17 - 07 - 2024

عاجل إلى خادم الحرمين الشريفين و ولي عهده الأمين: أولى القبلتين يستنفركم !

عاجل إلى خادم الحرمين الشريفين و ولي عهده الأمين: أولى القبلتين يستنفركم !

المملكة العربية السعودية قلب العالم الإسلامي . في حجازها المشرّف ؛ وُضع أول بيت للناس ببكة التي نزل فيها وَحْيُه على رسوله المجاهد ، و منها أُسْرٍي به إلى المسجد الأقصى ؛ ليعرج من هناك إلى السماء ، و فيه روضة من رياض الجنة ؛ بين قبره و منبره ؛ في المدينة التي أنارت بنوره ، و احتضنت ثاني الحرمين . و إلى االبيت العتيق فيها يتجه ما يزيد على الملياري مسلم في صلاتهم ، و إليه يأتون من كل فج عميق ؛ ليشهدوا منافع لهم ، و يذكروا اسم الله في أيام معلومات ، و ليطوفوا به . و في ثراها مراقد الكثيرين من آل بيت الرسول و صحابته المجاهدين الذين استشهدوا في سبيل الله ؛ دفاعا عن دينه الحنيف ؛ في مواجهة الكفر و العبودية .  

و من أرضها انطلقت جيوش المسلمين إلى مرابطها في عسقلان الغزاوية وطرسوس وغيرها ؛ لتنشر دعوة الإسلام تحت راية " لا إله الله محمد رسول الله " التي تتجلى كلماتها على علم المملكة ؛ بلون السلام و النقاء الأبيض ؛ فوق وسادة خضراء توحي بالحياة الأبدية في جنات النعيم ، و تشير إلى النماء الذي يعم الأقطار تحت مظلة العدل والأمن والنبل التي يرمز إليها السيف ؛ في ثقافتنا العربية التليدة ، وهو ذاته السيف الذي تحمله شعارات العديد من فصائل المقاومة الفلسطينية التي تقاتل اليوم دفاعا عن الأقصى ؛ في مواجهة الكيان الصهيوني ، وفي مقدمتها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ؛ بكتائب مجاهديها الأبطال الذين ينتسبون إلى الشيخ الشهيد ابن شام العزة والكرامة المجاهد الأزهري العروبي ؛ عزّ الدين القسّام . 

لكل ما تقدم ؛ كان بمقدور مؤسسي هذه الدولة الحديثة إنشاء دولة دينية بامتياز ؛ دولة تقوم على السلطة الزمنية والروحية للحاكم ، أو تسيطر عليها صفوة دينية ؛ تكون بمثابة أقلية حاكمة . لكن ذلك لم يحدث ؛ وإن ظل الدين عاملا رئيسيا في الحكم ، وإن بقي الدين الأساس الروحي لتكوين المجتمع ، وإن نص الدستور على أن الدولة " دستورها هو كتاب الله و سنّة رسوله " ، وعلى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ، وإن قام نظام الحكم فيها على البيعة . 

و إذا لم تكن المملكة العربية السعودية دولة "دينية" فما هو نمط الحكم القائم فيها ؛ بمعيار النظم السياسية المعروفة ؟ هذا السؤال - الذي له ما يبرره - لا يمكن تقديم إجابة محددة عنه ، والممكن هو تقديم وصف عام للفلسفة التي ينبنى عليها القرار السياسي للدولة . فـ "المصلحة القومية" مثلما تبين وقائع ما يقرب من قرن من الزمان على قيام الدولة السعودية الثالثة (1932) ؛ هي القاعدة التي تنطلق منها سياسات الدولة . وفي السياق ؛ فإن العقيدة تسخر لخدمة السياسة وليس العكس . وإذا كان الأمر كذلك ؛ فإن الدفاع عن المقدسات الدينية الإسلامية ، وعن المصالح العربية والإسلامية العامة كواحدة من أولويات الدولة السعودية ؛ لا يعدّ من المهام التي تمليها اعتبارات العقيدة وكفى ، بل تقتضيه احتياجات السياسة.  

