17 - 07 - 2024

أطروحة قضية الازدراء في قضية "كيرلس ناشد"

أطروحة قضية الازدراء في قضية

أتأمل المشهد الذي طرأ على الكنيسة القبطية اليوم في قضية د. "كيرلس ناشد" ذات الحساسية الكبرى والتي صدرت إلى الدولة للتعامل معها، وربما تتسبب في إحراج شديد وخلق حالة من الضيق بين مؤيد ومعارض لتهمة ازدراء الدين ذات الجدل القانوني.

ولم ينص القانون الخامس من قوانين مجمع أنطاكية على ضرورة إحالة من ينشق عن الأسقفية ويتسبب في إثارة القلاقل إلى السلطة المدنية كما يروج خطأ، ولكن وضعا بناء علي قرار بالإجماع لمنع تفرد الاحتفال بالفصح مع اليهود، وهذه نقرة أخرى تختلف عن هذه القضية، نعم أقدمت الكنيسة على التعامل بحسم مع من يشتمون الأسقف أو الكاهن في نص القانون ٥٥، فكل إكليريكي يشتم الأسقف فليسقط أي يخلع ويعزل من رتبته مرورا بالتأديب الرمزي، لكن لم يتخذ هذا المنحنى بسجنه زمنيا والقضاء علي مستقبله، فمن أين جاءت هذه التعاليم التي يصر البعض على ترديدها بشراسة متجاهلين قوانين أخرى ودون أدنى نظرة شاملة موضوعية؟

والغريب أنه نفس هؤلاء المتصدرين للمشهد يروجون معلومات كاذبة عن قامات أخرى ومنهم أساءت إلى قداسه البابا تواضروس الذي يحذر من الميديا على طول الخط، ولو فتح باب مقاضاة الرعية بالازدراء، فكم قضية ستقدم بعدها؟، فكيف نهمل الاعتبارات والجوانب التي طرأت علي المشهد والأبعاد النفسية والاخلاقية والاجتماعية غير المحسوبة والمنظور السياسي في مثل هذه القضايا، فجميع الاطراف تحاول التضخيم، ولذلك جاءت كافة محاولات التصالح بالفشل، وقد أطرح تساؤلا عن توصيف القضيه، هل هي حقا وصلت لقمة الازدراء؟ ام اخطاء عقائدية تسلسليه مختلطه بالمشاعر؟

يستدل البعض علي صرامه التعامل مع الهراطقة والمنشقين، بسلوك القديس أغسطينوس الذي لجأ الي السلطه المدنية وأخذ موقفا أصعب مع بيلاجيوس واستخدم السلطة المدنية لتطهير ايبراشيته حتي أضطر الكتير للهروب إلي إنجلترا، بعدما رفضوا الخضوع لقرار مجمع قرطاجنة، وأتساءل مرة أخري: هل "كيرلس" يضعنا في هذه الحالة ام حدثت له سلسلة من المراجعات بالطريقة الصحيحة واستنفد كل المحاولات كمثل ماحدث مع خاطئ كورنثوس في رساله بولس الرسول؟، فلا ينطبق مثل هذة التشبيهات علي واقعة المتهم، فكانت الأجواء مجالا خصبا لصنع الشرور في زمن القديس، وكان الجدال البيلاجي مصحوبا ببدعة لاهوتية وقوبل بالرفض من اللاهوتين، مما دفع القديس اغسطينوس لقيادة مسيرة للإصلاح، فكان سلوكه حيويا ولازما لحقبة مستقبلية، أما اليوم نحن أمام آلة إعلامية ومارثون لكسب أنفس، فنحن أمام باحث وخادم وليس عالم لاهوت، ولسنا في معترك لاهوتي غربي ولكن في جدل عقائدي مصحوب بمشاعر سلبية تطرقت لأمور دينية واختلاط مفاهيم، وفي نفس التوقيت لا يجب إعطاء فرصه للجنوح نحو أقصي الأقطاب المتضادة أو فتح الباب لإهانة أي قامة دينية بصفة عامة، خاصه أن الأنبا بينيامين شخصية متوازنة ومحبوبة، وهنا تكمن المعضلة في تحييد المتهم فيما بعد دون خسارة مستقبله.

و لجأ بولس الرسول إلى رفع دعواه إلى قيصر، حيث السلطة المدنية وليس الدينية، بسبب تعارض السلطة وليس لسبب شخصي، إذ كان وقف حوله اليهود الذين كانوا قد انحدروا من أورشليم وقدموا على بولس دعاوي تصل إلى عقوبة الإعدام في محاولة لصنع وشاية مع الوالي "فستروس" قادته للسجن، فاضطر إلى قرار مصيري لرفع دعواه لأعلى سلطة، وهي كرسي المحتل آنذاك وهم الرومان، فمن يستدل على شرعية موقف لجوء أي رتبه كنيسة إلى السلطة المدنية أيضا مخطيء.

