لقد خسرنا . الحقيقة يجب أن تقال . إن عدم القدرة على الاعتراف يختزل كل شيء تحتاج لمعرفته عن السيكولوجية الفردية والجماعية لاسرائيل . هناك حقيقة واضحة وصارخة هي أنه ينبغي علينا البدء في فهم ومعالجة واستخلاص النتائج من أجل المستقبل . إنه ليس لطيفا الاعتراف بأننا خسرنا و لذلك فنحن نكذب على أنفسنا.
بعضنا يكذب بسوء نية . و البعض الآخر بحسن نية .
بعد نصف عام ( من الحرب ) كان يمكن أن نكون في مكان مختلف تماما . ولكننا كنا محتجزين كرهائن في قبضة القيادة الأسوأ في تاريخ الدولة والمرشحة بجدارة لنيل لقب أسوأ قيادة في أي زمان وأي مكان . كل عملية عسكرية من المفترض أن يكون لها مخرج دبلوماسي ، والفعل العسكري ينبغي أن يؤدى إلى واقع دبلوماسي أفضل . وإسرائيل ليس لديها مخرج دبلوماسي .
إنها نذالة من قائد ليس لديه قدرة على القيادة أو اتخاذ القرار.
نظريا كان يمكن أن نكون في مكان أفضل . إن صدمة اندلاع الحرب كان يمكن أن تكون نقطة بداية لحملة سريعة و قوية و عنيفة و مبررة بشكل كبير لاجتثاث حماس بسرعة أينما كان ذلك ممكنا . وكان يمكن استبدال حماس بتحالف من الدول يملك أموالا و نوايا حسنة لتنفيذ إعادة الإعمار مع دعم عربي و عالمي جنبا إلى جنب مع السلطة الفلسطينية.
. كان يمكن أن نخلق بديلا قابلا للحياة لحماس في غزة . بعد ستة أشهر من الحرب ربما كان بالفعل قد ظهرت علامات أولى على حكومة مستقلة هناك . في كل يوم و كل دقيقة كانت تمر كان يمكن اتخاذ قرارات أفضل . و لكن أولئك الذين انتخبناهم مجرد واجهات لشخص واحد .
لا نستطيع قول ذلك ، و لكننا خسرنا . الناس لديها ميل إلى تصديق الأفضل ، و إلى أن يكونوا متفائلين ، و أن يأملوا أن الغد سيكون أفضل ، و أن العملية التي نحن بصددها ستكلل بالمزيد من النجاح . إنه خلل جوهري في التفكير البشرى : الاعتقاد بأن المسار الذي نأخذه هو المسار الجيد الوحيد ، وأننا فقط نحتاج للسير عليه الآن ، وذلك في وقت أطول قليلا مع بذل المزيد من الجهد قليلا ، وبذلك سيتم إعادة الأسرى ، وستعلن حماس استسلامها ، و سيتم قتل يحيى السنوار . و رغم ذلك فإننا رجال جيدون ، و الرجال الجيدون سينتصرون .
إنها نفس العقلية التي تؤدى إلى الاعتقاد بأن (( النظام الايرانى سوف ينهار من الداخل قريبا )) و معتقدات أخرى هي أقرب إلى سيناريوهات أفلام هوليودية منها إلى أفكار واقعية . إن هذه الاعتقادات ليست هي الحقيقة . في نهاية المطاف سيكون امرأ مزعجا قول الحقيقة للجمهور .
إن النتيجة التي قمت باستخلاصها من 7 أكتوبر كصحفي هي أن إدمان الشعور بأننا جيدون هو ذاته أمر خطر . نحن بحاجة إلى قول الحقيقة حتى حينما تكون مزعجة . وحتى حينما تكون مؤلمة . وحتى لو شعر بعض الناس بالأسى . و حتى لو تسبب ذلك في خفض الروح المعنوية .
لو أن شخصا ما قال يوم 1 أكتوبر أن قائد الاستخبارات العسكرية كان غير كفء ، وأن الاستخبارات العسكرية كان بوسعها أن تخطط لعمليات ناجحة و لكنها لم تكن قادرة على توجيه تحذيرات بشأن حرب قادمة ، وأن جهاز الشين بيت كان قد غلبه النعاس ، مثل هذا الشخص كان سينظر إليه باعتباره مجنونا و انهزاميا و منفصلا عن الواقع . إن سياسيين بعينهم كانوا سيدعون إلى محاكمة مثل ذلك الشخص بتهمة نشر الأخبار الكاذبة . كانت هناك علامات تدل أن الجيش كان في حالة سيئة ، و لكننا لن نراها لأننا نعتقد أن الأمور على ما يرام .