والعربية السعودية هي البلد العربي الذي انضم إلى منظمة الأمم المتحدة في يوم واحد مع المملكة المصرية في العام 1945؛لتتقاطر من بعدهما بقية الدول العربية إلى عضويتها ، وهي - مع مصر وخمس دول عربية أخرى - كانت السباقة إلى إنشاء جامعة الدول العربية في العام نفسه ، وهي الدولة العربية الأكثر عطاء في دعم الشعوب العربية والإسلامية التي تعاني شح الموارد أو الضائقة الاقتصادية ؛ على مر العقود الفائتة ؛ جرّاء عوامل كثيرة ؛ في مقدمتها وجود الكيان الصهيوني المزروع بأيدي الإمبريالية الحاقدة المتغطرسة في قلب وطننا العربي . وهي أيضا الدولة العربية التي انحازت لفكرة اختيار مندوب "عربي" من فلسطين يمثله في مجلس الجامعة العربية عند تأسيسها ؛ حتى يتمتع هذا القطر العربي بممارسة استقلاله ؛ باعتبار أن "وجود هذا البلد واستقلاله من الناحية الشرعية أمر لا شك فيه" (الملحق الأول لميثاق جامعة الدول العربية)؛ وهي التي ترك مؤسسها رسالة تاريخية في موضوع إنشاء جامعة للدول العربية ؛ أكد فيها أن السعودية "تود أن ترى الدول العربية مجتمعة ومتفقة على مبادئ وأسس متينة ؛ من شأنها اتقاء المخاطر والحبائل التي تضر المصلحة العربية". 

في ضوء ما تقدم ؛ نستطيع أن نقيّم مواقف الدولة السعودية تجاه قضية الشعب الفلسطيني ، وفي القلب منها ؛ احتلال الكيان الصهيوني المتطاول لمدينة القدس ، وفي إطارها الأشمل الصراع العربي مع هذا الكيان . تخبرنا الوقائع الرئيسة في هذا المجال بالمبادئ العامة التي تشكل هذه المواقف ؛ فهي مواقف لا تعبر مطلقا عن تصلب أو غليان عقائدي يمكن أن تظهره دولة "دينية" في مقابلتها ، وأبرزها هبّة ( انتفاضة ) البراق 1929 (حيث كانت الدولة قائمة واقعيا) التي أعدمت على إثرها سلطات الانتداب البريطاني ثلاثة فلسطينيين ؛ من بينهم جدّ للشهيد فادي جمجوم منفذ عملية ملآخي الأخيرة ؛ مرورا بالثورة الفلسطينية الكبرى التي أعقبت استشهاد عزّالدين القسّام (36 - 1939) ، وأحداث النكبة (1948) التي انتهت بإعلان دولة الكيان الذي واصل توسعه باحتلال مدينة القدس وبقية أرض فلسطين التاريخية ( 1967) ، و حريق المسجد الأقصى ( 1969 ) ، والانتفاضات الفلسطينية الثانية (1987 )، والثالثة ( 2000 ) ، والاعتداءات الصهيونية المتتالية على قطاع غزة والضفة الغربية والقدس على مدار ربع القرن الفائت ؛ انتهاء بما يجري الآن من حرب تصفية و إبادة بحق الشعب الفلسطيني ، وتهديد جادّ وحقيقي بهدم الأقصى ، وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه ! 

في مقابلة كل تلك الوقائع كانت المواقف السعودية ثابتة ؛ تقوم على التعاطي معها ضمن الملابسات السياسية الإقليمية والدولية التي تصاحبها ؛ لكنها تحافظ دائما على الدعم السياسي الكامل للحقوق والمطالب الفلسطينية المشروعة ، وتقديم كل أشكال العون والإسناد للشعب الفلسطيني ومؤسساته الوطنية ، وفي مقدمتها منظمة التحرير الفلسطينية التي اعتمدتها القمة العربية الثامنة (الرباط 1974) ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني ، وما انبثق عنها لاحقا من بناء سلطوي بعد اتفاقات أوسلو (1993) ؛ مثلما كانت تحافظ وبالقدر نفسه على ألا تكون منغمسة في محور الصراع المتعلق باستخدام القوة العسكرية في مواجهة الكيان ؛ حيث ترك العبء الأكبر فيه للفلسطينيين ، ولدول المواجهة العربية مع الكيان ؛ برغم الدعوم السخيّة التي كانت تقدمها إلى هذه الدول في مجال التسليح ، ولاقتصاداتها المنهكة عموما جراء الصراع ؛ ثم إنها قادت حملة مؤثرة لخفض إنتاج النفط وحظر تصديره خلال حرب أكتوبر 73 ؛ لدفع الحكومات الغربية إلى الضغط على الكيان ؛ حتى ينسحب من الأراضي العربية المحتلة في 67؛ وأرسلت قوة عسكرية للمشاركة في القتال على الجبهة السورية ؛ خاضت معارك ضارية مع العدو الصهيوني . وبالطبع ؛ كان جانب كبير ومؤثر من الدعم السياسي والمالي السعودي على مر السنوات يتجه إلى القدس ومقدساتها ، ودعم صمود المقدسيين في مواجهة خطط السيطرة الصهيونية على أراضيها ، وتهجير السكان منها.

