30 - 06 - 2024

وسام جنيدي: "في مديح القبلات" يعبر عن مراحل في حياتي

وسام جنيدي:

في جديده في الفن القصصي، "في مديح القبلات" (دار روافد للنشر والتوزيع)، يتناول وسام جنيدي تلك العلاقة الأثيرة، بين طرفي العشق/ الحب والأبعاد الصوفية والوجدانية لها. ومن خلاله يدخل الكاتب الروائي والقاص وسام جنيدي مناطق جديدة فيما يخص علاقة فن السرد بتلك المحطات الذاتية والإنسانية وحتى - وهو الأهم - تلك التجارب الواقعية في حياة المؤلف. 

وسام جنيدي، أصدر من قبل، مجموعة قصصية بعنوان "منزل مليء بالقطط"، ورواية " نانسي وأصدقاؤها"، وكتابا سرديا بعنوان "صباح الخير أيها العالم"، وترجم نوفيلا "الأمطار" لسومرت موم إلى اللغة العربية. عن الحب والصوفية وتلك المحطات الواقعية الدافعة لهذا المسار في خطى الكاتب كان هذا الحوار.

* سألته بداية:عملك القصصي الأخير والمكمل لرؤيتك للعشق والحب، ما هي دوافع كتابته؟

- "في مديح القبلات" أعتبره عملا هاما لي، على المستوى الشخصي قبل الإبداعي؛ لأنه يعبر عن مراحل معينة في حياتي حاولت أن أترجمها من خلال شخصيات وجمل شعرية. وبالطبع لم أجد خيرا من القبلات لتكون إسقاطا على دروس، شخصيات،  قرارات، أو حتى فكرة المواطنة. وذلك من خلال لعبة المتتالية، حتى أرى رد فعل القراء، وهل استطعت أن أجعل القارئ يفك شفرات كتابتي ورسائلي في هذا العمل أو لا، وإن لم يستطع سيكفيه أن القصص من وجهة نظري ممتعة وغرائبية إلى حد بعيد.

* هل هناك تماس أو دوافع شخصية / ذاتية/ وجدانية، كانت لها السطوة في اختيارك لهذا العالم والعنوان الملغز والمحمَّل بالدلالات؟

- نتيجة لرحلتي المادية والروحية وجدت أن القبلة هي أعظم تعبير عن الحب في العالم. ليست القبلة العاطفية فقط. تخيَّل مثلا أما بكماء تريد أن تعبر لابنها عن حبها له، ماذا ستفعل؟ ستقبله. المجاذيب في الطرقات والأضرحة لأنهم في بعض الأوقات لغتهم ليست مفهومة يقبل الواحد منهم سريعا كتفك أو يدك ليعبر لك عن امتنانه لك أو لإخبارك بحبه لك، ولأن قناعاتي الشخصية في الحياة عامةً متفائلة إلى حد بعيد، أجد دائما أن حتى الدروس القاسية من الحياة هي مجرد قبلات قد تكون عنيفة بعض الشيء ولكن لتوقظك من حلم الحياة الهانئة الجميلة لتخبرك عن ماذا سوف يحدث في الغد، لتنبه حواسك حتى تفيق لتستعد لدرس آخر. لذا لم أجد خيرا من القبلات لتكون معبرا عن دروس الحياة، مواقفها، الأفكار الثابت منها والمتغير، تحول مجرى الحياة وفلسفتها، وبالطبع كانت القبلات من النساء لأن النساء هن خير معبر عن الدنيا وتغيراتها وحنانها وتتابعها.

* كيف وجدت الدورة الأخيرة من معرض القاهرة الدولي للكتاب؟ 

- في كل عام تصيبني الدهشة من أعداد الناس التي تتردد على معرض الكتاب، وفي كل عام أصبح سعيدا للغاية عندما أرى أبا وأما يصطحبان صغارهم. ولكن أثناء تجولي في المعرض الأخير، وجدت شبابا من إندونيسيا يلتفون حول واحد منهم كان يتحدث في أمر ما وهم ينصتون إليه ويناقشونه. فسألت نفسي: لماذا لا يستحدث المعرض مثل هذه الحلقات النقاشية التي تدور خارج القاعات المغلقة؟ الفاعليات المرتبة تحتاج الى متابعة لا يقدر عليها الجميع، ولكن وجود كاتب أو مفكر في الهواء الطلق تتطاير منه الأفكار حتى لمن لا يعرفه قد تغير من حياة الأشخاص والمجموعات.

* من واقع علاقاتك بثنائية القراءة/ الكتابة، ماهي أهم العناوين التي جذبت الكاتب والمترجم والقاص وسام جنيدي؟

- أحب أعمال الأصدقاء؛ لأنهم مدد لما أكتب، أبناء جيلي والأكبروالأصغر، وغير الأصدقاء اختار من أعمالهما يمكن أن يدهشني. أنا أقرأ لكي اندهش سواء كانت هذه الدهشة على مستوى (الحدوتة) أو على مستوى السرد أو اللغة، كما أكتب لكي أندهش أيضا، العديد من الأعمال جيدة موجودة هذا العام ولكن ربما أكثر ما أدهشني هي الدواوين الشعرية العربية والمترجمة.

*كيف تنظر إلى ظاهرة كثرة الجوائز المصرية/ العربية فيما يخص الكاتب/ الكتابة؟

- الجوائز تفرح ليس من يحصل عليها فقط، بل هي تفرح كذلك من لم يفز وتحيي في نفسه الأمل في الفوز لاحقا. حتى القارئ يفرح لفوز كاتب معين، ولكن هي سلاح ذو حدين للكاتب فإما تجعله يركن إليها ولا يحاول التغيير من نفسه أو تجعله يشعر بالمسؤولية فيتعب على نصوصه أكثر، وهو ما يجعلني أشعر بالخوف بعض الشئ من فكرة كثرة الجوائز المصرية والعربية.

