29 - 06 - 2024

مع الأديبة السورية نرجس عمران: أتصور أحيانا أن الأقدار تتنافس على يد أيّها سأفنى

مع الأديبة السورية نرجس عمران: أتصور أحيانا أن الأقدار تتنافس على يد أيّها سأفنى

 الأديبة السورية نرجس عمران من جيل الشباب، لها مشاركات في المشهد الثقافي العربي بما تنجزه من أعمال وقد تنوعت في الكتابة الأدبية: نثراً وشعراً ونقداً، كما أن لها تواجد في الصحف المجلات العديدة في سوريا والعالم العربي، ولها العديد من الدواوين الشعرية والمجموعات القصصية، مثل: "أجراس النرجس"، و"بصمات على أوراق النرجس"، و"تقاسيم على عود النرجس"، ومن المجموعات القصصية نذكر لها "في سفر الموت"، و"أضواء خافتة"، ومجموعات قصصية مشتركة عربياً "أحلى القصص، و"على ضفاف الرافدين"، و"١٥٠أيقونة عربية" عن دار أمارجي السومرية، ولها رواية "الليلة التي تولد بعد"، وكتبت أيضاً الخاطرة الأدبية وتناولت فيها موضوعات الحياة المختلفة عن السلام والحب والحرب والطفولة والخيبة.. وتأثرت بشدة بما تعرضت لها بلادها من مؤامرات على مدار السنوات الأخيرة، فامتشقت قلمها تدافع باستماتة عن وطنها الحبيب الذي لم تتركه وظل يعيش بداخلها، حزينة عما وصلت إليه أحواله.. 

وقد استقبل النقاد أعمال الأديبة نرجس عمران، وكتب عن منجزها الشعري والنثري ومنها الدراسة الوافية التي أعدها الدكتورر جمال خضير الجنابي بعنوان "التشكيل الشعري في أشعار نرجس عمران" عام ٢٠٢١، ونالت العديد من مظاهر التكريم داخل وطنها وخارجه ومنحتها بعض الجهات الثقافية الدكتوراه الفخرية.. وكان لزاماً علينا ان نهرع إلى دوحتها لتسرد لنا عبر هذا الحوار محطات من حياتها ونشأتها وقصتها مع الكتابة والموضوعات التي تناولتها في أعمالها، والأزمة التي تحياها بلدها خلال السنوات الماضية، وموضوعات أخرى نطالعها في حوارنا التالي:

* حدثينا عن النَّشأة وكيف كان لها الأثر في حياتك الأدبيّة فيما بعد؟ 

- الحقيقة أنني نشأتُ في بيئةٍ جميلةٍ جداً؛ هي منطقة جبلية تتبع للسَّاحل السٌّوري.. أجل! لقد فزت بالأجملين (الجبل والبحر)، وعشتُ طفولتي متنقلةً بينهما، ولا يخفى على أحدٍ أبداً جمال الطبيعة في فصول السَّنة المختلفة في الرِّيف،حيث الجبل والنَّهر والشَّجر والوادي والعصفور والشَّلال، لقد كنت أرى الطَّبيعة عروساً كل َّشتاءٍ وأتصورها قد لبستْ قوس قزحٍ في كلِّ ربيعٍ، وما أجملها في فصل الخريف؟! عندما ترفل بحلتها الذَّهبية، وللصيف ومواسم الحصاد حكايةٌ أخرى من الجمال.

ترسختْ مفاهيم الجمال هذه في عقلي الباطني واستقرت ْفي اللاوعي فصرتُ أفرزها في كلِّ وعيٍّ وإدراكٍ، لقد عشعشتْ في أفكاري واكتنزتْ صوري بها، حتى أنَّها طفحتْ حتى فاضت من المعاني.كيف لا؟ فالله جميلٌ ويحب الجمال، فهل يعقل أن تغيب عنه عيوننا وتتذوقه الأرواح، ومع مرور الوقت وجدتني شاعرةً دون قرارٍ مني بذلك، وتصببَ الشِّعر والأدب من أقلامي ونضحتْ به أبياتي عنوة وبكلِّ إرادة.

* متى بدأت رحلتك مع الكتابة؟ 

- كما ذكرتُ في مطلع حديثي نحن نتربى على نهج ٍمعين فيكبر معنا كلَّما كبرنا، الحقيقة أنني منذ طفولتي أعشق النَّجاح وأفضل التَّميز، لذلك كنت من الأوائل خاصةً في اللغة العربية وكنت أكتب ُمواضيعها بنبضٍ مختلفٍ فأتفوق بها، وكانت غزلياتي لزميلاتي لطيفةً ومميزةً لكنَّها كانت ضمن حدود الشَّقاوة وحياة الطلبة، وحتى رسائل المراهقة كلِّها كانت للخصوصيّة، أما الرِّحلة الجَّادة في عالم الكتابة فقد بدأت مع أزمة بلادي الأخيرة، حين تعرضت لمؤامرةّ كونيةٍ بشعةٍ وشرسة وجدتُ أنَّ القلم هو حلّي وسلاحي فأنا لا أستطيع أن أقف مكتوفة الأيدي تجاه ما يحدث لوطني وما أرفضه.

