30 - 06 - 2024

حينما أيقظت وردة - دون قصد - الشاعر الكامن بقلب بليغ حمدي

حينما أيقظت وردة - دون قصد - الشاعر الكامن بقلب بليغ حمدي

من رحم المعاناة تولد المعجزات والإبداع، وتتحول المآسي إلى أيقونات، هكذا يمكننا وصف واحدة من أجمل القصص الفنية في التاريخ المصري، حينما أيقظت وردة -دون قصد- الشاعر الكامن بقلب بليغ حمدي.

في كل مرة كتبت كان هناك حدث ما وشعور وإحساس يكاد يفجر الأحشاء إذا ما تم ترجمته، لم أكتب يومًا رغبة في الكتابة نفسها أو الحديث، ولم أكن يومًا شاعرة ولم يحيطني الكثير من الأدباء، لكن وقفت وحدي كثيرًا وقلبتني الحياة بين كفيها، ثم كتبت. لأتيقن في الأخير أن التجربة يمكن أن تحولك إلى شاعر أو كاتب وأشياء أخرى كثيرة دون محاولة منك، وهذا ما حدث تمامًا مع بليغ حمدي بعدما خلقت منه التجربة شاعرًا كبيرًا يجعلك تؤمن وكأنه وُلد هكذا ولم يكن التلحين واللعب بالمزيكا وظيفته الأساسية. 

ترجم بليغ أحساسه بالحنين والهزيمة والبُعد والعذاب بعد سفر وردة ورفض والدها زواجهما، إلى أن كتب مطلع أغنية العيون السود، وأكملها صديقه محمد حمزة ورفض بليغ وقتها أن يغنيها أحد، ثم عادت وردة لتقدمها بشعور يملؤه الصدق هي وبليغ في فيديو واحد، وتصبح الأغنية الأكثر طلبًا في الأذاعة المصرية.

ظل بليغ الداعم الأول لوردة والمستمر، والذي فضل التعبير عن حبه لها في رسائل سرية، حتي سألته أم كلثوم مازحة ذات مرة عندما علمت بأنه أضاف بعض المقاطع في أغنية "بعيد عنك"  «تعالى يا واد.. إيه؟ إنت صحيح عملتني كوبري علشان تبعت رسالة للبنت اللي بتحبها؟!» وقيل وقتها بأنه أضاف في الأغنية مقطع «أنساك دا كلام أنساك يا سلام، أهو ده اللي مش ممكن أبداً»، قاصداً بها حبيبته وردة. 

وبعد طلاقه من وردة ترجم البليغ ألم التجربة إلى أقسى وأهم كلمات من الممكن أن يخطها أهم شعراء هذا العصر، صحيح كان بليغ متميزًا وشغوفًا بالموسيقي والكتابة، الأمر الذي جعل البعض ينشر الشائعات حول محمد حمزة أن بليغ يساعده في الكتابة في بعض الأحيان، رغم كتابة حمزة حوالي أكثر من ألفين أغنية والأمر الذي أكدته وردة عندما قالت أن بليغ كانت له بصمة كبيرة وكان دائما ما يكتب المقدمة لمعظم أغانيها أو يدخل بعض التعديلات عليها بل كل الأغاني رافضًا كتابة اسمه عليها. 

أثر الطلاق على بليغ وأدرك وقتها أهمية وجود وردة رغم كثرة الخلافات بينهما بسبب غيرتها المفرطة، وقبوله الطلاق حفاظُا على كرامته، وفي أول المشوار وبعد الطلاق بساعات كما أكد المخرج جميل المغازي كتب بليغ أغنية "الحب اللي كان" والتي قدمتها ميادة الحناوي وإلى الآن مازالت واحدة من أهم أعمالها على الأطلاق، والتي أظهرت كلماتها معاناة وتأثر وضياع بليغ ونجح صوت ميادة الشجي في توصيل جزء من شعوره. 

ورغم البُعد والمسافة والانفصال لم ينس بليغ وردة ولم يصدق عقله أبدًا الطلاق، حتي إذا صدق العقل ظل البليغ معتقدا أنها لن تكون هذه النهاية، ولن تنسي حبيبته يومًا ما كان بينهما، لكن خاب شعوره ولم تسأل وردة، ليصدم العاشق المجروح ويتجدد نزيف ألمه ويخرج على شكل كلمات أغنية "فاتت سنة"، وكانت بعد سنة تقريبا من وداعهما والتي يعاتب فيها بليغ حبيبته على عدم التواصل وتبادل الرسائل لتوهمه الكبير بالعودة مرة ثانية ليقول لها «فاتت سنة حتى الجواب منهم ما وصلش.. ماقدرشي أنا ع البعد ده أنا ما أقدرش».

 وظل بليغ يبعث بالرسائل والأغاني التي يبدأ هو بفكرتها ويستكمل معه صديقه محمد حمزة باقي الأغنية بل الرسالة إلى أن كتب آخر رسالة بدمه، وبعدما أيقن أخيرًا  عقله الوداع : «باودعك.. بودع الدنيا معك. قتلتني.. جرحتني.. وغفرت لك قسوتك. بودعك من غير سلام ولا كلام. ولا كلمة مني تجرحك .. أنا ! انا أجرحك ؟».






اعلان