20 - 06 - 2024

هل هو سعيد الآن بالساعة الأوميجا الغارقة في دماء المصريين؟

هل هو سعيد الآن بالساعة الأوميجا الغارقة في دماء المصريين؟

(أرشيف المشهد)

3-2-2015 | 06:45

لتذكرة القارئ، تنبؤات الرئيس الحاكم، وقت كان ساعيا للمنصب، ولو مبديا التمنّع الزائف، عن مستقبل مصر تحت حكمه، خابت كلها إلا رؤية واحدة. وأقصد حلم تقلّد الساعة "الأوميجا". وهو بالمناسبة حلم برجوازي صغير يكشف عن أن غرض الحالم من اقتناص المنصب السامي لم يكن إلا التنعم الشخصي بامتلاك مظهر فارغ، وفي الحقيقة مُخزٍ، للثراء الباذخ المرتبط  ببهرج المنصب لا يقدم عليه في مجتمع فقير إلا الحكام الفاسدين الذين نشأوا في بيئة اجتماعية متواضعة ولا يفقهون معنى الثراء الحقيقي؛ في مقابل أن يكون مضمون الحلم رفعة الوطن وأهله، مثل أن يصلي في المسجد الأقصي بعد تحرير القدس، أو ألا يبقى في مصر فقير، مريض، أو غير متعلم.

أما تنبؤاته ووعوده التي خابت فكثيرة، وعلى رأسها أن تصبح مصر "أد الدنيا" فجعلها متسولة من أصاغر العرب والأجانب وممزقة داخليا.

والأهم أنه يظهر الآن وكأنه على طريق بشار الأسد، يخطو صلِفا. فعلى الرغم من أن مجاذيب السيسي المعاتيه كانو، ومازالوا وكأنهم في غيبوبة أفيونية، يتبجحون بأنه "دكر" وسيحمي مصر من مصير سوريا والعراق. لكن على الرغم من السلطات الاستبدادية الإستثنائية التي منحها للمؤسسة العسكرية، وحالة الطوارئ الممتدة في سيناء، فإن أحداث سيناء وذكرى 25 يناير الأخيرة، تبين أن النتيجة الفعلية لسياسة البطش الأمني والعسكرة التي اتبعها منذ 3 يولية 2013، هي الطريق الأكيد لتصبح مصر أسوأ من سوريا والعراق.  والدليل القاطع هو أن المؤسسة العسكرية لا تتعلم  من تكرر الحوادث الإرهابية وتأخذخها الجماعات الإجرامية دوما عىل حين غرو فتوقع الضحايا من الجنود المساكين، قتلى ومصابين، وتفر بالغنيمة من دون تكبد أي خسائر.

ومع ذلك بقي خطاب المؤسسة العسكرية خداعا زاعما النجاح في مقاومة الإرهاب باعتباره، للسخرية، مدعاة  للفشل الذريع. فالمتحدث العسكري، قد أصدر بيانًا في صفحته على "فيس بوك"، مساء الخميس، قال فيه إنه نتيجة للضربات الناجحة، التي وجهتها القوات المسلحة والشرطة المدنية ضد العناصر والبؤر الإرهابية خلال الفترة الأخيرة بشمال سيناء ، وفشل جماعة الإخوان الإرهابية والعناصر الداعمة لها لنشر الفوضى فى الذكرى الرابعة لثورة (25 يناير) المجيدة، قامت عناصر إرهابية مساء 29 يناير 2015 بالاعتداء على بعض المقار والمنشآت التابعة للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية بمدينة العريش. فلأي معاتية يوجهون الكلام، وأي مخابيل يصدقونهم؟؟

وقد برز ضمن مآسي ذكرى 25 يناير إغتيال الشهيدتين، زهرتا الفل السكندريتين، سندس أبو بكر وشيماء الصباغ، وكأنه البطش الأمني يستهدف بنات الإسكندرية الرائعات.الأولى ارتقت عن سبعة عشر عاما فقط، والثانية شابة خلفا وراءها وليدها الذي لم يبلغ سنوات عشر، وتدل الشهادات أن دهماء البطش الأمني كانوا حريصين على قتلها بتعمد تركها تنزف حتى الموت.

