الهدوء سمة من سمات شخصيته .. والحركة الدائمة سمة من سمات مفردات لوحاته .. أضواء تدور فى فلكها شخوصه ، وشفافية تجذبك الى عمق بعيد داخل اللوحات .. أغنيات من نسيم يتطاير يحمل الألحان ويوزعها فى كل المساحات فتنبض المفردات تطالبك بمشاركتها حالات التصوف تنسيك ما أنت فيه لتحيا مع ما تشكله رؤية الفنان من عشق تحسه فى دوامات الضوء وفرح البنات .

.....

تأكد الضوء وتربع على عرش الفن التشكيلى فى القرن الثامن عشر لدرجة أن النقاد والفنانين أطلقوا عليه قرن النور ، فظهرت أعمال مونيه ، ورينوار ، وهناك آخرون ممن عشقوا شمس أفريقيا وإحتفظوا بالضوء ولم ينسوه مثل الفنانين كلى ، وماتيس . ولان الضوء هو الحقيقة فتجد العديد من الفنانين ممن طاروا كالفراشات يسبحون به منهم بوتيشيلى الذى وصل الى قمة إبداعه فى " مولد فينوس " ، وجوستاف موروا فى لوحة " إعادة الوجود " ، وريمبراند فى " الطفل " وغيرهم .

ودائما تصنع الطبيعة ضوءها وظلها ، ويظل الضوء هو المحرك والمجسد والفاعل والواصف والكاشف ، فتتجسد الحقيقة لإثبات الوجود الذى يوجهنا الى نور الخالق فيكون الأيمان والتصوف والعشق والتغزل والتغنى بالضوء ، وكلما زاد العشق وارتفعت درجات التصوف تغنى المبدع بالضوء والطبيعى ووبالغ فى العشق بالاضواء الصناعية أيضا .

وسيد سعد الدين من الفنانين المصرين الذين تفرغوا للضوء وجند مفرداته للبحث فيه ، تأخذك مسارات الضوء باللوحات الى عالم متحرك وكأنك تتبع حركته منذ أن دخل والنقطة التى انتهى فيها . الضوء هو العنصر الاساسى الذى يشكل الكتل والمفردات ، ويحقق الشفافية ، ويحرك الرياح ، ويقلل من الجاذبية . وإرتفع الفنان لأعلى درجات التصوف فزود العشق بمزيد من الأضواء الصناعية مضافة الى أصل العشق للأضواء الطبيعية .

وإذا كان الضوء الطبيعى فى لوحات سعدالدين يكسب المفردات الحيوية والتألق ويحقق الغايات التى يسعى اليها الفنان التشكيلى بصفة عامة  ، فإن الضوء الصناعى يزيد من حركتها ويمنحها الأهمية والأولوية فالفنان يوجه البصر نحو الفعل الذى يقوم به الجسم من خلال مسارات ضوئية تحيط بهذا الجسم فتكون السيادة لتلك المسارات التى تساهم بشكل كبير فى تأكيد الحركة . وقد نلمس هذا بوضوح فى إحدى لوحاته " اللعب بالكرة " وهى عبارة عن بنت تقذف بالكرة الى أعلى وتقفز خلفها فى رشاقة . فى حين تقف فتاتان تتابعان حركة الكرة ، وحركة الشعاع الضوئى الصناعى الذى يدور مابين الكرة والفتاه ، وينقلنا الى مسارات ضوئية للفتاتين فتتنقل ببصرك بين المفردات ومن خلال مسارات الضوء دون ان تخرج من العمل .

كذلك فى لوحة " طائرات من ورق " والتى يظهر بها أربعة طائرات ورقية يطيرها الأطفال من أعلى بيوتهم ، ويتابعهم شخص ’خر من سطح منزل مجاور . وفى هذا العمل تدور مسارات الأضواء الصناعية فى حلقات وخطوط تؤكد حركة الطائرات وحركة الرياح التى تحملها وتؤكد وجودها أيضا .

 وسعد الدين له مصادر عدة للضوء فى العمل الفنى الواحد ، فالإضاءة لديه تحقق التأثيرات الدرامية بوعى فنى متمكن من تحقيق العلاقة بين مصدر الضوء وإتجاهها ، وتأكيد العلاقة بين الإيقاعات الحركية للأشخاص والإيقاعات الحركية المشكلة فى الفراغ بفعل إختراق الفراغ بمفردات مرتبطة بحركة الأشخاص مثل الكرة فى اللوحة الأولى والطائرات فى اللوحة الثانية .

  فى هذه الأيام تحتفى مؤسسة العرب للثقافة والفنون بالفنان الكبير سيد سعد الدين وتقدم ملامح من مشواره الفنى بقاعة ضى الزمالك يوم الأحد المقبل الموافق يوم 28 إبريل 2024.
------------------------
د. سامى البلشي