21 - 06 - 2024

ربوة التماسيح المحنطة بـ"كوم إمبو".. أكبر متحف متخصص في العالم

ربوة التماسيح المحنطة بـ

حظي التمساح في الأساطير المصرية القديمة بمكانة كبيرة في نفوس المصريين، حيث كان نترًا في منطقتين في مصر هما الفيوم وكوم أمبو، جاعلين إياه إلها للخصوبة ورمزًا للفيضان وقوة حاكم مصر، وعرف باسم سوبك، وشيدت له العديد من المعابد في هاتين المنطقتين، ولم يحظ التمساح "سوبك" بهذه المكانة لدى جميع المصريين وهذا ما يشير إليه المؤرخ اليوناني هيرودوت من أن بعض المصريين القدماء كانوا يعتبرون التمساح مقدسًا، وآخرين يهاجمونه. فأحيانًا يعاملونه بتكريم زائد ويقدمون له أسماك وأطعمة عالية الجودة، ويزينون رأسه بأقراط وقدميه بأساور وحلقان ذهبية مطعمة بحجارة ثمينة، ويروضون صغاره بلطف شديد، وبعد موته يطيبونه بعطور فاخرة ، وفي مناطق أخرى يتعاملون معه بشيء من الاشمئزاز الشديد، فلا يتركون فرصة يمكنهم فيها تدميره إلا وفعلوا، حيث كان التمساح بالنسبة إليهم صورة من صور ست إله الشر.

ويعد متحف التماسيح الذي افتتح في 2012 من أكبر المتاحف التي شيدت لحيوان واحد بالعالم، كما يعتبر ثالث أكبر متحف موقعي في مصر، بجانب متحف أمنحتب بسقارة، الذي يعرض العمارة المصرية، وآثار سقارة، ويقع متحف التماسيح فوق ربوة ترتفع 15 مترًا ، في  منطقة ينحني عندها نهر النيل  في شكل ساحر جذاب، في حضن معبد كوم أمبو.

ويضم 22 تمساحًا من 50 تمساحًا تم العثور عليها بالمنطقة القريبة من المعبد، وضع بعدها في فترينات زجاجية خاصة لعرضها، تمثل مختلف أعمار التماسيح؛ عارضة تماسيح ما زالت في المرحلة الجنينية في البيضة، وتماسيح حديثة الفقس، وتماسيح كبيرة مختلفة في الأطوال، تصل إلى نحو 5.5 متر، بجانب 8 تماسيح في توابيت ولفائف الدفن.

قد روعي في طريقة عرض التماسيح أن تبدو كما لو كانت تميل على الرمال ويكأنها متجهة لتقترب من شاطئ النيل على ضوء القمر، وذلك باستخدام وحدات إضاءة صناعية توحي بهذا الجو الأسطوري.

ويوجد بالمتحف مقبرة للتماسيح توضح كيفية العثور على التماسيح المحنطة، حيث جرت العادة قديمًا أنه عند نفوق التمساح بطريقة طبيعية، أو حتى عند قتله، يعامل على أنه حيوان مبجل، فتقام له طقوس التحنيط كاملة، ويدفن في جبانة خاصة، وتدفن معه قرابين تخصه من أوان فخارية مملوءة بالطعام وغيرها، وكان يجري الدفن في شرق النيل بمنطقة من الطين الجاف، في مجرات خاصة لها قبو، تغطى بسعف النخل، ويلف بعد التحنيط بلفائف من الكتان،  وتعظيما لشأن التمساح، كانت عيونه تطعم بعيون صناعية، حتى يصبح مرهوب الشكل قبل الدفن، وبعضها كان يوضع في مقاصير من الخشب الملون.

كما عثر على مومياوات التماسيح، مرصعة برقائق من الذهب، وبالذات أسنانها المدببة المخيفة؛ المكسوة بالذهب اللامع.

كما يستعرض المتحف كيفية تحنيط التماسيح، من خلال خمس مومياوات توضح مراحل وكيفية تحنيط التماسيح، والتي كانت تتم بنفس الدقة التي يتم اتباعها عند تحنيط الملوك، أو الأفراد عمومًا، ويعرض المتحف «المحفة» وهي عبارة عن طرابيزة من الخشب توضع عليها التماسيح المحنطة، ويقدم لها القرابين وتوجد داخل المقبرة كمقصورة خشبية.

ويضم المتحف أيضا 20 قطعة من اللوحات والتماثيل التي تخص عبادة التماسيح أشهرها تماثيل للنتر سوبك، وأربع لوحات خاصة بالنتر سوبك اثنان منهما تم أخذهما من متحف الأقصر، ولوحة رائعة لسوبك تم وضعها في مدخل المتحف. 

ومن الجدير بالذكر أن اكتشاف خبيئة أثرية بمنطقة حمردوم، شمال قنا في السنوات القليلة الماضية تحتوي على عدد من المومياوات لتماسيح بأحجام مختلفة، هو ما أصاب المتخصصين والأثريين بالحيرة، حيث من المعروف أن سوبك شاعت عبادته في كو أمبو والفيوم واعتبروا هذا الكشف فريد من نوعه لعدم شيوع عبادة الإله سوبك في شمال قنا، بسبب أن النيل يتخذ شكل ثنية واسعة في تلك المنطقة ما خلق بيئة مناسبة لعيش التماسيح، وعدم تضرر المصريين القدماء منها في هذه المنطقة، وهذا الاكتشاف يوضح أن عبادة  سوبك كانت في أماكن عدة في مصر عكس الاعتقاد الذي كان شائعًا لدى المتخصصين أنه فقط في أسوان والفيوم.






اعلان