وبلغت خسة أجهزة الأمن أن منعت إقامة العزاء على روح شيماء في مسجد عمر مكرم مرتين وكأنه ثار مبيت.  فلا تصدقوا أي شهادات أو تحقيقات رسمية مزورة تبرئ قوى البطش الأمني من دماهما الطاهرة.

وكما كان مقتل خالد سعيد على أيدي زبانية الداخلية شرارة إندلاع الموجة الأولى من الثورة الشعبية العظيمة في 25 يناير 2011، فسيكون استشهاد سندس وشيماء شرارة إندلاع الموجة القادمة من الثورة الشعبية التي نتمنى ألا تستكين إلا أن تنتصر، مؤسسة لحكم ثوري حق يمهد لنيل غاياتهافي الحرية و العدالة الاجتماعية و الكرامة الإنسانية للجميع على أرض مصر من مدخل إقامة الحكم الديمقراطي السليم الحادب على اكتمال الثورة الشعبية العظيمة.

قولا واحداً. أيا من كان التافه الحقير الذي ضغط على الزناد فان من قتل سندس وشيماء، وطهارة دمائهما الذكية لا تتجزأ، إثنان: عبد الفتاح السيسي ومحمد ابراهيم.

بل أزيد أنهما المسئولان عن قتل وإصابة جميع أبناء مصر الذين سقطوا خلال الذكرى الرابعة لإندلاع الثورة الشعبية العظيمة في25 يناير 2011. فسلطة حكم الفساد والاستبدادد تصر على "الاحتفال" بذكرى الثورة الشعبية بإسقاط مئات الضحايا من أبناء الوطن الأبرار.

وهما أيضا، الرئيس الحاكم ووزير داخليته، المسئولان عمن سقطوا من رجال الشرطة والجيش في سيناء ، قتلى ومصابين، كردود فعل، خاطئة حتما، على سياسة الحكم الراهن في البطش الغادر بالمعارضين من جميع الاتجاهات والانتماءات، ناهيك عن فشل الرئيس الحاكم و المؤسسة العسكرية في القضاء على الإرهاب الذي نمى وترعرع في ظل حكم المؤسسة العسكرية، تحديدا المخابرات العسكرية، منذ يناير  2011. وهم الآن لا يستطيعون التحكم في الوحش الغادر الذي تركوا يسكن أرض الكنتانة الطاهرة بالإهمال والتاقصير بينما يحيكون المكائد للتمكن من زمام الحكم.

ولن يستقيم ميزان العدل الا بالقصاص من الرئيس الحاكم ووزير داخليته. ولو طال الزمان دون الاقتصاص منهما، فسينتهيان، ومن يناصرهما، في الخزي والعار، كما إنتهى الطاغية المخلوع مبارك، على الرغم من تبرئته في محاكمات معيبة، زورا وفجرا.فلا ريب في أن الرئيس الحاكم باعتباره رأس السلطة التنفيذية، ومن يملك تعيين وإعفاء الوزراء هو المسئول الأول عن هذه الجرائم. غير إن مسئولية وزير الداخلية لا تقل فداحة، لأنه بالإضافة إلى سجله المشين الحالي قد ارتكب الجرائم ذاتها لخدمة حكم اليمين المتأسلم فيما سبق، ولعل هذا هو سبب الإبقاء عليه منذ 3 يولية  2013  ومؤهلاته للاستمرار في المنصب على الرغم من القصور والفشل الفادحين في ضمان الأمن للمصريين والإفتئات الخطير على حقوقهم في وطنهم.

