17 - 07 - 2024

الحوار الأخير للراحل أحمد شمس الدين الحجاجي: السيرة بنت المجتمعات الديكتاتورية والأبنودي انتحل السيرة الهلالية

الحوار الأخير للراحل أحمد شمس الدين الحجاجي: السيرة بنت المجتمعات الديكتاتورية والأبنودي انتحل السيرة الهلالية

 - المسرح يحتاج إلى ديمقراطية كي ينمو ويتطور على عكس السيرة
- الأبنودي حاول سرقة سيرة جابر أبو حسين وادعى أنه قد كتبها
- إبداعنا العربي لم يبتعد عن تراثنا الشعبي والسير العربية أشمل من الملحمة الغربية 

يعد الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي الأستاذ المتفرغ بكلية الآداب جامعة القاهرة مدرسة متفردة تتمتع بالموسوعية التي مزجت ما بين النقد والإبداع بين المسرح والأدب الشعبي وكتابة الرواية والمسرح، كان أول من اشتغلوا على الأسطورة في الوطن العربي عبر كتابة العمدة "الأسطورة في المسرح المصري المعاصر  1933- 1970،  ثمتلته العديد من الدراسات في هذا المجال مثل "الوظيفة بين الأسطورة والمسرح" وكتاب "الأسطورة في الأدب العربي" و"صانع الأسطورة الطيب صالح" ودخل عالم السيرة من خلال الأسطورة في كتابين هما "مولد البطل في السيرة الشعبية" و"النبوءة أو قدر البطل في السيرة الشعبية" وفي النقد المسرحي قدم العديد من الدراسات التي بدأها بالتأريخ للنقد المسرحي في مصر في كتابه "النقد المسرحي في مصر" ثم "العرب وفن المسرح" و"أصول المسرح العربي" والمسرحية الشعرية في الأدب العربي الحديث" و"مدخل إلى المسرح العربي" أما عن أعماله الإبداعية فمن المعروف عن شمس الدين الحجاجي أنه شديد الانتقاد لنفسه، فقبل أن ينشر روايته الوحيدة حتى الآن "سيرة الشيخ نور الدين" التي تحولت إلى مسلسل بطولة هشام سليم وروجينا بعنوان "درب الطيب" كان كتب قبلها 8 نصوص روائية لم تر النور. وله نص مسرحي واحد بعنوان الخماسين.

وذلك بخلاف عشرات الرسائل العلمية التي ناقشها وأشرف عليها صانعًا لنفسه مدرسة متفردة يهفو إليه التلاميذ من أجل ارتيادها وأن يكون من طلابها وينهلوا من عمله.

ولد أحمد شمس الدين الحجاجي في عاصمة مصر القديمة الأقصر عام 1935 ونال جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 2010م، ويقول الدكتور أحمد شمس في حوارنا معه أن الأسطورة هي الأمر دفعته دخول عالم الأدب الشعبي، حتى يتسنى له فهم الأسطورة أكثر، وفيما يلي نص الحوار:

* كيف أثرت الأقصر والقاهرة وأمريكا في تكوينك؟

- الأقصر هي حضارتي وثقافتي الشفاهية، وعالمي فأنا متأثر بأخلاق هذه المدينة وعاداتها وتقاليدها الحسن منها وماهو غير ذلك.
أما القاهرة تعلمت فيها أشياء كثيرة ولكنها لم تغير في شخصيتي، فيها أرى مصر من أقصاها إلى أدناها، وأكثر ما أثر بي في القاهرة هو الفن، وزملائي وتلاميذي وأحفادي، والتقيت فيها بأناس عظام مثل عبدالمنعم تليمة وصلاح عبدالصبور وسهير القلماوي ونعمان القاضي، فالقاهرة بالنسبة لي هي الكل وليست الجزء، فالقاهرة تلخص مصر كلها.

 وفي أمريكا  رأيت العام كله  فهو البلد العظيم، شاهدت بها الرحمة والظلم والاضطهاد والمساواة، وكانوا يلقبوني هناك باسم الإمام.

* هل عانيت من الاضطهاد بأمريكا؟

- نعم، وكان ذلك من فئة من العرب الذين يقيمون هناك، بينما الأمريكان حين يعرفون إنني مصري كانوا يرحبون بي بشكل كبير جدا ويسألوني عنها.

