26 - 06 - 2024

"التسول" مهنة تنتعش فى شهر الصيام

أساليب وطرق مبتكرة وراء الستار ..مواقع التواصل الاجتماعي وعمال النظافة والمسحراتى
علماء النفس والاجتماع : حرفة مربحة وجريمة تحتاج إلى قانون رادع
علماء الدين: دراسات اجتماعية لمعرفة من يستحق العطاء والصدقة

يعتبر التسول من المظاهر السيئة التى اعتادنا أن نراها يومياً، وهى ليست ظاهرة وليدة اليوم بل هى شائعة ومنتشرة منذ زمن بعيد، فهناك الكثيرمن هؤلاء الأشخاص الذين يمارسون التسول يعتبرونه مهنة سهلة يربحون منها أموالا كثيرة بدون بذل أى جهد أومشقة، ولكن مع استغلال رغبة الناس فى هذا الشهرالمبارك للإكثارمن الإنفاق وإخراج الصدقات وعمل الخير، تنشط هذه الظاهرة وتلقى قبولا وراجاً أكثر حيث تذداد أعداد هؤلاء المتسولين.

وفى ظل ما نمر به من ظروف الغلاء أصبح التسول مهنة وحرفة

وزاد بصورة كبيرة جدا فى الآونة الأخيرة ولكن بأساليب وطرق جديدة ومبتكرة حتى أصبحت تلك الظاهرة مخيفة وخطيرة ومتسترة بلباس رسمى حتى لا يمكن إدانتها ومكافحتها وهى تسول عمال النظافة وأيضا استخدام مواقع التواصل الاجتماعى للضغط على مشاعر الموطنين وانضمام فئة المسحراتى لهذه المهنة مؤخرا، فقد يلجأ بعض الأفراد من عمال النظافة لاكتساب الرزق بطرق مختلفة وبشكل مصطنع وذكاء باهت لاستعطاف المواطنين والحصول على أموال حتى تنامت سيناريوهات تسول عمال النظافة عند إشارات المرور وأماكن تجمع العائلات، بل وصل بهم الأمر إلى المنافسة على حجز مواقعهم  فى المناطق الأكثر ثراء   بشكل لافت، وتركيزهم على أوقات ذهاب وعودة الموظفين، وكذلك الأيام الأخيرة من كل شهر وقت نزول الرواتب، وأيضا استخدام بعض المتسولين طرق جديدة فى التسول ومنها استخدام مواقع التواصل الاجتماعى وبعد دخول الإنترنت أصبح العالم قرية صغيرة وظهر مجتمع مواز ومتسع، فلجأ المتسول لوسيلة أكثر ارتقاء ومناسبة لهذا العالم الموازى، وزاد التسول الإلكترونى والذى بعد كل البعد عن الأشكال التقليدية للتسول كبيع البخور بالمواصلات والمناديل الورقية.

ومن جانبها "المشهد " تسأل علماء النفس والإجتماع، وأيضاً علماء الدين عن أسباب تزايد هذه الظاهرة وانتشارها بشكل كبير،وتأثيرها على المجتمع وكيفية معالجتها .

وقال عدد من المواطنين إن مسألة لجوء بعض عمال النظافة التابعين للبلديات بالتسول طوال العام بصفة عامة وفي رمضان بصفة خاصة، أصبح من المسائل اللافتة للنظر حيث يتواجدون بغرض النظافة ويستمرون على البقاء في الموقع لساعات بالرغم من نظافة الموقع من أجل استجداء الناس، وهم بذلك يتسولون بطريقة مستترة، فإن عملية تسول عمال النظافة باتت ظاهرة وواضحة بشكل كبير، وتجدهم ينتشرون فى الأماكن التى يوجد بها تجمعات كثيرة،  أمام المساجد والمستشفيات ويعترضون المارة فى الشوارع والطرقات والمواصلات العامة، مستخدمين أساليب وأشكال مختلفة، مما تسبب ذلك فى حالة من التخوف والقلق لدى البعض وأصبحنا لانستطيع أن نميز مابين الفقراء والمحتاجون للمساعدة حقاً ومن يحترفون الكذب والخداع.