وأتطلع لطرح مبادرة للخروج من المأزق الذي يتطلب حضورا شخصيا لنيافة الأنبا بينيامين مطران المنوفية لأول مرة في تاريخ الكنيسة، حيث كلفت المحكمة بإخطار نيافته بشخصه حتى يضمن حقه في التقاضي دون سقوط، أو لكي يحتفظ بالحق المدني لاستخدامه كرت حماية من تكرار الواقعة في المستقبل، ولذلك أدعو قداسه البابا تواضروس إلى تشكيل لجنة لزيارة المتهم ومحاولة إقناعه بتقديم اعتذار خطي عن التجاوز في حق رتبه كنسية بصرف النظر عن إيمانه تمهيدا للعفو عنه مع أقامه الصلوات حتى يتحنن الله، ويضع خطة للتعامل السليم مع الموقف ودون التشبث الإعلامي لإثبات صحة طرف عن طرف آخر وبمحبة شديدة، فعمل اللجنة يرفع الحرج ويوضح الحقائق الغائبة ولا تعد تجاوزا لصلاحيات الايبراشية وبعيدا أيضا عن العواطف، وأن تضمن اللجنة إعادة النظر في ادعائه إن كان بالفعل حدث خطأ في التعامل معه، فيجب اتخاذ إجراء أيضا داخليا بعد فتح تحقيق، ثم مراجعه أفكاره فيما بعد كشرط أساسي للالتزام وتحديد موقفه بعد مراجعة مع النفس، ولذلك لاعتبارات كثيرة يجب أن تغلق القضية حيث أن الازدراء كلمة مطاطية تعني احتقار الأديان وتتخطي أي وصف عقائدي داخل الطائفه الواحدة، وعملا بالأية "تأديبا أدبني الرب"، كما أرجو تفعيل لجنة حماية المهنة داخل نقابه المهندسين نظرا لتمتع النقيب بعلاقات طيبة مع الكنيسة، ولن أسهب في نقطه التسامح والغفران، فقد دخلت أطراف أخري، ومنها حقوقية، علي الخط لتأخذ القضية منحنى آخر، وحتي لا يترك للتاريخ سبه تضعف من الأكلريوس والباحث وتضعه خلف الأسوار مع ضرورة إيضاح أن المتهم قد تخطى كل أصول البحث والحريات، لكن كل انسان يستحق فرصه للتعويض مشروطا بضمان عدم التكرار وتنقيه الطرح، لكي نضعه في نطاق الحرمان الصغير حتي نطفيء شعله الشقوق الدائرة بلا علامة تستقر في جسد الشركة، وتتحول لإقصاء كلي في محاوله لكسب نفس، فليس من الضروري اتساع فجوات الفكر حتي نصل لترك إرث أشبه بجيل "بباوي"، كما أدعو أيضا إلي تطبيق مادة القانون الكنسي بأنه لا يجوز فرض عقوبتين على خطية واحدة، وقد حرم من ممارسة طقس التناول بالفعل ولا يستدعي إتمام عقوبه السجن، وعلي اللجنة الفاصلة تولي مهام الفرز إن استدعي الأمر، وهى غير الحرمان، فلم يحدد أحد القساوسة داخل الايبراشية نطاق حرمان التناول ولا زمنه، وتحولوا اليوم إلي أطراف مما ساعد علي التأزم، وللتأكد أن القرار لم يبن علي كلمه صدرت فى ساعة غضب، وطبقا لإجراءات كنسية سليمة بدون تغييب المتهم، في النهاية يجب أن يتغلب الاحتواء والحب أصل الوصايا والقوانين علي كل المشهد، فلا انتصار لأي رتبة كنسية حتي إن كان في موقف قوي وترتب عليه خسارة الرعية، ولا تباهي في تمادي ضال، وجميعنا خاسرين بدون استثناء في هذة القضية، وقد وقع خطأ من كافه الاطراف لتتحول إلي استغلال للقضية علي نطاق أوسع مستقبلا، فيجب ان نبحث عن حلول للقضية داخل أنفسنا في شخص وأخلاق السيد المسيح.
----------------------------------
بقلم: جورجيت شرقاوي

 

مقالات اخرى للكاتب

خانة الديانة في كشوف طلاب المدارس بين الجمود والطرح