27 - 09 - 2024

صفقة بايدن الكبرى: هل يمكن أن تنشيء الشرق الأوسط الجديد من الفوضى؟

صفقة بايدن الكبرى: هل يمكن أن تنشيء الشرق الأوسط الجديد من الفوضى؟

في عام الانتخابات، يسعى الرئيس الأمريكي إلى كسب رصيد سياسي من خلال تقديم حوافز دبلوماسية للدول المتنافسة في المنطقة، بما في ذلك الاعتراف بفلسطين.

ورغم أن الضربات الجوية التي نُفذت ليلاً يوم الجمعة ضد الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا والعراق علامة على تصاعد العنف في المنطقة منذ بداية حرب غزة، فإن إدارة بايدن تسعى الآن إلى إظهار أن لديها مزيد فيما يخص سياسات الشرق الأوسط، بخلاف القنابل الموجهة بدقة.

وبينما كانت تخطط للغارات الليلية انتقامًا لهجوم وقع الأحد الماضي على قاعدة أمريكية في الأردن، كان البيت الأبيض يرسل أيضًا إشارات بأنه لن يترك الأزمة المتفاقمة في الشرق الأوسط تذهب هباءً، وأنه يعمل على وضع خطة لاستخدام الفوضى كفرصة لتحول المنطقة.

تم نقل الرسالة من خلال تسريبات وإيضاحات لكتَّاب موالين قبل مغادرة وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى المنطقة، وهي الزيارة الخامسة له منذ بداية بداية الحرب على غزة وبعد 7 أكتوبر، والتي ستأخذه إلى السعودية ومصر وقطر وإسرائيل والضفة الغربية.

لم تحقق الزيارات الأربع الأولى لبلينكن الكثير، للمدنيين البالغ عددهم 2.3 مليون في قطاع غزة، على الرغم من أن الولايات المتحدة زعمت بعض الفضل في أن الحرب لم تنتقل فورًا إلى لبنان. 

وفقًا للرسائل التي تُطلق، يحمل وزير الخارجية هذه المرة شيئًا أكثر جدارة في أوراقه: صفقة "كبرى" تشمل تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وتقدمًا كبيرًا نحو الاعتراف بدولة فلسطينية - كل ذلك محفزًا بوسائل دبلوماسية واقتصادية من واشنطن.

في نفس الوقت الذي كان يتم الترويج لهذه الدفعة الدبلوماسية الجديدة في واشنطن، اقترح وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، أن كل من المملكة المتحدة ومجلس الأمن الدولي قد يعترفان بفلسطين في وقتٍ أقرب مما هو متوقع، قائلاً: "لا يمكن أن يأتي في بداية العملية، ولكن لا يجب أن يكون في نهاية العملية."

يبدو من المحتمل جدا أن تكون تصريحات رئيس الوزراء البريطاني السابق، التي ألقاها خلال زيارة للبنان، قد تم التنسيق على الأرجح مع واشنطن لنقل الإشارة بأن "الخطط قيد التنفيذ" للبحث عن حلول دائمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني .

يقال أن الولايات المتحدة تدرس أيضًا خيارات تخص توقيت الاعتراف بدولة فلسطين خلال سير عملية السلام المستقبلية، دون ضرورة الانتظار حتى النهاية.

ومن بين الخيارات، وفقًا لتقرير نشره موقع أكسيوس، هي الاعتراف الثنائي بدولة فلسطين، وتخلي مجلس الأمن الدولي عن حق الولايات المتحدة في الاعتراض على التصويت لصالح قبول فلسطين كدولة عضو كاملة في المجلس، حيث حصلت على وضع المراقب الدائم غير العضو منذ التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2012، وثالثًا، تشجيع الدول الأخرى على اتباع واشنطن في الاعتراف.

في الوقت نفسه، ستقدم المملكة العربية السعودية، التي لم تتنازل عن رغبتها في تحقيق تطبيع العلاقات مع إسرائيل طوال أربعة أشهر من حرب غزة، عرضًا لتأسيس علاقات دبلوماسية مع إسرائيل مقابل خطوة فعّالة و"لا رجعة فيها" نحو قيام دولة فلسطينية.

يبدو أن التفكير في البيت الأبيض هو أن مثل هذا العرض من الرياض سيضع بنيامين نتنياهو في مأزق. حيث لن يقبل تحالفه اليميني المتطرف مثل هذه الصفقة أبدًا، ولكنه سيفقد دعم الولايات المتحدة إذا لم يفعل.

