17 - 07 - 2024

ألفاظ غير عربية في القرآن الكريم

ألفاظ غير عربية في القرآن الكريم

تتأثر اللغات ببعضها البعض فتنتدب ألفاظًا من لغات أخرى فتصبغها بطابعها اللغوي، ولم تكن اللغة العربية بمنأى عن تلك القاعدة وحتى القرآن الكريم «كلام الله المنزل على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام المتعبد بتلاوته، والمنقول إلينا بالتواتر، المبدوء بسورة الفاتحة المختوم بسورة الناس». وردت به بعض الألفاظ غير العربية القادمة من الفارسية الحبشية والقبطية والآرامية. 

وقد أورد الإمام السيوطي الألفاظ المعربة الواردة في القرآن وبلغ عددها 129 لفظاً وذلك في كتابه «المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب».  وفي هذا مقال نرصد مجموعة من تلك الكلمات كما أوردها علماء اللغة.

- أباريق: في قولة تعالى ﴿بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ﴾ (سورة الواقعة الآية 18) والإبريق هو وِعاء له أُذُن وخُرطوم ينصبُّ منه السائل وأصل الكلمة فارسي.

- أبَّا: في قوله تعالى ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا﴾ (سورة عبس الآية 31) كلمة الأبّ تطلق على أشياء كثيرة منها النبت الذي ترعاه الأنعام، ومنها التبن، ومنها يابس الفاكهة وهي كلمة آرامية.

- قسورة: في قوله تعالى ﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ، فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ﴾ (سورة المدثر50: 51)، أصلها حبشي معناها الأسد.

-  ومن الكلمات التي ذكرت في القرآن وأصلها من اللغة القبطية والتي يكون المعنى فيها عكس المعاني العربية مثل:

﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ﴾ في سورة (ص آية 7). والآخرة تعني في القبطية الأولى، فهم يسمون الآخرة الأولى والأولى الآخرة.

﴿وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ﴾ في سورة (الكهف آية 79) تعني أمامهم.

﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ﴾ في (سورة الرحمن آية 54) تعني ظواهرها.

- ابلعي: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ﴾ (هود 44)، وأصل تلك الكلمة كما يرى بعض علماء اللغة يعود إلى الهندية وتم تعريبها.

- القسط: في قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ﴾ (سورة النساء آية 135). أصلها من اللغة الرومية ومعناها العدل.

- الرقيم: في قوله تعالى ﴿‌أَمْ ‌حَسِبْتَ ‌أَنَّ ‌أَصْحَابَ ‌الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا…﴾ (سورة الكهف آية 9). أصلها من اللغة الرومية وتعني اللوح.

- السندس: في قوله تعالى ﴿يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾ (سورة الدخان 53). أصلها هندي وهو ما رق من الحرير. بينما كلمة (الاستبرق) أصلها فارسي وبحذف القاف تعني ما غلظ منه.

- (ناشئة): في قولة تعالى  ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾ (سورة المزمل آية 6). أصلها حبشي وتعني قام من الليل.

-هُدنا: في قوله تعالى ﴿واكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ (الأعراف: الآية 56) عبرانية، معناها: تُبْنا.

- السجل: في قوله تعالى ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ﴾ (الأنبياء الآية 104) هناك من يرى أنها  فارسية معناها: الكتاب، ويراها أبو منصور اللغوي: أنها تعنى بلغة الحبشة: الرجل. 

ـ-السرىُّ: في قولة تعالى ﴿فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ (مريم:24) قال مجاهد والضحاك: هو النهر بالسريانية، وقال سعيد بن جبير : السري: النهر الصغير بالنبطية، وقال قتادة: هو الجدول بلغة أهل الحجاز.

ـ المشكاة: في قوله تعالى ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ (النور الآية 35) وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد المشكاة هي الكوة بلغة الحبشة.

- تابوت: في قوله تعالى ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ﴾ (البقرة: الآية 248) كلمة قبطية معناها: صندوق

ـ  جهنم: عبرية، معناها: النار

- زكاة: عبرية، معناها: حصة من المال 

ـ سجَّيل: فارسية معناها: الطين المتحجر 

- فردوس: فارسية معناها: البستان 

- ماعون: عبرية، معناها: القدْر 

  ومن الجدير بالذكر أن التلاقح بين اللغات والتفاعل فيما بينها عبر العصور والأزمان، أمر واقع ومقرر؛ ومسألة التلاقح والتفاعل بين اللغة العربية واللغات الأخرى مسألة ليست وليدة اليوم، إنما ترقى جذورها إلى العصور الزمنية التي سبقت دعوة الإسلام؛ فقوافل العرب التجارية كانت تشد رحالها في الصحراء قاصدة اليمن والحبشة وبلاد فارس؛ وكثير من الشعراء العرب كانوا ينـزلون بلاطات حكام تلك البلدان، التعريب هو: أن تصاغ اللفظة الأعجمية بالوزن العربي، فتصبح عربية بعد وضعها على وزان الألفاظ العربية
اشتمل  الشعر العربي القديم على ألفاظ معربة من قبل أن ينزل القرآن الكريم؛ مثل كلمة (السجنجل) وهي لغة رومية، ومعناها: المرآة؛ وقد وردت هذه الكلمة في شعر امرئ القيس، في معلقته:

مهفهفة بيضاء غير مفاضة   ترائبها مصقولة كالسجنجل

 ومعنى وجود كلمات فارسية أو حبشية في القرآن الكريم لا يعني أنها غير عربية بل أن جرى تعريبها، وأن العرب قد استخدموا تلك الكلمات قبل نزول القرآن الكريم. فالعرب الذين عاصروا نزول القرآن، وعارضوا دعوة الإسلام، لم يُعرف منهم، ولم ينقل عنهم أنهم نفوا عن تلك الألفاظ أن تكون ألفاظاً عربية، وهم كانوا أولى من غيرهم في نفي ذلك لو كان، وهم أجدر أن يعلموا ما فيه من كلمات أعجمية لا يفهمونها، أو ليست من نسيج لسانهم العربي المبين.

تلك الألفاظ القرآنية، والتي قيل عنها: إنها أعجمية، يلاحظ أنها في أكثرها هي من باب الأسماء والأعلام؛ وقد اتفقت كلمة علماء اللغات قديماً وحديثاً، أن أسماء الأعلام إنما تُنقل من لغة إلى أخرى كما هي. لو تتبعنا الألفاظ المعربة التي وردت في القرآن، لوجدنا أن مجموعها لا يساوي شيئاً، قياسًا بما تضمنه القرآن من كلام العرب ولسانهم؛ والقليل النادر لا حكم له، ولا يقاس عليه كما يقول علماء اللغة.
-----------------------
بقلم: د. عبدالكريم الحجراوي

مقالات اخرى للكاتب

ألفاظ غير عربية في القرآن الكريم