27 - 07 - 2024

الكتب.. لذة القراءة ومتعة الفكر

الكتب.. لذة القراءة ومتعة الفكر

العزلة مملكة الأفكار ومُلك النفوس،.. وكم من خلوة حلوة، وكم فيها من عز وراحة.. والقلم هو النديم، والكتاب هو الصاحب فيها،.. خير جليس، وأفضل ما يحفظ به الوقت، ويعمر به الزمن والعمر.. يجلو الأفهام، ويسرّ القلب، ويؤنس النفس، ويشرح الصدر، وينمّي الفكر.. أوجد للعظماء مكاناً تحت الشمس.. وكتاب نافع مفيد يجلب السعادة كالروض الأخضر،.. بستان وارف وحديقة غنّاء، وغيث هنيء من نسائم الحياة.. هكذا صحبة، ومسامرة، ورفقة علم وأدب ومعرفة..، سفرا إلى عوالم أخرى ومشاهدة لمعالم جديدة، وسعة للأفق.. سموا بالنفس، وهجرة بالروح.

ولذة القراءة من وجوه عديدة، أبسطها أنها تعطى الحياة الحقيقية، وحقيقة الحياة التى لا نعرفها، إلا بعد أن نفقدها، فإن لم نكن عرفناها، أعطاها لنا الخيال.. ومن هنا، تحتل القراءة مكانة كبيرة.. أعتبرها من السعادات الكبرى.. ألتمس لقلبى منها، فنون الحكمة، وأنواع المعرفة.. ببساطة تجعلنى أحلم.. تدخل سرورا عظيما على النفس، بما تجعله من إثراء للعقل، وصقل للقريحة.. تطوي الزمان والمكان، بلوغا للأرب.. توسع مدارك النظر، وتفتح الآفاق أمام الروح.. وأتمتع كثيرا بالقراءة الخالصة.. أندمج كلية.. أود ألا تنتهى قراءتى، حتى لا تنتهى متعتى.. وتتعدد وتتداخل مستويات تلك المتعة البالغة،.. أحاول بعناية بالغة أن أكتشف في كل موضع جمال ما به.. وأحيانا، أعود متشوقا،.. أكرر إحساسى بالمتعة، فى كثير مما قرأت من كتب،.. وحبذا لو كانت نصوصا تاريخية،.. أعيش عصرها، متخلصا من الخيالات والأوهام، لا أصرف نفسى إلا لحقيقة تاريخية..

ولا يخلو التاريخ من فائدة، يمكن استخلاصها من أحوال جنونية، وأحداث بائسة،.. مرّ بها البشر، تقول بعدما تقرأ فى ذلك الزمان كان الأمر مختلفا، أو أن شيئا لم يتغير على الإطلاق.

لذا كثيرا ما أقرأ التاريخ، وأتفكر في عجائبه، وأتدبر غرائبه، مستمتعا بقصصه، سابرا غور أخباره.. ويلفت نظري حكمه ودروسه..

من جانب آخر، لا يساوى هذا أبدا المتعة، التي يمكن أن ألقاها فى قراءات أخرى.. ولكل لذته ومتعته.. أقرأ بنوع من طمأنينة توقظ ما غفا فى الوجدان.. فهناك ما يولد دائما.. وثمة أمر جديد دوما.. لذا أتأمل فيما وراء غوامض وشوارد النصوص، وما أقرأ،.. أحاول أن أفصل بين الواقع والخيال، فى حالة أقرب إلى ما تبينه السماء فى جو متقلب،.. أدرك أن ثمة أمرا ما وراء الكلمات، كما لو كنت أنتظر شيئا مجهولا... أتلهف لقدومه، حيث تتجلى لى الحقيقة، ترفل فى بهاء قشيب، يؤمن لى متعة ذهنية لا تتكرر.. مثل لحظة هطول مطر، أو هدير موج لا يتوقف.. وأنى لهذا أن يتوقف فى النفس، كضوء الشمس وحرارتها.. يشعرنى بنبض الحياة، وصوتها عن بعد... فقد كان حلما سماويا، لم أشعر بنفسي حتى سمعت حينها "أتحلم وأنا بجانبك لم أعرف أم داخلك؟" ولم يوقظنى من الحلم شئ، إلا أن ليس لى فى هذه الدنيا من أمر إلا ما قدر لى.. على أن أحيا بتلك الحقيقة، ما بقى .. لم أستطع إلا أن أستسلم لحلم لحظة قدرية.. أحيا بها وعليها، وأنا أعرف أنها لن تكون أو تتكرر.. أستمد منها ما أعلم أنه عمر جديد، بمنأى عن بشريتى.. هدوء، أعهده فى نفسي مع طيف روحانى نورانى.. يرافقنى.. كتبت ما كتبت، وسطرت ما سطرت، ما لم أتوقع أبدا.. وكانت وديعة ثقيلة على كاهلى،.. وسوف أظل أكتب، فى عالم آخر،.. وما زال لدى جذوة روح أضعها فيما أكتب.. تسبكنى سطرا فى تاريخ،.. فى عالم الأرواح.. حيث أنتمى، وينتمى ما بى مسيرا ومصيرا فى عالم الكتب والأقلام، إصدارا بعد إصدار.. إنتماء قدر.. قرّ فى كيانى، وتغلغل بروحى، كلما حاولت إلى ذلك سعيا.. وليس هناك ما يحول، أو يمنع من أن تفقد بعض وجودك الى الأبد.. أن تفقد روحك، لا تعرف، أم تجدها، لتبقي جذوتها موقدة فى الأسفار، من بعدك.. أحيا فيما أكتب، حلما،.. ربما لن يتكرر مرة ثانية.. رفقة صنو روح وشطر حياة فى عالم آخر... من يستطيع أن يعيد أمسا،.. والمقدور واقع، ودقائق الحزن والألم بأيام، وبرهات السعادة نتذكرها كأعمار، كخيال أو أحلام لا تتحقق.... ونحن بين هذا، وذاك من ذكريات.. فما مضى ذهب وانقضى ،قضاء محتوما، إختيار الله.. شيئا لم يكن من رزق مقسوم، إلا أثره على الروح والنفس،.. فتّح السمع والبصر وأحيي القلب.. وعلىّ ترك المستقبل غير مستسلم لأراجيف.. قوي القلب ثابت النفس.. فلا إحباط ولا يأس ولا قنوط.. هكذا، لا يدوم الحال على حال واحد.. وفي الله كفاية، ومنه الرفعة والعزّ...
-------------------------------
بقلم: خالد العرفي *
* كاتب وأديب مصرى


مقالات اخرى للكاتب

الكتب.. لذة القراءة ومتعة الفكر