وللبقاء في المنصب، وبالتالي لتجنب تهديد السجن نتيجة لتهم الفساد الجنائي التي يواجهها، سيتعين على نتنياهو التخلي عن شركاء التحالف والبحث عن آخرين، وفقًا للخطة. 

سيخلق سقوطه أو تشكيل تحالف حكومي جديد مساحة للتقدم الدبلوماسي نحو الحل الدائم المتعثر للدولتين، وهذا بدوره سيخلق توازنًا إيجابيًا لجو بايدن في الساحة الداخلية.

تُسعى السياسة الخاصة بالأميركيين العرب، خاصة في ولاية ميشيجان الحاسمة، إلى مساعدة الرئيس في التمسك برئاسته من خلال مساعدته في التغاضي عن دعمه الثابت لإسرائيل في حملتها في غزة.

وفي الوقت نفسه، فإن اتفاق سعودي-إسرائيلي يحقق لفلسطين الدولة سيعيد تشكيل الشرق الأوسط، وذلك في المقام الأول على حساب إيران التي سعت لتمثيل نفسها كمُحامية للفلسطينيين في زمن الاحتلال والاضطهاد، وهو ما يشكل أساسًا لتوسيع نفوذ طهران عبر المنطقة.

هذا، على الأقل، هو الخطة. إنها مشابهة في معظم جوانبها لسياسة الإدارة في الشرق الأوسط قبل 7 أكتوبر ولكن الآن بإضافة الطابع العاجل الناجم عن الكارثة الإنسانية في غزة.

يشير التاريخ الطويل للصراع العربي الإسرائيلي إلى أن التقدم الحقيقي يأتي فقط بعد وقوع عنف مفرط، على سبيل المثال انتهت حرب أكتوبر 1973 باتفاقيات كامب ديفيد.

أعطى النصر السريع للولايات المتحدة في حرب الخليج النفوذ لجلب الاحتلال وخصومه العرب إلى طاولة مؤتمر مدريد في عام 1991.

بدأت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في عام 1987 وانتهت باتفاقيات أوسلو الأولية في عام 1993 وبداية عملية كانت تهدف إلى إقامة دولتين ذات سيادة تعيشان جنبًا إلى جنب. 

يخلق الصراع حاجة إلى البحث عن بدائل، ولكن العجز عادة لا يكون كافيًا لإحراز نتائج، فمثلا مؤتمر مدريد وعملية أوسلو، بعد أن أظهرا الكثير من الوعد، فشلوا في مواجهة الواقع الصعب في المنطقة.

يُشير آرون ديفيد ميلر، الذي كان مفاوضًا سابقًا في وزارة الخارجية حول الشرق الأوسط، إلى ضرورة وجود القيادة كعنصر رئيسي آخر. 

يقول ميلر : "في السعودية، هناك قائد مستعد لاتخاذ المخاطر من أجل الفوز بالمكانة: ولي العهد محمد بن سلمان. في القدس، لديك رئيس وزراء جاهز بشكل يائس لتحمل المخاطر، يقاتل من أجل حياته السياسية وعلى الأرجح حريته".

واقترح ميلر سؤالًا أكبر حول مدى استعداد بايدن لاتخاذ مخاطر سياسية، مثل الاعتراف المبكر بدولة فلسطين.

وبحسب ميلر: "بالنسبة للقضية الفلسطينية الرؤساء لا يميلون عادةً إلى المخاطر خلال سنوات الانتخابات".

وأضاف ميلر "المشكلة الأساسية هي أن الوقت ليس حليفًا لهذه العملية. إنه عدو، لأنه يقف في طريق تنفيذ هذه الخطة، فهناك الكثير من الأجزاء المتحركة، والعديد من المعوقين، في حين "هناك أهم انتخابات في تاريخ أمريكا خلال تسعة أشهر من الآن، بينما هناك قضية معقدة للغاية، وعليه سينفذ الوقت" 

من بين الأجزاء المعقدة في مثل هذه الصفقة هي توقعات السعودية من الولايات المتحدة، حتى الآن، كان الأمير محمد يصر على اتفاق دفاع مع واشنطن ودعم تقني لبناء صناعة الطاقة النووية السعودية. والتي من المرجح ألا يتم الموافقة على أي منهما من قبل الكونجرس.