مهنة مربحة.. البطالة والفقر

فى البداية تقول الدكتورة عزة كرَيم الخبيرة الاجتماعية وأستاذ علم الاجتماع بالمركزالقومى للبحوث الجنائية والإجتماعية، أشكال التسول ليست وليدة اللحظة، وغير مرتبطة بالظروف الاجتماعية الحالية، وإنما هى سلوك ومهنة يتربح منها ويعيش من دخلها من يمارسها، كما أن ظاهرة التسول تعتبر مشكلة حقيقية موجودة فى المجتمع، ولكن الأخطر أنها تنتشر بصورة أكبر وذلك مع زيادة نسبة البطالة والفقروالعشوائيات، بل وأحياناً تزداد لأن الكثير يعتبرعملية التسول مهنة مربحة لأن الأموال العائدة عليهم من هذا العمل أكثر من أى مهنة أخرى .

حيث أصبح الأن يأخذ التسول أشكالا متنوعة وتعدد لصورالاستغلال كاستخدامهم الشهادات الطبية، والتى عادة تكون أغلبيتها غير صحيحة أو الإدعاء بأنه تم سرقته ويحتاج مساعدة، كما أنه من المعروف علمياً أن التسول يزداد فى المناسبات والأعياد وهذا متعارف عليه فى كل الدول الإسلامية كما ينتشر فى موسم الحج والعمرة، لأنهم يعتبرون هذا الشهر فرصة للزكاة وإخراج الصدقات والاكثار من الثواب، وهذا نوع من الذكاء الإجتماعى لهؤلاء المتسولين حيث ينتهزون الفرصة للإنتشار بالأماكن التى توجد بها المناسك الدينية، لأن الناس يكونون أكثر اقبالا على عمل الخير ، وذلك يعتمد على الاعتقاد السائد أن العطاء للمتسولين فى المناسبات الدينية نوع من الثواب والتقرب إلى الله.

وكنا قديما نرى المتسول الذى يسأل الناس يشعر بالخجل ولكن الوضع تغير الأن حيث أصبح التسول مهنة محترفة النصب و ليست الصورة القديمة والتقليدية التى ربما أوشكت على الانقراض ،وبالتالى أصبحت هذه الظاهرة تأخذ أشكال وأساليب مختلفة .

كما أشارت إلى أن أسوأ أشكال التسول هو استخدام الأطفال حتى وصل الأمرإلى وجود مافيا تستغل أطفال الشوارع أو تلجأ الى اختطافهم أو تأجيرهم من أسرهم الفقيرة واستغلالهم فى هذا العمل الإجرامى، كما أوضحت أن هذه الظاهرة تحتاج لمعالجة حقيقية للحد من انتشارها، لأنها  تؤثر بشكل سلبى على الشكل العام والصورة المجتمعية أمام العالم ،فكلما ذادت نسبة هؤلاء النصابين كلما ذادت الصورة السيئة أمام الأخرين، وذلك بأن تقوم مؤسسات الدولة فى العمل بمجالين هما أن هؤلاء الفقراء الذين يعانون من قلة فرص العمل والبطالة تهتم بايجاد فرص للعمل فعندما يتوفرلهم الدخل تطبق عليهم العقوبات.

وأيضاً التوعية وذلك من خلال وزارة التضامن الإجتماعى والأوقاف على أن تكون التوعية ليست للمتسول ولكن للشخص الذى يعطيه بعدم التعاطف مع هؤلاء، وأيضاً بمعالجة أسباب التسول، ولابد أن تكون أماكن مختصة تحت رعاية الأوقاف لرعاية الفقراء والمحتاجين داخل المساجد، وأن يكون هناك تعاون بين المؤسسات المختلفة فى توحيد أماكن مخصصة لمساعدة هؤلاءإذا كانوا بحاجة إلى ذلك حتى لاتنتشر هذه الظاهرة .

