06 - 05 - 2024

عجاجيات | طفوا النور

عجاجيات | طفوا النور

الحمد لله رب العالمين الذى جعلنى أعيش فى أزمنة عديدة من خمسينيات القرن الماضى وبالتحديد من بعد ثورة يوليو ١٩٥٢ بثلاث سنوات....عشت تجارب عديدة وتطورات كثيرة.. ذاكرت على لمبة الجاز نمرة ٥ ونمرة ١٠ وكان من المهام التى توكل إلى وأنا طفل شراء الجاز اللازم لطهى الطعام بوابور الجاز وإضاءة البيت بلمبات الجاز.. وعشت إضاءة البيت بالكلوب أبو رتينة والذى يعطى إضاءة أكثر قوة وأكثر بياضا من إضاءة لمبات الجاز.

وعشت الأيام السوداء التى أعقبت نكسة ٥ يونيو ١٩٦٧ والتى كانت فيها سماء القاهرة عرضة لاختراق طائرات العدو الأرعن والذى درج على عدم التفريق بين الأهداف العسكرية والأهداف المدنية بدليل هجوم طائراته على مدرسة للأطفال فى بحر البقر محافظة الشرقية.. ولذلك صدرت التوجيهات ببناء سواتر أمام أبواب العمارات وطلاء نوافذ المنازل باللون الأزرق حتى لا يتسرب منها الضوء فتسهل مهمة الطائرات المغيرة.. وتطوع الرجال والشباب بالتأكد من حالة الإظلام التام وكان نداء طفوا النار يسمع فى حارة السقايين ودروبها ويتردد صداه فى كل عابدين.

وعشت انقطاع النور على فترات متباعدة فى أزمنة عديدة.. وللحق فقد كان انقطاع النور يمنحنى الفرصة للاستراحة من المذاكرة والخروج من البيت والتسكع بلا هدف إلى أن تعود الكهرباء.. وما زالت فرحة عودة النور وانطلاق صيحات (ها النور جه) ترن فى أذني.

وعشت وعايشت حالة التذمر المجتمعى والاعلامى الصريح والمعلن من الرجل الذى كان يشد سكينة الكهرباء بالنهار وبالليل.

وأمد الله فى عمري لأعيش طفوا النور بأوامر رسمية وبجداول حكومية تحت مسمى تخفيف الأحمال وبتبرير صريح وهو توفير الوقود المستخدم فى محطات توليد الكهرباء ومن ثم توفير العملة الصعبة التى تستخدم لاستيراد هذا الوقود وأيضا الحصول على مزيد من الدولارات مقابل تصدير الغاز الذى يستخدم لتوليد الكهرباء.

وعشت تساؤلات كثيرة تجري على ألسنة الناس ومنها: ألسنا ندفع ثمن الكهرباء التى نستخدمها فلماذا يتم قطعها؟! أليست محطات توليد الطاقة والكهرباء العملاقة من أهم الانجازات التى تتحدث عنها الحكومة؟ ألم تخبرنا الحكومة بأن هذه المحطات تغطى استهلاكنا وتحقق فائضا للتصدير فلماذا يتم قطع الكهرباء؟! ويسأل البعض ألم نحصل على مليارات الدولارات من صفقة رأس الحكمة ومن صندوق النقد الدولى ومن البنك الدولى ومن الاتحاد الأوروبى مما جعل محافظ البنك المركزي يتبسم ويضحك بعد طول عبوس، فلماذا لا نوجه جزءا من هذه الاموال لقطاع الكهرباء ونحمى بيوتنا ومصانعنا ومدارسنا وجامعاتنا ومستشفياتنا من انقطاع الكهرباء.

على أية حال أري من واجبى ومن قبيل الإنصاف الاشادة ببعض مزايا قطع النور فهو يوفر فرصة إجبارية لتواصل أفراد الأسرة وتخليهم عن أجهزة التلفونات المحمولة والتواصل المباشر بدلا من التواصل عبر الفيس بوك والواتس أب.. كما أن انقطاع الكهرباء يوفر أجواء رومانسية والاستمتاع بضوء الشموع والهمسات واللمسات.. أما الميزة غير المؤكدة فهى توفير استهلاك الكهرباء ومن ثم انخفاض قيمة فاتورة الاستهلاك.. وهى ميزة غير مؤكدة لأن السوابق علمتنا أن الشيء الذى يرتفع من رابع المستحيلات أن ينخفض باستثناء الحمام الزاجل الذى يستمتع بالتحليق فى السماء ثم الهبوط إلى أعشاشه قبل غروب الشمس..
-----------------------------------
بقلم: عبدالغني عجاج

مقالات اخرى للكاتب

عجاجيات | كلية الحقوق





اعلان