17 - 05 - 2024

ترنيمة عشق | جامعات الغرب تُلبي نداء غزّة

ترنيمة عشق | جامعات الغرب تُلبي نداء غزّة

بيتٌ عتيق؛ لكنه كئيب مظلم؛ يعيش فيه النّبلاء والخونة.. يتعاركون ليل نهار؛ النّبلاء يحاولون ترميمه والحفاظ عليه وينقشونه في ذاكرة أبنائهم رسمًا وحكايا، بينما المجرمون يريدون هدمه وبيعه ليتربّحوا الحرام من ورائه.

فجأة تتبدّدِ الظّلمة؛ وتنسل من بين طبقات اليأس -الذي يحوطنا مذ عقود- ثُلّةٌ تنكأ جرحًا نازفًا في عمق شعوبنا لتطهره رغم آلام الطّهارة، رفعوا صوتهم ونادونا: مَن لقضيتنا وقضيتكم يا عرب ؟ فكان ردّنا الصّموت عليهم آيتنا المخزية !!

في ذات الوقت؛ وعلى الضفّة الأخرىٰ من العالَم كان هناك مَن ينصت لصهيل النّداء؛ فلم تقف المسافات البحار عائقًا، شباب أحرار يلفهم الوعي؛ قرّروا الا يقفوا على هامش الأنين المنبعث من أحشاء الثّلة؛ كما فعل مثقفونا ونخبتنا وكبراؤنا.

شباب جامعيّ غض؛ لا تجمعنا بهم ملّة أو دم.. فقط وشائج نسَبٍ آدميّة، لبّى النّداء ليحمل قضيانا لمرافىء الإنسانيّة؛ واضعًا أصابعه في عين الظّالم ولو كان من بني جلدته؛ شباب استثنائيّ قرّر أن يشارك فلسطين آلامها، بل ويراهن على حلم ومستقبل ووجه مختلف لعالَمنا القبيح الذي هو من صنع قادتهم.

خيبات وخيبات سياسيّة ابتليَت بها القضيّة الفلسطينيّة رغم عدالتها، لكن المتحدثون باسمها كانوا دومًا لئامًا مأجورين، أحاطوها بأسلاكً وهميّة ملؤها الخُطب السّياسيّة الرّنانة؛ والعنتريّة الفارغة؛ حشْوها ألفاظ لاهبة لاهية.. فزادتها فشلًا على فشل.

من هنا وهناك تعالتِ الأصوات؛ بأنّ القضيّة يجب أن تُقدّم بصورةٍ إنسانيٍّة؛ كي يشعر بها الآخر؛ وتنال جواز العبور إلى إقناع العالَم بأسْره.. فكان "الطّوفان".

طوفان الإنسانيّة المطعونة والنّازفة؛ والمآسي التي تعرّض لها أهالينا في أراضينا المحتلّة؛ وسلاح الخسّة والعار الذي استخدمه الغاصب من قتلٍ وتشريدٍ وحصارٍ وتجويعٍ وتعطيشٍ وهدمٍ وحرقٍ وتهجيرٍ وبقر بطونٍ وإزهاق أرواح الأجنّة.

كان وجع الفلسطينيّ لغةً عالميّةً لا تحتاج ترجمةً ممّن يمتلك ذرّة إنسانيّة واحدة.. فوصلت الصّرخة لشباب جامعات الغرب؛ فتلقفوها؛ وانتفضوا يكشفون عورة التّوحش الدّوليّ وفساد المنظمات العالميّة والقوانين الوضعيّة.. وبُعد البشريّة عن القيم الأخلاقيّة الإنسانيّة.. بل والحيوانيّة.

وكأنّ فلسطين على موعد مع متحدث كفء يليق بنضال أبنائها، واقتضتْ حكمة المدبّر العليّ القدير أن يستبدل قومًا غيرنا -ولن يكونوا أمثالنا- ولنخسأ؛ ولنبقَ في حقارتنا التي صنعناها وارتضيناها.

وسائل التّواصل الجماهيريّ كان لها السّبق والفضل في تنبيه الوعي العالميّ والذّاكرة.. فالذّاكرة هي الحرب الحقيقيّة التي يخشاها عدونا الغاصب، فما بالنا بالذّاكرة العربيّة حال استنهاضها واستيقاظها فستصبح كالعاصفة لا يستطيع أحد مقاومتها كما يقول "واسيني الأعرج" المفكر الجزائريّ العالميّ، لأنّ البندقيّة غير المثقفة لا تجدي نفعًا كما كتب "إبراهيم نصرالله" المبدع الفلسطينيّ العالميّ.

فلسطين وطن غير مسموح بالخطأ في تاريخه، وأبناؤه حريصون على أن تبقى ذاكرتهم متوهّجة بقضيتهم وحقوقهم، ولأنّ عدوّهم أراد أن يقطع صلتهم بالعالَم العربيّ والإسلاميّ فقد عمل جاهدًا مذ أمدٍ بعيد على أن ينفرط العقد بين فلسطين وبيننا، بل وبين المجتمعات العربيّة بعضها بعضًا، فكان الفقر والمرض والجهل اسلحته الفتّاكة؛ وحملاته الإعلاميّة الشّعواء المستعرة لتشويه صورتنا وقضايانا وديننا وقيمنا وعاداتنا في نفوس شعوبنا قبل بقية العالَم؛ لنحتقر أنفسنا؛ فيسهل هدم أوطاننا.. بل وصوّرَنا في أذهان القاصي والدّاني أنّا أمّة دماء وإرهاب !!

في المقابل قصص وروايات -ما أنزل الله بها من سلطان- تُحاك ليل نهار عن "أسطورة" عدو لا يُقهر؛ يملك مفاتح القوّة والزّعامة والدّيقراطيّة والتّقدم بل والقيم الإنسانيّة !! زادت عليه علاقات حميميّة بينه وبين أوطاننا، ووسائل إعلام جبّارة تؤثر على السّياسيين عالميًّا بل وترعبهم وتفضحهم إذا لزم الأمر !!

وعي الشّباب بالقضية والحقوق هو ما نُراهن عليه دومًا؛ نُراهن على جيل قد ملّ الصّمت؛ جيل يرفض امتطاء خيول الوهم والجهل كما فعل سابقوه، أفكاره غير قابلة للسجن والقيود، جيل شاهد بعين البصر والبصيرة كيف أنّ المستحيل بات ممكنًا.. فسبعة أشهرٍ كاملةٍ غير كافيّةٍ !! لم يستطع فيها جيش يمتلك النّوويّ وخلفه عصبة من الدّول القويّة أن هزيمة قطاع غزّة بمساحته الضئيلة وسكانه القليلين الذين يستعصون على الكسر فعلًا !!

تسألني عن السّبب؟ أقول لك: هو الوعي.. هو الإيمان بالقضيّة.. هو النّضال العادل لأجل البقاء لا الإرهاب.. هو فلسطين الأرض المباركة.. مسرى النّبيّ.. سر الزّيتون وزهر البرتقال وسِحْر الفجر.. وعطر النّجوم.. ونوارسِ الشّطآن.

هو محبرة الدّموع وعصير الشّوق للمدينة المُشتهاة التي ترحل إليها العقول والقلوب.. لنجهش كلنا ببكاء الفرح الذي ننتظره.. فانتظروا معي زوارق العودة للدار.. للجدران المقدّسَة.. لصياح الدّيك مُعلنًا طلوع النّهار.
---------------------------
بقلم: حورية عبيدة

مقالات اخرى للكاتب

ترنيمة عشق | العَروس مُستوفيّة الشّروط لكنّها متزوجة !!





اعلان