ولا يشفع لهذا الوزير معتاد الإجرام في حق الشعب والوطن أن زعم أنه لو ثبت تورط شرطى بمقتل شيماء الصباغ سيقدمه للمحاكمة. فما يثيره هذا التصريح هو التعجب من أنهم لا يكلون من الكذب والخداع. فالتهمة ثابتة بشهادات عديد من شهود العيان الثقاة ولكنهم يجهدون في التلاعب بالأدلة بالتواطؤ مع الطب الشرعي والنائب العام ووكلائه، الذين يتخلون عن واجبهم الأصيل كمحامين للشعب يزودون عن حقوقه وأمنه، للدفاع عن الشرطة وتبرئتها مما ترتكب من جرائم. وحتى إن قُدّم متهم للمحاكمة فعلى الأرجح سيُبرّأ كما حدث كثيرا من قبل، حيت تكتمل جريمة التواطؤ في ساحات المحاكم التي تفتقر لضمانات العدل والإنصاف وإلى أبسط مقومات المحاكمة العادلة. فالسجل المخزي لمحاكمات 13 من مدراء الأمن المشتهرين بالفظاظة والغلظة والمشاركة في الأعمال العدوانية ضد المواطنين خاصة النشطاء، تمت تبرئتهم جميعا على الرغم من شهادات الشهود الدامغة.

جناية الشرطة ووزارة الداخلية واضحة كما هي صادمة إلى الحد الذي استدعى ردود فعل غاضبة ولعلها استثنائية في وسائل الإعلام الحرة في جميع أنحاء العالم. أما في إعلام العهر المُدار من مكتب الرئيس والمُضلّل في مصر، فقد تجاهل الموضوع أو أخذ موقف الدفاع المطلق، والغير قابل للتصديق من عاقل، عن الداخلية والشرطة. وتجاوز أحد المحسوبين زورا على فئة المثقفين جميع الحدود بلوم الضحية على أن تظاهرت سلميا بل وطالب جهاز القمع الأمني بالتشدد في البطش حتى أكثر. ويالخيبة وبوار عقل من يسميه البعض من المنافقين الجهلاء مفكرا. إلا أن هذه المفارقة الصارخة استحثت رئيس مجلس إدارة الأهرام الرسمية، وهو لاريب حريص على مركزه الفخيم وكان حتى وقت قريب يتفادى النقد المباشر لولي النعم ونظامه بادي الاستبداد والفساد، رغم أنه إشتهر بالنقد الحاد لمظاهر الاستبداد والفساد في عهد الطاغية المخلوع. لكن على ما يبدو فقد فاض به الكيل حتى نشر مقالا في صدر جريدة  الأهرام يضع فيه ذنب استشهاد شيماء بلا مواربة في رقبة الرئيس الحاكم. وهو في هذا على حق بالقطع. فرئيس الجمهورية هو المسئول التنفيذي الأول وهو من عين هذا الوزير الغاشم ويصر على بقائه ويصر على الإبقاء على قانون التظاهر غير الدستوري الذي جلب على مصر والمصريين جبالا من التعاسة والشقاء.

إن الوزير الكذاب الخداع، والكذاب الرسمي بإسم وزارته، يعوّلان لا شك على تواطؤ وكلاء النيابة والقضاة الذين أساءوا إلى أشرف المهن، أي إقامة العدل من خلال قضاة عدول في منظومات العدالة السليمة المنصفة. عليهم جميعا اللعنات مدرارا.

على وجه الخصوص، فإن تواطؤ النيابة مع الشرطة الذي استشرى لهو سبة في جبين القضاء، يؤسس لدولة الظلم الباغية. فبيانات مكتب النائب العام استبقت التحقيقات وقراره بمنع النشرعلى عجل  بدا وكأنه محاولة للتعتيم على الواقعة حتى يمكن تضبيط الإجراءات لتبرئة الشرطة. كما حاول وكيل النيابة المختص إرهاب بعض شهود إغتيال شيماءالذين تطوعوا للشهادة ، ومنهم محامون ومدافعون عن حقوق الإنسان، بتوجيه تهمة التظاهر بدون تصريح لهم.