* ما علاقتك بالأدب الأفريقي؟

- تعرفت على الأدب الأفريقي من خلال تدريسي بجامعات أمريكا، قابلت العديد من الأفارقة هناك وتعرفت على مفهوم الفن لديهم ومفهوم الكتابة ومفهوم التراث الشعبي، وحين كتبت روايتي الوحيدة سيرة الشيخ نور الدين كانت على أساس أن تكون جزءا من الأدب الأفريقي حيث التراث الشعبي وتأثير على الفن الكتابي، فنحن في إبداعنا العربي لم نبعد تراثنا الشعبي.

* أكثر أسطورة شغلتك خلال رحلتك الطويلة مع الأساطير؟

- أكبر أسطورة شغلتني أسطورة إيزيس وأوزريس المصرية، أسطورة، الحكم والصراع عليه، وحورس الذي يصارع عمه انتقاما لأبيه، علاقة هذا الابن بأمه، وحفاظها عليه وتربيته بعيدا عن أعين أعدائها في الأدغال، من خلال هذه الأسطورة أنا مؤمن أن مصر وحدة واحدة ولا يمكن أن تتقسم.

* ما علاقة الأساطير بالأديان؟

- أخبرتك أن الدين هو الأسطورة، فالأسطورة بشكل عام هي عقيدة بين الناس، موجودة في كل مكان، فأنا ابن الأساطير، وجاءت كلمة الأساطير في القرآن الكريم 9 مرات بمعنى دين السابقين.

* ما الذي دفعك لدراسة الأساطير، والسير الشعبية، وأنت أستاذ نقد مسرحي؟

- خلال رحلتي مع المسرح وجدت أنه لن نستطيع فهم المسرح دون دراسة الأساطير سواء المسرح المصري، أو الغربي، وهو الأمر الذي دفعني إلى علم الأساطير، وحين درست الأساطير اكتشفت أنه لا يمكن فهم دراسة الأسطورة في المسرح إلا من خلال معرفة الشعب المصري وأدبه الشعبي.

* كيف بدأت علاقة الإنسان بالأسطورة؟

- الأساطير عالم حي لا نستطيع أن نفصله عن وجود الإنسان، فالأسطورة تسيطر على حياة كل إنسان حتى وإن كان ملحدًا، فالأسطورة هي أن تؤمن وألا تؤمن، فلم يستطع أحد من الملحدين حتى الآن الخروج عن الأسطورة بدليل أنه يبحث بسبل شتى لهروب منها، فلا يوجد شيء اسمه عدم الإيمان بالأسطورة، فأن تكون مع الأسطورة يساوي أن تكون ضد الأسطورة.

 هل هناك علاقة بين السيرة والمجتمعات الديكتاتورية؟

- السيرة بنت المجتمعات الديكتاتورية، فقد ولدت السيرة بعد فترة القص في العصر الإسلامي الأول، في عصر سيطرة بني العباس على السلطة، وازدهرت في عهد سيطرة الفاطميين ويشاع أن الفاطميين قد ألفوا سيرة عنترة من أجل إلهاء الناس.

* هل من أسباب لنشأة السيرة؟

- حين تفقد الأمة وجودها تبحث عن البطل الذي ينقذها من أزمتها، فأول بطل صنعته الأمة العربية كانت شخصية ذات الهمة امرأة على الحدود بين العرب والروم، وبعدها ولدت سيرة عنترة وأبو زيد الهلالي وذلك تعبيرا عن مشكلات العصر الذي يعيشون فيه، وتزاد السير مع زيادة الأزمات، وهناك سير نالت إعجاب الجمهور فبقيت في الأذهان والذاكرة العربية، وهناك ما سقط ولم يصلنا حتى اسمه.

* ما الفرق بين السيرة والملحمة؟

- نحن كعرب لا يوجد لدينا ملحمة لأن الملحمة لا بد أن تكون شعرا، بينما لدينا سير شعرية كاملة، والسيرة الشعرية هي أكثر من ملحمة، وإذا تكسرت هذه السير تحولت إلى ملحمة، وهو الأمر الحادث الآن في السير العربية، التي ضاعت حلقات كثيرة منها بسبب موت رواتها.

* هل هناك علاقة بين السيرة والرواية؟

- الرواية هي بنت السيرة، ومن الخطأ القول إن الرواية العربية هي بنت الرواية الغربية، فالرواية مثلها مثل السيرة ولدت في أقوى عصور الديكتاتورية، فنجيب محفوظ حين كتب رواية أحمد عبدالجواد فقد كتب سيرة آل عبدالجواد، وحين كتب الحرافيش فقد كتب سيرة الحرافيش.

