30 - 06 - 2024

لماذا يحدث هذا ؟

لماذا يحدث هذا ؟

المصريون من أول الشعوب التى تفتخر وتعتز بحضارتها المصرية التى كانت قبل الزمان بزمان. نعم الحضارات تتحاور وتتلاقى وتتلاحم وتتكامل، فالحضارة الإنسانية حضارة واحدة أبدعها الإنسان، وإن تعددت الثقافات التى هى بنت الحضارة وصناعة الواقع تأثرا بالزمان وبالمكان. 

كما أن الحضارة بتجذرها وبتأثيرها الممتد تاريخيا مع عوامل أخرى تشكل الهوية الحضارية بكل مكوناتها الدينية والثقافية والاجتماعية، ولذا يمكن أن نقول إن الشخصية الحضارية المصرية متميزة بتعدد حقباتها التاريخية من المصرية القديمة إلى اليونانية ثم الرومانية فالقبطية واخيرا الإسلامية. 

وأن كانت الحضارة واحدة فالثقافة المصرية متعددة (قبطية إسلامية نوبية ..الخ) ولكن هذا التعدد كان فى إطار الوحدة التى اثرت الثقافة العامة الجمعية المصرية، وهذا يعنى أن الهوية المصرية الجامعة هى بنت الحضارة والثقافة المصرية الجامعة. ولذا نجد أن القيم والمقومات الحضارية والإنسانية التى كانت منذ المصرية القديمة وقبل الأديان. 

لم نجد تناقضا جذريا بين هذه القيم وبين قيم الاديان التى جاءت إلى مصر لاحقا (المسيحية والإسلام) ولذلك كان التواصل وليس الانفصال. فقد جاءت الأديان ووجدت تلك القيم الإنسانية الراقية فكرا وسلوكاً وغاية، والتى تمثلت فى إيمان المصرى القديم بهذه السلوكيات وبتلك القيم، فعند الحساب فى العالم الآخر يقر المصرى بأفعاله وسلوكياته التى سيحاسب عليها جزاء أو صوابا مثل: أنا أحب جميع الناس. انا أقدر الجميل. أنا أنشر السلام. أنا أقدس الحياة وأقدر الحق. أحترم جميع المعتقدات. أتكلم بالصدق. وأحسن الظن. أعلى من شأن العفة. أنشر الفرح. أقدس العمل. لا أرد محتاجا. وأتصدق على الفقير. أحافظ على المياه ولا ألوثها. أطيع القانون ولا أرتكب الخيانة. 

كانت هذه القيم وتلك السلوكيات النموذجية والرائعة هى مايميز المصرى بشكل عام أيا كانت ديانته. ولكن (وآه من لكن هذه). فهل نجد الآن هذه السلوكيات وتلك القيم ؟!! وأين الهوية المصرية المتميزة؟ هل كانت هناك عوامل تستهدف تلك الهوية من جذورها؟ لا شك أن السلوكيات والممارسات التى اجتاحت الشارع المصرى الآن قد تخطت كل الحدود وتعدت كل القيم بقدر كبير بما لا يتوافق مع حضارتنا ولا تاريخنا. 

هذه الحضارة وذلك التاريخ الذى يؤرق الكثيرين ولا يريحهم بل يعلنون علانية مقدار حقدهم وحسدهم لهذه الحضارة وذلك التاريخ! ولذا قد شاهدنا ذلك الاختراق الذى تم هادفا إسقاط هذه الحضارة وهذه الهوية وهذا التاريخ. فقد كان التمايز الشخصى للإنسان المصرى هو قدرته العملية (بعرق الجبين) والعلمية (بمؤهلاته العلمية) وبسمعته الشخصية التى تؤكد التزامه بالقيم والسلوك القويم. ولكن بعد الانفتاح الاستهلاكى فى السبعينات، تحول هذا التمايز إلى القدرة المالية فقط وأيا كان مصدر هذه القدرة. 

وتواكب مع ذلك عملية السفر إلى الخارج خاصة دول الخليج العربى وتحديدا السعودية، فتحقيقا لمخطط سياسى يهدف إلى تشويه الهوية المصرية تم تصدير مايسمى بالوهابية الصحراوية والتى جاءت متدثرة بعباءة الاسلام. مما جعل تلك العادات والتقاليد والممارسات الاجتماعية التى هى بنت مجتمعها وبئتها الصحراوية وكأنها جزء من الإسلام المقدس. أو كان المصرى بعاداته وتقاليده وحضارته وهويته لم يكن مسلما قبل هذه الهجمة!، فى الوقت الذى لاعلاقة فيه لتلك العادات هنا وهناك بصحيح الدين وقداسته (أى دين). مع العلم أن الهوية المصرية كم جاء إليها من هويات وكم لاقت من صراعات، ولكن تظل مصر وحضارتها وهويتها هى الصامدة والصاهرة لتلك الهويات فى الهوية المصرية. 

ولذا علينا الحفاظ على هويتنا وتاريخنا ليس كميراث تراثى ولكن بتفعيل القيم والمبادئ والسلوكيات المتجذرة فى الشخصية المصرية . فمقدرات مصر دائما هى ثقافتها وهويتها الجامعة وقوتها الناعمة . حفظ الله مصر وشعبها العظيم.
--------------------------------
بقلم: جمال أسعد 


مقالات اخرى للكاتب

ماذا يريد الشعب؟ (١٤)





اعلان