16 - 08 - 2024

( الطيب والشرس والقبيح..!!)

( الطيب والشرس والقبيح..!!)

هذه قصة عشت جانبا من أحداثها وتفاعلاتها ، وساقتبس عنوانا لها اسم الفيلم الشهير للممثل الامريكى كلينت استود (الطيب والشرس والقبيح) أحد أيقونات سينما الغرب الأمريكى.. الذى أنتج وعرض فى ستينيات القرن الماضي.

أربعون يوما مضت على وفاة الحاج "تيمور" تاجر الغلال الكبير ، أحيا الأبناء الذكرى بتلاوة القرآن على روح الوالد، فى سرادق كبير تجمع فيه أهل الحي، وما أن انتهى الشيخ مصطفى مقريء البلدة من تلاوة خواتيم سورة "الفجر"، حتى ارتفعت أكف المجتمعين بالدعاء للمرحوم .

وبينما كان هذا حال الضيوف داخل "المجلس القرآنى"، كانت غرفة الحاج تيمور تشهد حوارا ساخنا بين الأبناء الثلاثة  رماح "الاكبر" وأيمن" الاوسط" وثامر "الأصغر"..

- رماح مهددا ومتوعدا شقيقيه:

لن أتنازل عن الدكان الكبير الذى باعه لى الحاج قبل وفاته، ومعه العمارة البحرية و الخمسة أفدنه التى فى حوض" الشيخ فضل" وأخرج من جيبه عقود بيع "مزورة"، كانت حديث أهل البلد قبل وفاة الأب عندما كان يعيش فى غيبوبة، إثر الأزمة القلبية التى داهمته داخل دكانه..

- أيمن بانكسار وبصوت حزين: رماح ياخويا..خذ ما يرضيك ولكن بشرع الله.. هذه العقود لطالما شكك فيها عمك الحاج منصور وخالك فوزى ومعهما أهل البلد قبلنا ، ولا داعى للفضائح.. عار وعيب علينا أن يقال أن أبناء الحاج تيمور، الذى كان يخاف الله ويراعيه فى تجارته يتقاتلون علي ميراث أبيهم.

- رماح محتدا وبصرامة: الوالد لم يترك  لنا ميراثا مشتركا سوى هذا البيت و٧٥٠ ألف جنيه بالبنك.. هذا كل ما عندى وإذا أردت أن تطعن فى عقود البيع أمامك المحامى.

- أيمن لنذهب نودع ضيوفنا والحاضرين بالخارج ونستكمل حديثنا لاحقا..

- ثامر : فعلا لقد أخذنا حديث الميراث ونسينا الذين جاءوا لمجاملتنا..

وبعد ساعتين استأنف الأشقاء حديث الميراث ،حيث لاحظ أيمن تجنب شقيقه الأصغر ثامر الخوض فى حديث الميراث فبادره قائلا: ما رأيك فى ما يقوله أخوك رماح؟

وعلى الفور قاطعه رماح : لا شأن لك بثامر .. فهو يعرف مصلحته جيدا، وسوف نجنب له مبلغا باقى نصيبه، ليقيم به عيادة الأسنان التى كان يحلم بها طوال سنوات دراسته بالخارج..

تفرس أيمن فى وجه ثامر ليقرأ رد فعله على كلام شقيقه، فوجده منكسا وعيناه شاخصة فى الأرض. فأعاد عليه السؤال مجددا.. ولكنه لم ينطق، ومرة أخرى جاءه الرد من رماح : قلت لك ثامر أمره محسوم .. وانت ستحصل على نصيبك من وديعة البنك بشرع الله كما تقول..

ومرة اخرى حاول أيمن أن يثني رماح عما يدور فى ذهنه بشأن العقود المزورة، لكن دون جدوى..!!

وعندما احتدم النقاش بينهما أخرج رماح مسدسه ملوحا به فى وجه أخيه، لم يصدق ايمن فظاعة المشهد أو يستوعب تجاوزاته بحقه، وهو الذى طالما فتح بيته بالقاهرة لرماح وأولاده عندما كانوا صغارا ، وكانه قد عزت عليه نفسه أن يهدده شقيقه وينكر عليه حقوقه، ودون أن يدرى التقط أيمن ورقة وكتب فيها سطرين :

أقر وأعترف بأننى قد حصلت على نصيبى الشرعى فى ميراث والدي من أموال وعقارات، وليست لى أية مطالبات عند شقيقى رماح. ثم وقع عليها وألقى بها فى وجه أخيه. وانصرف غاضبا بعد أن اقسم ألا يبيت ليلته إلا فى بيته بالقاهرة..!!

١٥ عاما مرت على تلك الليلة، وبعدها تعرض رماح " الشرس" لحادث بشع أثناء سفره بسيارته، قطعت بسببه ساقاه وفقد النطق وأمضى بقية عمره قعيدا لا يتكلم حتى وافاه الأجل. أما ثروته التى استولى عليها ظلما وتزويرا، فقد بددها أولاده من بعده على نزواتهم... !!

أما شقيقه الأصغر ثامر "القبيح" فقد تورط فى زيجات غير شرعية، وجرفته الرذيلة واختلف مع آخر زوجاته، فهرب من مصر إلى ألمانيا، حيث كان قد تزوج من فتاة أثناء دراسته، وأنجب منها طفلا وعاد إلى مصر ، وعندما حاول العودة إليها لفظته وهددته ما لم يكف عن ملاحقتها.

أما أيمن " الطيب" فقد تدرج فى ترقياته بوزارة الاقتصاد، ورزقه الله بزوجة صالحة وولدين أحدهما طبيب والثانى دبلوماسي. وعوضه بقطعتى أرض فى القاهرة الجديدة بنى على واحدة فيلا ، والثانية أقام عليها عمارة فخمة بمكافاة نهاية خدمته، وفضلا عن ذلك انتدب خبيرا فى إحدى المؤسسات المالية الدولية براتب كبير بعد تقاعده من عمله.

الله اسمه" العدل" وعنده لا تضيع المظالم ، وعينه سبحانه دائما تحرس عباده "الطيبين الأخيار"، ويده ترزقهم وتغدق عليهم بغير حساب..
---------------------------
بقلم: عبدالرزاق مكادي

مقالات اخرى للكاتب

فتاوى