17 - 07 - 2024

"الفسطاط وأبوابها".. دراسة مميّزة لعبد الرحمن الطويل

صدر عن دار العين للنشر في القاهرة كتاب للباحث الشاب عبد الرحمن الطويل عنوانه "الفسطاط وأبوابها". الكتاب يكمل نقصا في الدراسات العربية عن مدينة الفسطاط . ركَّز الباحث في القسم الأول على تاريخ المدينة منذ تأسيسها حتى أفولها، وفي القسم الثاني ركّز علي أبواب المدينة، وهذا القسم يضم الجديد الذي يقدمه هذا الكتاب.

 يرى عبد الرحمن الطويل أن المصادر التاريخية لا تمدنا بأي معلومات عن بناء أي سور للفسطاط قبل عصر شاور بن مجير الدين السعدي؛ الذي كان وزيرا في أواخر العصر الفاطمي. ويعود هذا، في رأيه، إلى أن الفسطاط نشأت مدينة معسكر في صدر الإسلام، وهذا النوع من المدن لا يسوّر؛ لأنه محطة انتقال إلى فتوحات وغزوات. لكن كان لدروب الفسطاط أبواب. وأقدم نص يشير لأبواب دروب الفسطاط هو نص المؤرخ الكِندي عن إمارة يحيي بن داود الخرسي؛ زمن الخليفة العباسي المهدي، لما ولي مصر منع غلق الأبواب بالليل، ومنع أهل الحوانيت من غلقها. 

الطويل حاول في هذا الكتاب استقصاء أبواب الفسطاط بصورة غير مسبوقة وتحديد أماكنها، وهو ما نجح فيه.ومما زاد من صعوبة هذه الدراسة أن معظم أبواب الفسطاط مندثرة، وهي إما تعود للعصر الفاطمي أو العصر الأيوبي.

باب الصفا، قدم لنا الباحث عنه معلومات مفصّلة، فهو أكبر أبواب الفسطاط وأهمها. يقول عنه المقريزي:"هذا الباب كان هو في الحقيقة باب مصر، وهو في شمالها، ومنه تخرج العساكر وتعبر القوافل". وهو كان بابا ضخما من برجيْن يعلوهما عِقد كبير وفي أسفله عتبة من الحجر، وحدد موقعه عند سور مجرى العيون بالقرب من مسجد السيدة نفيسة، وهو علي امتداد الشارع الأعظم في مدينة القاهرة. لكن علينا أن نقف في هذا الكتاب عند محاولة المؤلف تحديد سور شيّده الوزير الفاطمي شاور للفسطاط في ظل تهديدات مستمرة من الصليبيين للهجوم علي العاصمة المصرية، وذكر عن المؤرخ المملوكي المقريزي أن شاور شرع في بناء سور على مدينة الفسطاط، واستعمل فيه الناس فلم يبق أحد من المصريين إلا وعمل فيه، وحفر من ورائه خندقا، وعمل في السور ثمانية أبواب.ويخلص الطويل إلى أن سور شاور كان من الطوب اللبِن، وأساسه من الحجر، ويرجح أن أهميته تضاءلت بعد بناء صلاح الدين الأيوبي سورا حول العاصمة من الحجر، وأن الناس هدموا سور شاور لينتفعوا بمواده في البناء، وهذا استنتاج جيد. 

إن هذا الكتاب يقودنا عبر حفريات المؤلف في المصادر التاريخية إلى عدد من المعطيات؛ أهمها أن السور الأيوبي للمدينة والذي ما زالت آثاره باقية، هو مُحدد جيد للمدينة، كذلك أن الفسطاط كمدينة ما زالت مهملة وهي في حاجة إلى مزيد من الدراسات. فما زالت تلال الفسطاط بلا حفر أثري علمي منظم يُبنى على أبحاث تقودنا لبناء تصورات عن المدينة وحاراتها عبر العصور، ولذا فإن هذا الكتاب هو دعوة لإنقاذ الفسطاط من العديد من المشاريع التي تتغول على حساب الكشف عنها، والمار في طريق صلاح سالم من ميدان القلعة إلى منطقة مصر القديمة عند حسابه ارتفاع وهبوط الطريق سيلحظ أنه يمر فوق بقايا المدينة، كذلك المنطقة المحاذية لسور مجرى العيون والتي كان بها مدابغ الجلود، توجد أسفلها بقايا مدينة الفسطاط. لذا فإن هذا الكتاب هو صرخة لإعادة اكتشاف الفسطاط.