بدأت طبعا كتابة الخواطر والحزن والهَّم والفراق وحبُّ الوطن والدَّعوة للسَّلام ونبذ الظُّلم وكيّد الأعداء وغيرها من مواضيع غايةٍ في الأهميّة والضرورة، في خواطر وفي يوميات أنشرها على متصفحي وفي كلِّ مواقعي بالعالم الإلكتروني، ورويدًا رويدًا بدأت مشاعري المرصوفة في كلمات ٍتصل للأصقاع المختلفة وتطورت مشاركاتي إلى واقعيّةٍ وفعليةٍ، وتعددت نتاجاتي الأدبية والقصصيّة والغنائية،...وما زال الطريق حافلا بطوله أمامي، وما زلتُ أخطو فيه الهوينى.

* ما الروافد والبيئة التي كتبت فيها أعمالك الإبداعيّة والفكريّة؟ 

- يبدو أنني قد أجبت ُعن هذا السُّؤال أو بعضه فيما ذكرت ُمنذ قليل، فالبيئة كانت ذات فضلٍ كبيرٍ حين أشبعت روحي جمالا منذ الطفولة بجبالها وبحرها، ثم انتقلت من ساحلي الرائع من طرطوس إلى محافظة دير الزُّور حيث بيئة أخرى وطبيعة أخرى أكثر ما يميزها العَّجة أو العّجاج وأيضا ميزتها أنك تشهد في اليوم الواحد الفصول الأربعة معاً، أجل في ذات اليوم كنا نعيش الفصول الأربعة وبعدها إلى مدينة حمص الدَّاخلية البَّاردة ومنها إلى حوران الجمال، حيث الأرض كالسَّهل والحجر والتُّربة والجوّ بطابع ٍخاصٍ، وكنت قد ولدتُ في مدينة دمشق وما أدراك ما دمشق؟ التي سقتني ماءها فتدمشقت ُإلى الأبد.. هذا المرور في هذه المناطق المختلفة من الشَّرق والغرب والشَّمال والجنوب هو بحدِّ ذاته غنى فكريُّ لا يضاهى.

* كيف وفقتْ نرجس عمران بين كتابة الشِّعر والنَّثر؟

- الحقيقة هي نعمة أحمد الله عليها، فليس كلِّ شاعر يستطيع ٍأن يأتي بالفنون الأدبيّة بمختلف أشكالها، فالبعض يجيد كتابة النصَّ العامودي دون سواه، والبعض يجيد النَّثر دون سواه والبعض يجيدُ المحكي فقط ، والبعض يجدُ نفسه في الرِّواية فقط والأخر في .. وغيره ف ... أما أنا فأجد نفسي هنا وهناك والإلهام عندي متدفقٌ والحمدُّ لله سيِّما وأننَّي صقلته بالاهتمام والمتابعة والعلم والقِّراءة.

* دور الصَّحافة في تشكيل الوَّعي والإبداع؟

- للصحافة دور ٌكبير في تشكيل الوعي والإبداع لدى الكاتب والقارئ، معا فأنا عندما أكتب للنشر والصحافة إلكترونياً وورقياً وأهتم بمادتي أكثر وغناها الفكري والأدبي لأنَي أعرف أنَّها ستقرأ وستنتقد، ويجب أن تكون مفيدة لافتةً خدمة لي ولغيري، فمن الضروري أن تعكس ثقافتي وأناقتي الأدبية والفكريّة، وأنا أيضاً عندما أقرأ الصحافة أتثقف وأتعلم وأتطلع على تجارب الأخرين أتفادى مشاكلهم وأتحلى بنجاحهم، فأختصر المَّشاق في دربي.

* عملت نرجس عمران في أكثر مجلةٍ وصحيفة محليّة وعربيّة وعالميّة حدثينا عن الصحافة الأدبية هل تواكب الحدث الثقافي أم هناك قصور في ذلك؟ 

- الصحافة الأدبية مشعلٌ لكَّنه لا ينطفئ أبداً، دائم التوقد والاتقاد لأجيال وأجيال، وهذا مرده إلى أنَّه يواكب الحدث الثَّقافي والفكري دوما أينما كان، هو عجلة تحث خطاها نحو النَّور.

* من رحم المعاناة يأتي العطاء والإبداع .. حديثنا عن تجربتك في ظل الأزمة التي تعرضت لها سوريا منذ 12 عاماً؟

- كانت تجربتي في هذه الأزمة هي المرار بأمِّ عينه، أكاد أظنُّ أنَّ هذا الذي حدث قد حدث فقط ليهدمني، أتصور أحيانا بأن َّالأقدار قد تنافست فيما بينها على يد أيها سأفنى، لذلك تراها نقلتني من سوءٍ إلى أسوأ، فما من مصيبةٍ إلا تذوقتُ مرارها سواء الموت، الفراق والأسر والتَّهجير والوحدة والمرض لكنَّها كلُّها جعلتني امرأة من حديد.
--------------------
حوار- أبو الحسن الجمال
* كاتب ومؤرخ مصري. 






اعلان