من المزعج قول ذلك . و لكننا ربما لن نكون قادرين على العودة بشكل آمن إلى حدود إسرائيل الشمالية أو إلى ما كان عليه الأمر من قبل . لقد غير حزب الله المعادلة لصالحه . ذلك هو الموقف وهذه هي الحقيقة على كل الجبهات : ليس كل الرهائن سيعودون الأحياء منهم أو الأموات . و أن أماكن احتجاز بعضهم ستكون غير معروفة وسيظل مصيرهم مجهولا . و سيكونون مثل الطيار المفقود رون اراد . و سيشعر أقاربهم بألم الثكل مع القلق و الخوف . و من وقت لأخر سنطلق بالونات في ذكراهم .
لن يعيد لنا أي وزير في مجلس الوزراء إحساسنا بالأمان الشخصي . و كل تهديد ايرانى سيجعلنا نرتعد خوفا . مكانتنا الدولية تعرضت لضربة قاصمة . و ضعف قيادتنا قد انكشف للخارج . لسنوات حاولنا أن نوهم من في الخارج بأننا كنا دولة قوية و شعبا حكيما و جيشا قويا . في الحقيقة إننا كنا متكئين على سلاح الطيران بشرط أن يستعمل في الوقت المناسب . .
جزئيا فإن المكانة المقدسة للجيش في إسرائيل هي ما يجعل من الصعب الاعتراف بالهزيمة . أنت لا تستطيع قول اى شئ عن الجيش . فقط حينما يتعلق الأمر ب7 أكتوبر فإنه يسمح لك بشكل محدد بأن تتحدث عن العار و منذ ذلك الحين أصبحنا أسودا .
إن هزيمتنا لا تعنى أن جنودنا ليسوا جيدين ، أو أنهم لم يحققوا انجازا ، أو أنهم لم يغامروا بحياتهم ، أو أنهم غير مستعدين أن يفعلوا ما هو مطلوب منهم . إنه يعنى أن المزج بين القدرات العسكرية وسلوك السياسيين قد أنتج شيئا غير ملائم . البعض سيقفز صارخا (( أنت تضر بمعنويات الجنود )) . في الحقيقة من السهل تفهم ذلك لأنه من الذي سيعلن معارضته للجنود ؟
و لذلك فنحن نواصل خداع أنفسنا .
هناك معسكر سياسي يتوقف بقاءه على وجود (( نصر )) . هذا المعسكر فقد كل صلة له بالواقع و الحقيقة . وقد عرفنا من هو قائده إنه بينوكيو . فعلى مدار شهور ظل يتحدث عن (( نصر كامل )) ، و أننا (( على بعد خطوات من النصر )) . و على مدار شهرين ظل يقول أننا سندخل رفح (( فورا )) غدا غدا . إننى افضل تصديق نجم تلفزيون الواقع اوهاد بوزاغلو على أن اصدق كلمة واحدة من نتنياهو .
إن النظام المتبع هو المماطلة لأطول وقت ممكن و الكذب في نفس الوقت . وقد ظهر احد أتباع نتنياهو على شاشة القناة 14 ليعد الشعب بأن النصر في متناول اليد قائلا (( أنا على تواصل مع كثير من المواطنين ( الذين يسألونني) ( هل تخلينا عن دخول رفح ) . إن رئيس الوزراء قال مرارا و بنفسه أننا سندخل رفح . والأكثر من ذلك إنه قال أننا سنفعل ذلك بمفردنا و ذلك يتعارض مع موقف الولايات المتحدة . يمكنكم أن تهدأوا . إن ذلك الأمر سيحدث ))
تعد رفح أحدث خدعة تحاول الألسنة الناطقة باسم الحكومة أن يخدعونا بها ، وأن يجعلونا نعتقد أن النصر أصبح قاب قوسين أو أدنى . و عندما يدخلون رفح فإن الحدث الفعلي سيفقد أهميته . ربما يكون هناك اجتياح و ربما هناك شيء محدود في وقت ما قل في مايو . بعد ذلك سيروجون للكذبة القادمة أن كل ما علينا أن نفعله هو ......... (أكمل الفراغ ) و سيأتي النصر في الطريق . إن الواقع يقول أن أهداف الحرب لن تتحقق . وأن حماس لن يتم القضاء عليها . و أن الرهائن لن تتم إعادتهم عبر الضغط العسكري . و أن الأمن لن يعود .
و كلما تصيح الألسنة الناطقة باسم الحكومة (( إننا ننتصر )) فإنه يصبح جليا أننا نخسر . الكذب حرفتهم . أصبحت الحياة اقل أمنا مما كان عليه الأمر في 7 اكتوبر . إن النبذ الدولي لن يتوقف . وبالطبع لن يعود الموتى إلى الحياة ، و كذلك لن يعود عدد كبير من الرهائن .
بالنسبة لبعضنا فإن الحياة ستعود لطبيعتها مع خوف ممزوج بالرعب من تكرار وشيك للأمر . و بالنسبة للبعض الأخر منا فإن الحياة لن تعود إلى طبيعتها . و هؤلاء الناس سيعيشون بيننا كالموتى . نحن بحاجة إلى أن نعتاد الواقع الكئيب في وطننا.
-------------------------------
حاييم ليفينسون – هارتس
* ترجمة بتصرف: محمد أحمد حسن
من المشهد الأسبوعية