ظاهرة عالمية.. ونصب محترف

كما أضافت الدكتورة هدى زكريا أستاذ علم الإجتماع السياسى جامعة الزقازيق، أن التسول ظاهرة عالمية ليست مرتبطة بمكان معين، هى تعتبرظاهرة عامة مرتبطة بالمواسم الدينية التى يحاول المتسول أن يستفيد منها أكبر قدر ممكن، كما أوضحت أن تعاطف الناس مع المتسولين وانخداعهم بما يقولوه سبباًً أساسياً فى انتشارهذه الظاهرة بصورة كبيرة موضحة أن هؤلاء ليسوا محتاجون واصفة هذه الظاهرة بأنها عمليات نصب متكاملة ،فلم يوجد المتسول الحقيقى ولكنه أصبح حرفة ممنهجة يوجد مشرف قائم عليها.

وأضافت أن التسول زاد بصورة كبيرة جدا فى الآونة الأخيرة ولكن بعد دخول الإنترنت أصبح العالم قرية صغيرة وظهر مجتمع مواز ومتسع، فلجأ المتسول لوسيلة أكثر ارتقاء ومناسبة لهذا العالم الموازى، وزاد التسول الإلكترونى والذى بعد كل البعد عن الأشكال التقليدية للتسول كبيع البخور بالمواصلات والمناديل الورقية.

كما أن التسول أصبح عملية بلطجة ووسائل نصب محترفة، فهناك العديد من الأشخاص الذين يمارسون التسول بمثابة مهنة سهلة يحصلون منها على أموال كثيرة دون تعب أوجهد ،فهم يعملون على احتياج الانسان على قضاء حاجته معتبرين أنفسهم أنهم يمتلكون الدعاء كما أن تجاوب الناس مع المتسولين واعطائهم الأموال يعتبر تشجيعاً لهم على الاستمرار فى الكذب والخداع.

كما أن ثقافة التسول تزيد إذا لم يستوعب المجتمع هؤلاء، وأشارت إلى أن مواجهة هذه الظاهرة تتضمن قيام الدولة بتوفير ورش عمل  لكى تؤهلهم للاندماج فى المجتمع بشكل أفضل ، بالإضافة إلى مواجهتهم بكل حزم وقوة ومساعدة المحتاجين منهم فعلياً والتعاون مع مؤسسات المجتمع المدنى لتوفير فرص عمل لهم ،وأيضاً على الدولة أن تكفل المحتاجين من هؤلاء ويتم توجيهم إلى الجمعيات التابعة لوزارة التضامن الاجتماعى حتى تصل الصدقة والزكاة إلى مستحقيها .

تجريم فعلى وتطبيق القانون

وفى نفس السياق أضافت الدكتورة هالة منصور أستاذ علم الإجتماع جامعة بنها، أن التسول ظاهرة موجودة وتطورها مرتبط بأشياء كثيرة منها فقدان قيمة العمل وأهميته لدى قطاع كبير من المجتمع، كما أنهم يعتبرونها مهنة مقبولة ليس لها أى رفض مجتمعى، وأصبحت فئة كبيرة ترفض العمل مقابل التسول كما أنهم أصبحوا لديهم أفكار مبتكرة فى احتراف هذه المهنة وهو ليس مرتبط بوقت معين ،ولكنها مهنة يقبلون عليها لسهولتها كما أنه ليس حالة فردية ولكن بلا شك أن هناك جهات معينة ترعى هذا العمل وتشرف عليه وأصبح عبارة عن شكل تنظيمى مجتمعى .