في كل هذا يثور التساؤل أين الرئيس الحاكم في خضم هذه الأحداث الجسام؟ هو يتقافز بالطائرة الرئاسية، لا ريب  مستمتعا ببهرج السلطة، والأوميجا تزين معصمه. ولا يبدي اهتماما يذكر بأحوال البلاد والعباد. ولا أظنه عاد من أديس ابابا على عجل إلا خشية أن يجتمع المجلس الأعلى للقوات المسلحة من دون رئاسته بعد الحدث الإرهابي الجلل، وربما تكررت واقعة تنحية المجلس لرئيسه كما حدث في أوائل فبراير 2011.

لا شك في أنه كان يصدر الأوامر في الخفاء او يصدرها من يسيرونه أو يأتمرون بأمره. ولكن هذا التقافز بالطائرة الرئاسية يكرر سلوك المعزول محمد مرسي في أواخر أيامه، رغبة في التمتع ببهرج المنصب لآخر لحظة. والأهم أنه يكرر سلوك الطاغية المخلوع، رئيسه ومعلمه. وعندما سيخرج الرئيس الحاكم على الناس في يوم ليس ببعيد فعلى الأرجح سيحذو حذو الطاغية المخلوع، ويلوم الأغبياء الذين كانوا يأتمرون بأمره وقد يتخلص منهم. ولنتذكر هنا عزل مبارك لوزارته برئاسة أحمد نظيف على الرغم من أنهم لم يتعدوا يوما كونهم مجرد سكرتارية تافهة له. وبناء عليه، لعل أيام مخلب، وبالتحديد أيام محمد إبراهيم، الذي ارتكب الجرائم نفسها لصالح حكم اليمين المتأسلم، قد صارت معدودة.

إلا أن ما يعنيني في النهاية هو التأكيد على أن التاريخ لم يبرئ مبارك ولن يبرؤه، وإن برأه قاض فانٍ في منظومة عدالة مهترئة وظالمة تحالفت عليها قوى الشر والتآمر بإتلاف الأدلة والشهادة الزور من كبار رجال دولة الاستبداد والفساد.

ظني أن حكم التاريخ، بلا أي جدال، على الطاغية المخلوع سيكون أنه مفسد في الأرض، قاتل ولص، أو بالأحرى رئيس عصابة من القتلة واللصوص والنهابّة امتصت دماء وعرق شعب مصر ونكلّت بأبنائه الأبرار. ومهما قال مفتو السوء العاملين لسلطة الفساد والاستبداد الراهنة، فحكم القرآن على مثل هذا الكائن الآثم هو حد الحرابة "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ" (المائدة، 33).

وكذلك لن يبرئ التاريخ عبد الفتاح السيسي، ولو اختفي عن الأنظار بينما يعمل من يأتمرون بأمره البطش والتنكيل بالمعارضين لحكمه الباغي.

على الأغلب هو كرئيسه ومعلّمه الطاغية المخلوع فظا غليظ القلب لا يهتز من بدنه شعرة لسقوط أزهار الفل مثل سندس وشيماء، وعشرات غيرهما من أبناء الوطن، في سبيل تكريس حكمهم الباغي.

ولكن بحيرة الدماء التي يخوص فيها ترتفع وأظنها قد وصلت معصمه ولطخت الساعة الأوميجا التي كان يحلم بها كجائزة حكم مصر، وياله من حلم دنيئ يعبر عن نفس من يحلم به تعبيرا شفافا.

وقد يصدر هو الآخر يوما ما حكما ببراءته من قاض في مثل منظومة العدالة المهترئة التي برأت محمد حسني.

ولكن ليس مستبعدا أيضا أن يكون شعب مصر، عندما يقدم هو للمحاكمة، قد أنجز منظومة عدالة إنتقالية ناجزة تقتص للشعب والوطن ممن أسالوا دماء ابنائه ودهسوا زهرات الفل والياسمين من شبابه. وعندها سيكون حكم العدالة عليه قاسيا. لا، بل عادلا نزيها.

ولكن، أيا كان حكم القضاء، ففي النهاية لن يرحمه التاريخ، وحتما لن يرحم محمد إبراهيم.

مقالات اخرى للكاتب

والذكرى تنفع الثوار





اعلان