26 - 06 - 2024

الشيخ الأديب إبراهيم حماد .. أستاذ نجيب محفوظ وصاحب مصنف نفيس في الأدب ما يزال مخطوطا

الشيخ الأديب إبراهيم حماد .. أستاذ نجيب محفوظ وصاحب مصنف نفيس في الأدب ما يزال مخطوطا

من أبنائه اللواء برهان حماد وكيل جهاز المخابرات العامة سابقا واللواء جمال حماد ومما لا يعرفه الناس أنه كان شاعرا مجيدا

كلنا يعرف اللواء أركان جمال حماد المؤرخ العسكري وأحد الضباط الأحرار وكاتب بيان الثورة وقد كان شاعرا مجيدا خلف ديوان شعر مطبوع، إضافة إلى أعماله الضخمة في التاريخ الحربي لمصر منذ الحرب العالمية الثانية وحتى حرب الخليج الثانية وترك آثاراً رائدة في مجالها، ويعود الفضل الأكبر في حياته إلى والده الأديب الكبير إبراهيم حماد الذي تعلم في الأزهر وفي مدرسة دار العلوم العليا، ومنه تعلم الابن جمال حماد طرق البيان العربي والشعر والأدب والتاريخ، كل هذا ساعده في صقل موهبته التي ظهرت مبكرا وهو في المرحلة الثانوية وكان يكتب في الصحف والمجلات بعبارة ناصعة وأسلوب رشيق ومعارف موسوعية صافية النبع من دوحة الشيخ إبراهيم حماد الذي سنخصه بالسطور التالية، وقد استقينا مادة هذا المقال من مقدمة ديوان شعر اللواء جمال حماد ومن خلال حواراتي العديدة مع اللواء برهان حماد وكيل جهاز المخابرات العامة سابقا.  

ولد إبراهيم محمد حماد عام 1867، زمن الخديو إسماعيل باشا (1863-1879)، وفي القرية حفظ القرآن وختمه وجوّده في كتاب الشيخ إبراهيم الكفيف، ورفض أن يستمر في القرية يساعد أباه الشيخ محمد حماد في الزراعة، كما كان يفعل أغلب الشباب من أمثاله، ودفعه طموحه للسفر وحده إلى القاهرة، ليكمل دراسته في الجامع الأزهر الشريف على الطريقة القديمة التي فضلها غيره من مجاييله أمثال: الشيخ عبد العزيز جاويش. 

وكانت الدراسة في الأزهر في هذا التوقيت تتطلب همة عالية وذهنا متقدا وإقبالا شديدا، فأخذ الشاب إبراهيم يقبل على الدرس بكل أريحية ونشاط، وحفظ المتون وطالع الكتب الأساسية في التفسير والفقه وعلوم اللغة حتى صار من المتوفقين ومن الذين يشار إليهم بالبنان، ونجح أخيراً في الحصول على العالمية وهو في سن صغير بعدما كان الطالب يمكث في الأزهر حتى يعلوه المشيب ويفشل في الحصول عليها.

ولم يقف طموح الشيخ إبراهيم حماد عند هذا الحد، ولكنه صمم أن يصقل تجربته في العلوم الإسلامية والتاريخ والعلوم الأدبية والتربوية، فالتحق بمدرسة دار العلوم العليا التي قال عنها الإمام محمد عبده "تموت العربية في كل مكان وتحيا في دار العلوم"، وفي دار العلوم وجد عالماً مختلفاً يجمع بين الأصالة والمعاصرة، كان بها ثلة من كبار الأساتذة الذين ابتعثوا إلى الغرب فاستفادوا من تجربتهم في العلوم والمعارف وخصوصاً في العلوم الإنسانية، ومن أساتذته الإمام محمد عبده، والشيخ حسين المرصفي، ومن زملائه الشيخ عبد العزيز جاويش، وقد لازمه التفوق أيضاً في هذا المعهد العريق، وبدأ يقرض الشعر وينشره في المجلات والصحف التي كانت تحرص على نشر أعمال الشعراء في الصفحة الأولى.. 

   تخرج الشيخ إبراهيم حماد في مدرسة دار العلوم عام 1900، وعمل في المدارس الابتدائية ثم الثانوية في عدد من المدن المصرية مثل: الزقازيق التي تزوج منها زوجته الأولى، وأنجب منها بنتاً واحدة، ثم تزوج مرة أخرى وأنجب سبعة من الأبناء: ولدين وهما محمد برهان الدين، ومحمود جمال الدين (اللواء جمال حماد) وكان أصغرهم سناً، ثم عمل الشيخ حمّاد في عدد من المدارس الأخرى في السويس، حتى استقر أخيرا في مدينة القاهرة، وكان الأديب العالمي نجيب محفوظ قد صرّح أن من بين أساتذته في المدرسة الثانوية هو الأديب إبراهيم حماد، وقد أحيل إلى المعاش عام 1932.

كان الشيخ والأديب إبراهيم حماد حريصاً على ارتداء الزي الأزهري طوال حياته ولم يتخل عنه قط كما فعل الكثير من أقرانه.. وكان هذا الزي يضفي عليه الكثير من الهيبة والوقار.. وقد خلف مصنفاً نفيساً في الأدب في مجلد ضخم مازال مخطوطاً جمع فيه نصوصاً في الشعر والنثر في الأدب العربي في كل عصوره، وتجد فيه فوائد جمة كتبها الشيخ إبراهيم حماد، وفيها عصارة أفكاره وآرائه النقدية وموسوعيته المتفردة وامتلاكه لناصية البيان والأدب، وبعد رحلة طويلة في الحياة امتدت حوالي 75 عاماً رحل الشيخ إبراهيم حماد عام 1958. 
----------------------------
بقلم: أبو الحسن الجمال * 
* كاتب ومؤرخ مصري

 







اعلان