ولتفسير مجمل هذه المواقف المنتقدة من جانب البعض - برغم قوتها وتأثيرها - بدعوى أنهم ينظرون إلى الدولة السعودية باعتبارها المدافع الأول عن القدس والأقصى - اخترع جمهور الباحثين والكتّاب والمحللين السياسيين في الغرب - وتوابعهم في العالم العربي - عددا من القضايا التي توصف بأنها قضايا بحثية رصينة ؛ تبرر ما يرونه امتناعا سياسيا استراتيجيا مقصودا عن أن ترمي هذه الدولة بكامل ثقلها وراء القضية الوطنية - القومية - الإسلامية للشعب الفلسطيني ، وفي مركزها ؛ حماية وتحرير المقدسات الدينية الإسلامية في مدينة القدس .

وطبقا لصياغاتهم التي تدعي العلمية ؛ فهم يتحدثون عن مجموعة من العوامل تحكم مواقف الدولة السعودية في هذا الإطار ؛ وتحول دون تقوية الموقف الفلسطيني والعربي والإسلامي ؛ إلى الحد الذي يمكّن من استعادة كامل حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة ؛ طبقا  للشرعية الدولية ، وانسجاما مع المبادرة السعودية التي أقرتها قمة بيروت العربية (2002) ، ويرفض الكيان الصهيوني - في الوقت الحاضر - القبول بها مقابل إنشاء علاقات طبيعية للدولة السعودية معه. 

لأسباب عديدة ؛ لا أجد ما يدعو إلى مناقشة هذه العوامل تفصيلا ؛  فهي في مجملها عوامل وهمية مفتعلة ومردود عليها ؛ يرمي مروجوها و من يتبنونها إلى إذكاء حالة الضعف والتمزق العربي ؛ لصالح مخططات الكيان الصهيوني ، والمصالح الاستراتيجية لمشغليه ؛ وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية ؛ وإن كان الإتيان عليها في شكل عناوين أمرا مطلوبا وحيويا لمن يطمحون إلى تجاوز واقع التقصير العربي بحق الأقصى وفلسطين وشعبها المجاهد المضحي . 

يتحدث المدلسون - والوقائع التاريخية والحاضرة تكذبهم - عن اختراع يسمونه البترو- دولار كناية عن تبعية المملكة المدعاة للسياسة الأمريكية ومصالحها في الإقليم والعالم ، وعن تناقض وصراع لا حل له بين الدولة السعودية وإيران التي يزعمون أنها تتاجر بقضية القدس لكسب هذا الصراع ، وهو في تقديرهم الخبيث أبدي بطبيعته ، ويتعين أن ينتهي إلى حرب تفضي إلى مسح أي منهما من خارطة الإقليم الخليجي ! وتكمن جذوره التي لا يمكن نزعها في الانقسام المذهبي الذي يميز بين الحق السُّني والباطل ، ويتحدثون أيضا عن منافسة لا وجود لها على زعامة العالم العربي بين الدولة السعودية والدولة المصرية لها أصول دامية ؛ تتمثل في حملة عسكرية بربرية قادها - بتكليف من إمبراطورية الظلام العثمانية ولحسابها - ابن والي مصر المقدوني الماسوني محمد على باشا على بلدة الدرعية وعموم نجد ؛ على رأس عدة آلاف من الجنود الأتراك والأوربيين والأفارقة ؛ قرب نهاية القرن التاسع عشر ، وعن  تهديدات خرافية يمثلها تنظيم فاشل بائس أسسه أعداء الأمة على الدولة السعودية ؛ تجعلها متراخية في مساندة الكفاح المسلح في مواجهة الكيان الصهيوني ؛ كون عدد من مؤسسي فصائل المقاومة انتسبوا إلى هذا التنظيم الذي فكت حركة حماس – تحديدا - صلتها التنظيمية به منذ عدة سنوات !  

