22 - 06 - 2024

الحقائق الغائبة وراء حالة «ماري جرجس» تعكس معاناة النساء المعنفات

الحقائق الغائبة وراء حالة «ماري جرجس» تعكس معاناة النساء المعنفات

انتظرت متأخرا حتى أقوم بتوضيح بعض النقاط اللازمة والهامة وربما تجيب علي تساؤلات في حاله "ماري جرجس رزق حبشي" وابنتها ماروسكا ثلاث سنوات بالدقهلية بعد أن أسدل الستار داخل قسم أول شبرا، وربما مرت القصة سريعا دون التغول في التفاصيل وما زال هناك غموض يحيط الأحداث.

ولكن تسلط قصة "ماري" الضوء على معاناة النساء المعنفات في مصر، وتكشف عن الحاجة إلى قوانين وإجراءات فعالة لحماية حقوقهن.

لقد عانت هذه السيدة عدة أشهر من سلسلة من الأزمات مع زوجها لم تكن اعتيادية مثل الإهانة والضرب، وفي المقدمة لم يكن لدي النية في إظهار اي دفاع ربما يفهم أنه تبرير للتحول الديني وهدم بيتها، ولكن تكرار التجربة يجعلنا نركز علي بعض الحقائق ونبحث داخل أنفسنا عن الأسباب ردا علي جلاديها، فلم يكن حجم المشكلات تتلخص في إساءة المعاملة ولكن جاء رد على زوجها الذي قام بتسطيحها وظهر في أحد مرات البث متبجحا يطالب بعودتها بعد أن نفدت الحلول بالنسبة للطرف الآخر، ومن وجهه نظرها وحسمت أمرها، فهذه ليس المرة الأولى التي تهرب من البيت، وعندما لجأت إلى أهلها، قام والدها بطردها لدفعها للعودة إلى منزل الزوجية، ولم يقدم أي احتواء يذكر وقامت عدة مرات باللجوء إلى أب اعترافها، فقام الكاهن بالاتصال منذ حوالي شهرين بالزوج وأرجعها إلى البيت، وظل الحال يتعقد رغم أنها صارحت أب الاعتراف باستحالة العشرة والبدء في اتخاذ موقف مغاير والبحث عن الحلول، اللهم إلا زيارات الكاهن وسعيه للصلح وتقريب وجهات النظر دون برنامج وآلية واضحة للاصلاح، فلماذا لم يرشدها القس الي طريق آخر يتعلق بالاجراءات الكنسيه المتبعة أو من خلال توصيلها بمحام عندما أخبرته انها اتخذت قرارا بترك زوجها؟

ونستطيع نسج باقي خيوط القصه تباعا، فقد ألهمنا التكرار دون مزايدات علي الكنيسة أن كل حالة تختلف عن الأخرى ، ولذلك قولا واحدا المخطئ الذي يتحمل ضياع نفسها ونفس طفلتها البريئة في هذة الحاله الفردية هو الكاهن الذي لم يحسم أمرها والزوج الذي ظهر هادئا، وأصبح عمل البعض الدفاع عنه من مظهره وملامحه التي هي أشبه بالتمثيل وخلق الحجج للتعاطف معه وجلد زوجته دون أدنى معرفة بما كان يحدث، لأنه بالطبع لم نسمع سوي روايته من طرف واحد والذي دفعها لتغيير دينها للخروج من السلطة الكنسية المتمثلة في الكاهن التي يجبرها علي العودة كل مرة للمنزل، بعكس رغبتها، ولذلك اختارت الإشهار بصرف النظر عن العقيدة وصحيح الأيمان، فكمْ من وقائع رأينا فيها مشاكل الأحوال الشخصيه تتجسد عبر آلاف الشكاوي، خاصة انه ليس للزوجة مورد رزق ولا عمل ولا أدنى ثقافة، ولذلك نقول إن هناك بدائل ممكنة لو وقف بجوارها الكاهن المتابع لحالتها، وكان من الممكن من خلال محامي ان يقوم بتحويل الملة ورفع قضية خلع أو ما شابه من خلال القانون، لكن لقيت السيدة نفسها وحيدة وفريسة لكل من يظن أنه يقدم مساعدة بطريقته ويتلاعب بوتر عاطفي حساس، وكانت لديها مشكلتان، فلا تعرف مكانا للجوء وكيف تعول نفسها وابنتها، ولذلك سلكت هذا الطريق وكأن كل السبل قد أغلقت في وجهها وفي ظل تعثر خروج قانون الاحوال الشخصيه الجديد المنتظر منذ سنوات يعصف بنا الحال ونصل إلي نفس النتيجة، وهنا أتساءل: ما الجدوي من تأخير صدور القانون الذي يعالج مثلا هذه النوعيات، وفي كل عام نظن اننا نقترب من إخراج التعديلات اللازمة والخروج بمسودة تتوافق مع كل الكنائس، ننتهي من حيث بدأنا في كل ولايه جديدة ويظل حبيس الأدراج وفي طييالنسيان وليس أولوية ملحة لدي رجال الدين والدولة في إتمام النص واكماله بقوة وبلا رجعة وكأنه مقصود أن يظل التعب النفسي والمعاناة والنتائج والأوضاع المهينة تهيمن حتي تنحصر في الخروج من الدين بأكمله ليصبح صداعا في الرأس ومعضلة أمنية واجتماعية تؤرق الجميع.