*أين أنت إذاً من هذه الجوائز وأنت المتميز بأسلوبك المغاير جماليا وسرديا؟

- حتى الأن أتعامل مع نفسي بصفتي هاويا للكتابة، لا أقيم نفسي ككاتب ذي شأن، بالطبع سأكون سعيدا بالحصول على جائزة وأقوم بالتقديم في جوائز محددة ولكن حتى الآن لم يحالفني الحظ، أو لم تلق أعمالي قبولا عند المحكمين، فأنا مستمر بالكتابة لأن فعل الكتابة هو ما خطر على قلبي وأنا أفعل دائما ما يخطر على قلبي لأني أعتبره نوعا من أنواع التكليف. لذا لا أسعى كثيرا نحو الجوائز لأني مكلف من قبل قلبي سواء لاقيتُ تقديرا أو لم ألاقه. 

* كيف تتلقى تعاطي النقاد عن نصوصك القصصية والروائية؟

- ردود الفعل حول ما أكتب جيدة للغاية. لكن غياب النقد البنّاء في العالم العربي ظاهرة تستحق الدراسة، فدائما هي محصورة في أشخاص معينة، جيدين لا ننكر ولكن ليسوا الوحيدين الجيدين، وهناك أيضا دور غائب في الثقافة المصرية والعربية ألا وهو دور المحرر الأدبي، لذا يلجأ الكتاب لبعضهم البعض ولقراء أيضا قبل النشر ليقيموا أعمالهم. المحرر الأدبي لا يقل دوره عن دور الناقد، وهي مهنة لا تعترف بها سوى قلة من دور النشر المصرية والعربية. 

* عن الحروب بالإنابة وعبر الهوية والتاريخ والديانات، كيف ترى مستقبل الفنون والآداب وعالمي الفلسفة والأفكار؟

- على الرغم من كل مايحدث، الفنون والآداب والفلسفة والأفكار، ستبقى إلى ان يرث الله الأرض؛ لقدرتها على التلون والتكيف وايجاد مخرج، أمام صرامة الرقابة. لذا لا أشعر بالخوف على الأفكار، والفلسفة والفن والأدب؛ لأنها عن حق تمتلك أجنحة تتيح لها التحليق دائما في الفضاءات الواسعة. 

* كيف ترى الكتابة وجدواها، وهل ينتهي حلم الفنان/ الكاتب بالخلاص مع الانتهاء من كتابة نصة؟

- منتهى سكة الكاتب هو موته، ليس معنويا كنظريات الكتابة مع انتهاء النص ولكن موته الحقيقي، فأعمال الكاتب أبناء له، يخاصم هذا ويتصالح مع هذا ويمجد الأخر، ولكن أبدا لا يستطيع أن يكره أحدهم. الخلاص هو دائما معني بموت الكاتب، بخروج الروح أو بهجران الحروف والكلمات له.

* في الوسط الثقافي الإبداعي، تبدو غير معنيّ إلا بالكتابة، فهل تتعمد تجاهل الوسط الثقافي، أم أنك رافض لتلك الجيتوهات الثقافية؟

- حياة الكاتب في مصر حياة شاقة ماديا للغاية. أنا اعتبر الكاتب كالسقاء في أحياء مصر القديمة، عمل مضني وقروش معدودات. فأنا أردد دائما شعارهم (يعوض الله) عندما أنتهي من عمل ما، لأنك أبدا لن تحصل على التقدير لمجهودك حتى مع الجوائز الكبرى، لما أخذ منك النص من وقت ومجهود ومشاعر. الحياة سريعة ولها متطلبات، لذا فإن ابتعادي هو من أجل الحياة ومتطلباتها. أعمل وأكتب واحاول الاستمتاع بالحياة واللعب. اللعب عندي هو من أهم ركائز وجودي. ليست الألعاب الرياضية ولكن اللعب بمعنى اللعب. لذا لا يوجد وقت. أما عن الشللية، فأنا أشعر بالشفقة على بعض أولئك الكتاب، ليس لشيء ولكن على الرغم من مكائدهم لا يحصلون على ما يحصل عليه ممثل ثانوي في عمل درامي، فبالفعل أشعر بالشفقة ولكن هي الحيلة، فهناك كاتب يعمل صحفيا وآخر مهندسا أوطبيبا، ولكن بعضهم لا يمتهن سوى الكتابة، فهذا ما يقوده في النهاية إلى هذا.

* أخيرا كل كتاباتك هي عن الحب ولتعميق ذلك الشعور الإنساني بالتلاقي الوجداني والنفسي والروحي.. هل تعتبر الكتابة حيوات بديلة خاسرة أم ماذا؟ 

- الكتابة حيوات بديلة. هذا أمر بديهي للغاية، فأنا مثلا لا أحب أن تقتصر الكتابة على المهمشين، هناك حيوات الكبار، الأغنياء، الفاسدين، حتى الأنبياء تستطيع أن تكتب عنهم، العقل البشري دائما يميل إلى فك الأكواد الخاصة بما يراه، حتى لوكان واضحا، الكتابة دائما هي المغذي الرئيسي لتلك العادة الممتعة مع جودة النصوص وثراء اللغة والسرد المغاير يحصل العقل على مايريد ويذهب إلى عوامل مغايرة تكسبه خبرات لم يعمل عليها بيده.
------------------------------
حوار - حسين عبد الرحيم






اعلان