* هل تعتقد أن الرواية هي السبب في ضعف الإقبال على السير الشعبية؟

- بالتأكيد فالرواية هي الوريث الشرعي للسيرة كما أن الرواية الشفاهية قد توقفت، ولم يعد هناك من يجلس ليسمع حلقات السيرة، كما أن التلفاز أثر في ذلك، بالإضافة إلى تحولنا من المجتمع الشفاهي إلى المجتمع، فالأدب الشفاهي مبني على الأذن والأدب المكتوب مبني على التفكير.

* ما الرابط بين المسرح والأدب الشعبي؟

- المسرح أساسه أدب شعبي، والأدب الشعبي في حد ذاته مسرح فالسيرة مسرح، والقرقوز مسرح، وخيال الظل مسرح، والموالد مسرح وكي تتشكل على خشبة المسرح لابد أن تتحول إلى نص مكتوب، مثل المسرح اليوناني الديني بطقوسه الذي تحول إلى مسرح مكتوب.

* ما الفارق بين المسرح والسيرة؟

- هناك فارق كبير بينها فالمسرح لا ينمو ويتطور إلا في عصور الديمقراطية، بينما السيرة تنمو في عصور الديكتاتورية، كما أن قانون المسرح قائم على الصراع، والتكثيف، بينما قانون السيرة كبير جدًا عكس المسرح فهو شفاهي، لا بد أن يكون فيه البطل والبطل المضاد، والنبوءة الخاصة بالبطل، ثم حرب يقوم بها البطل من أجل إثبات ذاته، ثم قصة حب وزواج، ويقوم حرب من أجل مجتمعه، وكي تتحول السيرة إلى مسرح يجب على الكاتب أن يأخذ لقطة واحدة مكثفة من السيرة يبني عليها نصه، كما أن الرواية أقرب في قانونها إلى السيرة لا المسرح.

* ماذا عن علاقة جابر أبو حسين بالابنوي؟

- جابر أبو حسين هو أعظم شاعر سيرة، لديه القدرة أن يصنع من الكلام العادي، مواويل ومربعات، والأبنودي سمع لجابر أبو حسين، فالأبنودي شاعر كبير بالتأكيد، لكن جابر أكل الأبنودي لدرجة أن الأبنودي تمنى أن يكون شعر جابر أبو حسين شعره، لذلك عندما أراد أن يجمع الأبنودي السيرة الهلالية كتب على شرائط الكاسيت يكتبها عبدالرحمن الأبنودي ويغنيها جابر أبو حسين.

* وهل هذا صحيح؟

- هذا أمر غير صحيح تماما، فالأبنودي تصور فعلا أنه قد كتب السيرة، وكان يقول هذه سيرتي، أنا جمعتها من أكثر من راو لكل موهبته الخاصة، وصنعت منها سيرتي، وكما فعل هوميروس في العصر القديم صنعت، فأنا هوميروس العصر الحديث، والحقيقة أن كل ما فعله الأبنودي أنه جمع سيرة جابر أبو حسين كما هي دون تغيير، وكان يصف الأبنودي جابر أبو حسين في جلساته الخاصة بالحمار ويقول إنه هو من حفظه السيرة، وهذا القول لا نستطيع إثباته لرحيل من كانوا حاضرين مثل هذه الجلسات، لكن الأبنودي قد كتب بخط يده أن هذه سيرتي.

* حدثنا عن أسباب الخلاف  بينك وبين الأبنودي؟

- حين اعترضت على نسب الأبنودي السيرة لنفسه، شتمني وشتم أهلي، فكتبت مقالة بعنوان انتحال السيرة على طريقة الأبنودي، فقد انتحلها متصورا أنه مع الزمن أن الناس قد تنسى وتتصور أنه هو الذي كتبها، والحقيقة أن عبدالرحمن الأبنودي لم يكتب قصيدة حلوة من بعد تعرفه على أبو حسين فقد كان الأبنودي شاعرا عظيما قبل لقائه به.

(أجري هذا الحوار في أكتوبر 2023 ونشر في النسخة المطبوعة من المشهد في 12 نوفمبر الماضي .. وينشر الكترونيا لأول مرة)
------------------------------------
حاوره: د. عبدالكريم الحجراوي