تلك هي أبرز أصنام السياسة الإقليمية والسعودية التي صنعتها الإمبريالية العالمية والصهيونية الحاقدة ؛ فكأنها " أصنام قوم نوح " ، وقد جاء "طوفان" الأقصى لتحطيمها ، وتجاوز الأكاذيب الشيطانية الكامنة فيها ، حتى يكتسب الموقف العربي القوة والصلابة والمصداقية الواجبة والكافية لتحدي الكيان الصهيوني ومشغليه ، وهزم مشروعهم الذي لا يستثني إقليم الحجاز من أطماعه ؛ بالانتصار للشعب الفلسطيني ، وللأقصى المبارك ، ولكل أبناء شعبنا العربي المعذبين بوجود هذا الكيان المصنوع المأجور.   

من ينكر مكانة الدولة السعودية ؟! ومن ذا الذي يجادل في مواقفها العملية الصادقة في الدفاع عن قضية فلسطين وعن الأقصى؟! لقد قدمت - ولا تزال الكثير - في هذا السياق ؛ لكنه كثير لايتناسب مع مكانتها ودورها وهيبتها وتأثيرها وقدرتها ، ويجعلها مدانة كغيرها من الدول العربية القائدة والفاعلة بالتقصير في حق فلسطيننا وأقصانا ؛ من حيث تبقى عاجزة - وهي القادرة - لما يقرب من خمسة أشهر عن حقن دماء أبناء شعبنا الفلسطيني البطل ، واستنقاذ مئات الآلاف من أطفاله ونسائه وشيوخه من الموت جوعا وعطشا . 

في تقديري أن صناع القرار في المملكة السعودية مطالبون من الفور بمقارنة الخسائر والتكاليف الاستراتيجية والمادية المترتبة على التشبث باعتبارات عبثية - لا أساس لها في الواقع - بالمكاسب الاستراتيجية الواقعية والقابلة للتحقق ؛ مع تبني موقف عربي ضاغط - وبأقصى قدر ممكن من القوة - على الكيان الصهيوني ومشغليه ؛ بتقدير أن هذا الموقف - دون غيره - سيكون قادرا على تحريك الضغوط الأخرى الواقعة على المؤسسة الفاشية الحاكمة فيه ؛ وصولا إلى وقف مخطط الإبادة والتصفية لشعبنا الفلسطيني وقضيته العادلة .  

إن اجتماعا عربيا مصغرا عاجلا ؛ تقوده القاهرة والرياض التي ترأس الدورة الحالية للجامعة العربية ؛ يضم قادة الدول العربية الفاعلة والمعنية - هو المجال الطبيعي لتشكيل وإعلان مثل هذا الموقف . وقد وصفنا في مقالات سابقة طبيعته وعناصره الجوهرية المفترضة ؛ حسب تصورنا ، وكان من بينها إيقاف أي شكل من أشكال التعاون العربي الاقتصادي أو المالي مع الكيان الصهيوني ؛ حتى ينصاع إلى المطالبات الداعية إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة ؛ بحيث يشمل ذلك جميع محاور الحصار الذي يفرضه على الفلسطينيين.  

أيَا خادمَ الحرمين ... أيَا وليَّ عهده الأمين ... الأقصى يستنقذكم فأنقذوه ... غزة هاشم جدّ نبينا الكريم تستنصركم فانصروها ... أنقذوا غزة ... أوقفوا التقتيل والتجويع والإبادة ... عاقبوا هذا الكيان المجرم!
------------------------
بقلم– عبد المجيد إبراهيم
 [email protected]  

مقالات اخرى للكاتب

مصر جميلة .. مصر غريبة! | قيادة جديدة أم سياسة جديدة أم ماذا؟