من وجهة نظر دانيال ليفي، رئيس مشروع الولايات المتحدة/الشرق الأوسط في معهد الفكر "يملك ترامب تأييد كتلة الغوغاء الجمهوريون، الذين سيرفضون تلك الخطوة"

نجاح المشروع بأكمله يعتمد بعد ذلك على رضا ولي العهد بمجرد الرضا بكونه الراعي لدولة فلسطينية. من غير الواضح ما إذا كان ذلك سيكون كافيًا لإقناعه.

الافتراض الثاني الهش هو أن نتنياهو سيعتبر اتفاق تطبيع سعودي واستمرار دعم الولايات المتحدة، بدلاً من سلامة تحالفه الحالي الصارم، أمرًا ضروريًا لبقاءه.

ووفقا لدانيال ليفي "تعتقد إدارة بايدن أنهم يمكنهم دمج هذا وخلق ظروف تجعل نتنياهو في مأزق ويضطر إلى التخلي عن حلفائه في التحالف، وأنا لا أرى ما يقومون به كافٍ على الإطلاق للقيام بذلك"، الذي يضيف "لا أحد في إسرائيل سيقول: 'يا إلهي، فات نتنياهو فرصة للتطبيع مع السعودية فقط لأنه لم يوافق على دولة فلسطينية.' نتنياهو سيتحدث فقط ويقول: 'أنا الشخص الذي حقق التطبيع مع دول الخليج الأخرى دون أي تنازلات.'" 

حتى لو قرر نتنياهو حل تحالفه والبحث عن تحالف آخر، ستأخذ حملة الانتخابات التالية أشهرًا، وليس واضحًا على الإطلاق ما إذا كان زعماء سياسيون آخرون سيكونون على استعداد لأن يكونوا شركاء في تحالف مع رجل يكرهونه لمدة أطول من الوقت اللازم للاستمرار في الحملة العسكرية، أو أنهم - معظمهم من اليمين المعتدل والوسط - سيكونون أكثر حماسة تجاه إقامة دولة فلسطينية قوية.

وفي ظل هذه الواقعية السياسية - غياب الدعم عبر الساحة السياسية الإسرائيلية لدولة فلسطينية بامتياز - سيكون أي اعتراف رسمي من قبل العواصم الغربية أو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أمرًا رمزيًا بشكل رئيسي، وفقًا لرشيد خالدي، أستاذ دراسات العرب الحديثة في جامعة كولومبيا في نيويورك.

يقول خالدي: " لا معنى لهذا الاعتراف حرفيا، السيادة، والمستوطنات، والاحتلال: إذا تعاملوا مع تلك الأمور، فإن ذلك يكون له مغزى. ولكن هل سيقومون بنزع الأراضي من نصف مليون إسرائيلي؟ . هل سينهون الاحتلال العسكري؟ لا. هذه الحكومة، والحكومة القادمة، والحكومة بعد ذلك، لن تنهي الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية."

مستطردا : "من غير واضح كيف ستكون "السلطة الفلسطينية التي يحاولون إنعاشها، والتي اقترحها المسؤولون الأمريكيون كحكومة مفترضة لدولة جديدة، والتي لم يمر عليها انتخابات منذ 18 عامًا، حيث لن تكون مقبولة لدى معظم الفلسطينيين، وحتى الآن يتم حجب الانتخابات بسبب رفض إسرائيل السماح لأهل القدس الشرقية بالمشاركة".

هذه هي ارتفاعات وانزلاقات الجبال التي يجب أن يتسلقها الدبلوماسيون لجعل الخطة تعمل، في وقت قصير جدًا نظرًا لتقويم الانتخابات.

"أعتقد أن القوة الدافعة وراء هذا، صراحةً، ليست تقديرًا دقيقًا للواقع السياسي في إسرائيل وفلسطين. إنها رغبة في الفوز بانتخابات 2024 عن طريق جعل الرئيس يبدو وكأنه يقوم بشيء"، وفقًا لرشيد خالدي، الذي قال :"هناك عمى تام لحقائق البلدين التي نتحدث عنهما، إسرائيل وفلسطين، مما يعني أن هذا هو أساسًا عرض للجمهور، عرض للناخب الأمريكي. أعتقد أن احتمالية أن يأتوا بشيء فعليًا هي صفر."

----------------------------------------
تحليل الخبير بالشرق الأوسط وأفريقيا جوليان بروجر
ترجمة - أسماء زيدان

لقراءة المقال بالإنجليزية يرجى الضغط هنا