خلال حلقة نقاشية بعنوان "أولويات العمل الثقافي في المستقبل"، عقدت أمس الخميس، في مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي بالقرية الذكية التابع للمكتبة، بحضور نخبة من المثقفين والأدباء والإعلاميين وأساتذة الجامعات. 

ومن جانبه شدد الدكتور هشام عزمي، الأمين العام للمجلس الأعلى المصري للثقافة على أن مصر الثقافية كانت حاضرة بقوة منذ بدايات القرن التاسع عشر حتى قبل وضع الاستراتيجيات أو إنشاء وزارة الثقافة، ومن الظلم أن يقع عبء العمل الثقافي على وزارة الثقافة وحدها، فهو يحتاج إلى تضافر جهود عدد من الوزارات. وأكد عزمي أن هناك فارقًا كبيرًا بين صناعة الترفيه وصناعة الثقافة، منتقدًا ما يتردد مؤخرًا حول تراجع دور مصر الثقافي. وأعرب عن قناعته بأن مصر ستظل حاضرة بتاريخها وتراكمها الثقافي والفكري. لكن الروائية سلوى بكر، رأت أنه لا يوجد تصور واضح للدولة حول التنمية الثقافية حتى يترجم إلى سلوك عملي وفعلي، كما أن التساؤل عن الجدوى الثقافية غائب بشكل دائم، مشددة على أن التفكير في مستقبل العمل الثقافي يستلزم تقييم ما تمّ في السابق. وأشارت بكر إلى ضرورة ربط الثقافة بالتعليم، لأنه إذا كان التعليم في حالة تراجع فلن نصل إلى تقدم في المجال الثقافي.وأكد الدكتور صابر عرب، وزير الثقافة الأسبق أن العمل الثقافي يرتبط بكل مجالات الحياة؛ فلا توجد تنمية إلا بحضور الثقافة، والتجربة الإنسانية في كل الدول التي نهضت وخاصة في القرن التاسع عشر؛ كانت الثقافة والأدب والفن هما حجر الأساس بها، لأن الإنسان هو من يصنع الثقافة. وأشار عرب إلى أن الثقافة هي نمط حياة، وإذا أرادت مصر الإصلاح وتحقيق الثقافة الجادة لا بد من إصلاح التعليم، خاصة أن رأسمالها الحقيقي هو البشر، ولا بد من الاهتمام بهم ومن ثم توظيفهم لخدمة المجتمع.

في بداية كلمته؛ ذكر الدكتور أحمد زايد أن تلك الحلقة النقاشية التي شملت جلستين، تأتي في إطار المناقشات التي تجري حول مستقبل مصر عقب الانتخابات الرئاسية، خاصة في المجال الثقافي. 

الإصلاح الثقافي

وعقدت الجلسة الأولى من الحلقة النقاشية تحت عنوان "أولويات العمل الثقافي في المستقبل"، وأدارها الدكتور صابر عرب. وخلال هذه الجلسة أكد الدكتور عبد المنعم سعيد، المدير الأسبق لمركز الأهرام للدراسات السياسية أن دور الثقافة في الحداثة، يتضمن عددا من الأبعاد؛ البعد الأول هو الهوية والتي تتطلب وحدة تجمع المجتمع كله، والبعد الثاني هو البيئة المصرية، وهنا لابد من إدراك أن مصر متنوعة الثقافات. وأضاف سعيد أن البعد الثالث  هو تعبئة الموارد القومية، أما البعد الأخير فهو المشاركة ولاسيما بين الشباب، وهنا تظهر أهمية صناعة الثقافة لجمع الصورة بشكل كامل، مشددًا على ضرورة الاهتمام بالتنشئة. وطرح الكاتب الصحفي أحمد الجمال، عددا من التساؤلات حول الوضع الثقافي في مصر، لافتًا إلىأن الجهود تنصب على التشخيص، ورصد أسباب المشكلات مع العجز عن إيجاد حلول لها، وغياب المتخصصين عن رصد مسار مشاريع الإصلاح الثقافي في مصر والسبب في انهيارها كليًا أو نجاحها جزئيًا، وكيفية عودة الجهد الفردي في صناعة الثقافة. وأكد الجمال أن مصر ليست مساحة معزولة وإنما تعيش في محيط تؤثر فيه وتأثر به، والقوة الناعمة لمصر كانت متفردة لسنوات طويلة، ولابد من بحث أسباب هذا التراجع.