وبالطبع له نتائج سلبية على المجتمع وعلى الفقراء فى أهمية قيمة العمل لأنه يتحولون إلى فئة ممكن أن تفعل أى شئ مقابل هذا التسول، وأصبح التسول ثقافة عامة سواء فى انتشارهم أما م الأماكن الحيوية والمنشأت العامة ،ولكن الحل الأمثل هو المواجهة الحقيقية لها بالقانون والتنظيم وتجريم فعلى لأن ذلك يؤدى إلى جرائم كثيرة منها خطف الأطفال وغير ذلك .

موسم التسول

كما أضافت الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الازهر، التسول صفة مذمومة نهى الله عنها، كما أنها أصبحت الأن حرفة منظمة وهؤلاء الأشخاص كما عرفنا لهم من يقوم بتوزيعهم وجمع الأموال منهم وإعطائهم نسبة وهم غير مستحقين للصدقات ،مضيفاً أن شهر رمضان يستغله الناس موسماً للتسول ،موضحاً أن هذه ظاهرة خطيرة ولابد من وضع حلول لها وذلك بأن تقوم الشرطة بمراقبة هؤلاء وخاصة الذين يحملون أطفال فلابد من الضبط والتحقيق حتى لايقوموا بهذه الجريمة، ولذلك ينبغى أن يكون هناك جمعيات يضع فيها المسلمون من صدقاتهم وهذه الجمعيات تقوم بعمل دراسات اجتماعية لمعرفة من يستحق العطاء والصدقة.

فإن عملية تسول عمال النظافة باتت مكشوفة، وظاهرة للعيان لا تحتاج منا دليل ولا برهان وما نتكلم عنه ليس تضييقا على دفع الصدقة والإحسان إلى الفقراء والمحتاجين من الوافدين والمواطنين، بل لوقف هذا السلوك

السئ الذى حول عامل النظافة إلى (متسول) برتبة عامل نظافة  فالأحرى بنا أن نذهب للأماكن الموثوق بها لاخراج الزكاة والصدقات لأن ذلك يعتبر وضع للزكاة فى غير موضعها الحقيقى،فالمحتاج لايسأل الناس فى الشوارع والطرقات، ولكن هناك خطأ أكبر أن الناس تعتقد أن ذلك مصرف لإخراج الزكاة قال تعالى " إنما الصدقات للفقراء والمساكين "ولابد من التوعية فى المساجد ووسائل الإعلام أيضاً.

التعفف عن سؤال الناس

وفى سياق متصل أضاف الدكتور هشام جسار نقيب الأئمة والدعاة بالجيزة، التسول أصبح مهنة وحرفة، وأعتقد أن ثقافة المجتمع تجاه متسولي الشوارع إذا ما تغيرت، فإننا سنقضي على هذه الظاهرة، فقط نحتاج توعية لتوجيه ما يُدفع لهم إلى مَن يستحقون بالفعل وهم كثر ولكن لا يطلبون، خاصة فى ظل ما نمر به من ظروف الغلاء.

وأضاف أن التسول ظاهرة خطيرة نعانى منها بشدة فى الشوارع والطرقات، وأنه لابد من وضع حلول مناسبة لها وذلك من خلال القيام بجانبين من الناحية الاجتماعية وذلك بأن تقوم المؤسسات الاجتماعية بعمل بحث اجتماعى بمشاكل هؤلاء والتأكد من أنهم فقراء يستحقون حقاً أم لا ،ومن ناحية أخرى الجانب الدينى فى التوعية بأقوال الرسول الكريم فى النهى عن سؤال الناس بغير حاجة، وأيضا قول الله سبحانه وتعالى واصفا ًالفقراء " يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم  لايسألون الناس إلحافاً"، أننا واجبنا تجاه هؤلاء أن نبحث عن الذين لايسألون الناس بغير حاجة فهناك فقراء لايجدون شيئاً ويمنعهم حياؤهم وعفتهم عن سؤال الناس فهؤلاء أولى بالصدقة والزكاة.
---------------------
تحقيق - أحمد جمال






اعلان