وتحدثنا مرارا وتكرارا عن ضرورة تدريب الكهنة علي التدرج في حل المشكلات الأسرية، والغريب أن أهلها قاموا بالاتصال بالأنبا مرقس مطران القليوبية في محاولة لعمل اتصالات أمنية والضغط لرجوعها، وهنا نطرح عدة تساؤلات، فلماذا لم يتم وضع المطران في الصورة منذ البداية؟، والحقيقة أنه صدق عندما قال "لا أستطيع فعل شيء" لأن الوقت كان قد تأخر كثيرا لطلب عودتها، والأغرب هو اصطحاب مصدر المشكلة وهو زوجها إلى القسم، فالطبيعي أن تصرخ السيدة ولا تريد الرجوع كما كانت وعلي نفس الحالة التي عليها، وتهدد بانتحارها إن أرغمت علي الرجوع، فهل من جديد يقنعها بعد أن اختارت حياة مختلفة؟ خاصة أن الكاهن وقف مذهولا أمام رفضها مقابلة أحد، وكأنه تفاجأ أنها عجلت بالنهاية، وكان من البديهيات أن تكتسب تعاطف الأمن، وكأنها تستغيث، فليس لديها ما تخسره اليوم بعيدا عن البوتقة الدينية، فلم يناقشها أحد في فهمها للدين الذي اختارته وقد تحصنت باكتمال أوراق الأشهار مسبقا تحسبا لهذة الخطوة حتي تعطي صفعة للجميع وإرسال رسالة مفادها أنها ليست الطرف الأضعف كما اعتادوا معاملتها وستأخذ كل شيء في طريقها، وبالطبع يغلب العناد والمنازعات النفسية علي المشهد، فنجد رجلا آخر بجوارها - أي كان دينه - يجد موضعا ليتخذ دور والدها المفقود، ونحن لسنا في معترك للتسابق في الحكم علي الأشخاص بقسوة، ولكن توجب علي الأنبا مرقس طلب الطفلة ومعرفة مصيرها قانونيا، فليس من الطبيعي أن كل من يطالب بعودة الطفلة يتم ترهيبه بصنع فتنه مزعومة ويصدر للعامة أن الأمر قد فرغ من الحديث عنه، فلا بد من أن يكون القانون حاسما وواضحا في هذه الجزئية تحديدا عندما نقترب من حياة ومصير طفلة لا ذنب لها في صراعات والديها دون أن نراعي ظروف نشأتهم وثقافتهم ومحدودة التصرف والتفكير الذي يتأثر بالموروثات، فمن يبتدع الفتنة هو من اختار أن يترك الباب مواربا كاتباع تطبيق مقولة أن الطفله تؤول للدين الأفضل لمجرد الحكم بالعرف والأهواء الشخصية دون أصل وجود مادة للتميز في القانون.