خارطة للمستقبل 

ومن جانبه؛ أوضح الدكتور حامد عيد، أن الثقافة كيان حي تتطور مع الإنسان وتربط الأجيال بعضها ببعض، والأنشطة الثقافية هي حافز للابتكار، كما أن الالتزام بالعمل الثقافي هو استثمار في الإنسان، مشددًا على أن الثقافة عبارة عن أدوات دبلوماسية، ويجب النظر إليها على أنها قوة وليس مجرد رفاهية. وتحدث الروائي يوسف القعيد، عن خطر الأمية على مصر، مشيدًا بتجربة مكتبة الإسكندرية في هذا المجال، لكنه اعتبرها غير كافية؛ لأن من يتردد على القرى والأحياء الشعبية يدرك حجم الأزمة، داعيًا إلى الاستفادة من تجربة دولة كوبا في محو أمية شعبها.

وطرح الناقد الأدبي الدكتور حسين حمودة، في ختام الجلسة الأولى، عددا من التوصيات، من بينها؛ العمل على حل مشكلة توزيع الكتب المكدَّسة على القرى والمناطق النائية، وإنشاء لجنة من المختصين في الأدب والسينما للمساهمة في هذا المجال، واستكمال المشروعات التي طرحت على مدار القرن الماضي من بينها مشروع طه حسين، واستكمال الأرشيف المصري في كافة المجالات، وإنشاء مركز دراسات مستقبلية يجمع بين التخصصات المختلفة لصياغة خارطة مستقبل تحدد أبعاد الواقع الثقافي المصري.

وجاءت الجلسة الثانية بعنوان "المؤسسات الثقافية وتحقيق أولويات العمل الثقافي"، أدارها الدكتور هشام عزمي؛ الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، وتحدث فيها الدكتور سعيد المصري؛ أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، والإعلامي الدكتور جمال الشاعر؛ والدكتور حنا جريس؛ عضو مجلس الشيوخ، وسعيد عبده؛ رئيس مجلس إدارة "دار المعارف" ورئيس اتحاد الناشرين العرب، والدكتورة نهلة إمام؛ مستشار وزير الثقافة لشئون التراث غير المادي. 

أزمة النخبة

وأوضح الدكتور سعيد المصري أن المؤسسات الثقافية هي جوهر العمل الثقافي، ويوجد ثلاثة نماذج للمؤسسات؛ الأول هو النموذج المركزي وفيه تكون الدولة حاضرة وهو الموجود في بعض الدول الأوروبية ومنها فرنسا، والنموذج الثاني اللامركزي وفيه المجتمع المدني يرسم خريطة العمل الثقافي وتضع الدولة السياسات العامة، والنموذج الأخير هو المشاركة فيه بين الدولة والمؤسسات الثقافية الخاصة، والأهلية. 

فيما قال الدكتور جمال الشاعر إن النخب الثقافية في مصر في أزمة كبيرة واعتقادهم أنهم مؤثرون هو اعتقاد خاطئ، داعيًا إلى التعاون الثقافي في مصر، لأن العاملين في الحقل الثقافي يعيشون في جزر منعزلة، مشيرًا إلى أن مشكلات المؤسسات الثقافية في مصر هياقتصادية وإدارية.

ومن جانبه قال الدكتور حنا جريس، إن الثقافة هي المعرفة ونشرها، والتي يؤثر عليها عدة عوامل على رأسها الإنتاج الثقافي وإتاحة هذا الإنتاج للجمهور، والترويج له. بينما ذكر سعيد عبده، إن كل الخطط والاستراتيجيات التي تطرح لن ترى النور طالما لا تندرج تحت مشروع موحد، خاصة وأن العاملين في القطاع الثقافي في مصر يعملون بشكل منفرد. واستطرد في الحديث عن مشكلات النشر في مصر، مشيرا الي انخفاض عدد الكتب التي تستخرج أرقام إيداع الي النصف. ولفتت الدكتورة نهلة إمام، إلى أن مصر مجتمع مركَّب ولها ثقل ثقافي، ولكن نحتاج إلى ترتيب الأولويات الثقافية التي تواجه تحديات كبيرة، كما أن الظرف الذي يشهده العالم كله يتطلب إعادة النظر في الأولويات. وفي الختام؛ عرض الدكتور سامح فوزي؛ كبير باحثين في مكتبة الإسكندرية، ومنسق الحلقة النقاشية، أهم الأفكار التي عرضت خلال المناقشات، وتضمنت: الاهتمام الواضح بقضية التعليم، وقضية الصناعات الثقافية، وعرض نماذج لإدارة المؤسسات الثقافية، وضرورة رعاية المبدعين، والاهتمام بصناعة النشر، والهندسة السياسية التي قد تشمل تكوين لجان وزارية تجمع أكثر من مجال في العالم بهدف اعداد جيل جديد بمواصفات معينة، وضرورة توثيق الأحداث الكبرى مثل ثورة 1919، والتشبيك والشراكة بين المؤسسات المختلفة.

...