وحينما نقترب من هذه المشكلات الشائكة يهب علينا المتاجرون ليقولوا لنا إن الكنيسة استنفدت كل الوسائل ولم تقصر في شيء وأن هناك من يريد تشويه الآباء والتقليل من دورهم وأنه ليس لديهم إلا تنفيذ وصايا الكتاب المقدس بعدم التطليق، وعلي العكس تماما فلا نية للتقليل من الدور الكنسي، فليس كل مشكلة مشروطة بالنهاية السعيدة أو بالسلاسة المطلوبة، ولكن لم يكن كافيا حتى يتم اتهامها بالتفريط في دينها من تلقاء نفسها، وكان بإمكان الخدام التطوير من أنفسهم في محاولة لتقليل فقد النفوس والبحث عن طرق بديلة لكسب الوقت، مثل تخصيص بعض البيوت أو المباني لمثل هذه الحالات وبعيدا عن إجبار الزوجة للعودة إلى دارها، فكمْ من أموال تصرف على المنشآت الملحقة بالكنائس، فبدلا من أن تلجأ الزوجة للغير في إيوائها، يستطيع الكاهن توفير ملاذ أخر غير بيت الزوج لتهدئه الأجواء واستكمال الإجراءات القانونية في هدوء مع محاولة لتدبير سبل أعانه الزوجة للبحث عن لقمه عيش، فمن المؤكد أن احتمال كل طرف للتجربة يختلف من شخصية لأخري، وفي النهاية تبقي النفس بلا عذر، ولكن علي هؤلاء أن يقوموا بالبحث عن إجابة، فكيف تصرف الزوج عندما تركت زوجته البيت أكثر من مرة وما السبب الأساسي الذي جعلها تتخذ هذا المنحنى في العلاقة والذي بالطبع لم يكترث أو يستوعب أن هناك نقطة تحول بلا عودة وجاء متأخرا دون مراعاة حقوقها كأمرأة ، الأمر الذي يفتح الباب للسؤال ما هو دور القانون و الكنيسة والمجتمع في حماية النساء من العنف الأسري؟

و التدقيق في عمق حكم الفقه الاسلامي لضم الابنه دون قضية في هذه الحالة، يختلف حكم الفقه في حضانة الطفل المسيحي من أم مسلمة حسب المذهب الفقهي، فالمذهب الحنفي والمالكي والشافعي و الحنبلي يقول إن الأم المسلمة أحق بحضانة ابنها حتى سن السابعة، بغض النظر عن دينها السابق، وفي جميع الأحوال، يؤخذ بعين الاعتبار صلاحية الأم لحضانة ابنها من حيث الدين والخلق والسلوك، وقدرة الأم على تربية ابنها ورعايته.

ومصلحة الطفل تكمن في الرجوع إلى القضاء الشرعي لتحديد من أحق بحضانة الطفل، وفي هذه الحالة، إذا كانت الأم المسيحية قد تزوجت من مسلم، فإن ذلك قد يؤخذ بعين الاعتبار في تحديد من أحق بحضانة الطفل، وإذا كانت الأم المسيحية قد أخذت الطفل لحضانتها دون قضية، فإن ذلك قد يؤخذ بعين الاعتبار أيضا.

في النهاية، القرار بخصوص حضانة الطفل هو قرار شخصي يعتمد على ظروف كل حالة علي حدة، وتحتاج إلى تحليل دقيق من منظور قانوني واجتماعي وديني، وفي حالة تغيير دين الأم، يجوز للقاضي أن ينقل حضانة الطفل إلى الأب إذا رأى أن ذلك في مصلحة الطفل، ويعتمد قرار القاضي على عدة عوامل، مثل: سن الطفل ودرجة تفهمه وقدرة كل من الأب والأم على تربية الطفل ورعايته، والبيئة التي ينشأ فيها الطفل ورغبة الطفل، وقد تواجه الأم صعوبات في تربية ابنها بعد تغيير دينها، وقد يتعرض الطفل للضغط من قبل العائلة والمجتمع لتغيير دينه، ومن المهم أن تحرص الأم على توفير بيئة آمنة ومستقرة للطفل.

وفي الختام، أود الإشارة أني لم أمل إلى تكرار نفس سيناريو الاستقطاب ولم أتطرق لشخصيات لعبت أدوار مثل جارتها أو وضع الرجل الذي ظهر بجانبها في قسم الشرطه وحيثيات لقائهم أو مواجهة تحديات التفكك، ولكن يفهم من السياق ذاته أنها ليست الحالة الأولى ولن تكون الأخيرة في هذه السلسلة.
-------------------------------
بقلم: جورجيت شرقاوي 

مقالات اخرى للكاتب

خانة الديانة في كشوف طلاب المدارس بين الجمود والطرح





اعلان