17 - 05 - 2024

مؤشرات | الحد الأدني للأجور والشيطان في التفاصيل

مؤشرات | الحد الأدني للأجور والشيطان في التفاصيل

خلال عام ونصف العام قررت الحكومة زيادة الحد الأدني للأجور للعاملين في الهيئات الحومية وشبه الحكومية عدة مرات ليصل اليوم إلى 6 آلاف جنيه، مع تطبيق نفس النظام على القطاع الخاص.

إلا أن هذا الأمر لم ير النور في غالبية الشركات الخاصة، ولا حتى في مؤسسات مملوكة للدولة مثل المؤسسات الصحفية، ولا حتى الخاصة، ولا يكل ولا يمل نقيب الصحفيين ومجلس النقابة بالمطالبة بتطبيق الحد الأدنى، دون أدنى إستجابة من ملاك تلك المؤسسات، مبررين ذلك بعدم وجود إمكانيات مالية، ونفس الشئ في العديد من الشركات والمصانع الخاصة.

إلا أنه تبين وجود أسباب تضمنها قرار رفع الحد الأدني للأجور، وراء عدم فعالية القرار، وهو ما تعرض له بالتفصيل تقرير لمركز حلول لسياسات البديلة التابع للجامعة الأمريكية،، خصوصًا أن فعالية تطبيق قرار زيادة الحد الأدنى لأجور العاملين في القطاع الخاص إلى 6 آلاف جنيه، مقيدة بسبب سيطرة نسبة العمالة غير الرسمية، فضلًا عن قصور التركيز في زيادة الأجور بدلًا من الدخول الشاملة.

ومن بين الأسباب في عدم فعالية القرار الاستثناءات والخصومات التي احتوى عليها قرار الحد الأدنى للأجور والتي تنتقص من أي خطوات تنفيذية، فقد استبعد القرار المشروعات متناهية الصغر أي حوالي 3.7 مليون منشأة من تطبيقه لتوظيفها 10 أفراد أو أقل، وهو ما يحرم عددًا كبيرًا من العاملين من هذا الأجر لأن هذه المشاريع تمثل النسبة الكبرى من إجمالي المنشآت الإنتاجية في مصر.  

قرار زيادة الحد للأجور لا غبار عليه، وهو من الخطوات التي تسعى الحكومة من خلاله مكافحة الغلاء وإرافاع تكاليف المعيشة التي يعاني منها الغالبية العظمى من المواطنين، لكن كثيرا ما تأتي القرارات مفرغة من مضمونها لما تحتويه من ألغام، قد يكون تم تضمينها بحُسن نية، إلا أنها تمثل المدخل لهروب أصحاب الأعمال من اي إلتزام.

وفي التفاصيل لقرار زيادة الحد الأدني للأجور، توجد الكثير من المعوقات التي تقلل فعالية القرار ، والذي أتاح للشركات التقدم بطلب للحصول على استثناء في حالة تعثرها في تطبيق أرباح خلال فترة معينة، ليزداد عدد العاملين المستبعدين من القرار، كما تطبق الحكومة غرامات محدودة على المخالفين للقرار مما يصعِّب إلزام أصحاب الأعمال به.

ومن بين أبوااب عدم فعالية القرار بند الخصومات من الأجر، حيث شمل قرار الحد الأدنى الجديد قيمة اشتراك التأمين الصحي والاجتماعي وخدمات أخرى توفرها الشركات للعاملين، كما لن يكون الحد الأدنى للأجور معفى بالكامل من الضرائب طبقًا لتعديلات شهر فبراير 2024 التي رفعت الحد الأقصى لإعفاء ضريبة الدخل.

ولكن سيأتي من يقول، طالما هناك انتقاد لقرارات الحكومة، وأنتم وحسب المثل الشعبي "لا يعجبكم العجب ولا حتى الصيام في رجب"، فما الحل من جانبكم دام فضلكم؟.

يأتي تقرير "عدسة" بمركز حلول للسياسات البديلة، ليقول أنه في ظل تضخم الفئة العاملة خارج الأطر الرسمية، يمكن للحكومة النظر إلى فرص تطبيق الدخل الأساسي الشامل كحل عادل لضمان مستويات معيشة مناسبة وتحسين معدلات المساواة في الحصول على المتطلبات الأساسية للحياة.

ويلفت التقرير إلى تجربة في دولة نامية وفي وضع مصر، وتحديدا في إفريقيا، وهي غانا التي استخدمت هذا نظام الأجر الشامل، في صورة تحويلات نقدية غير مشروطة، قللت من المخاطر الاجتماعية وزادت فرص وصول المواطنين إلى الخدمات.   

وهناك إتفاق بين الخبراء ذوي الإختصاص بأن "الدخل الأساسي الشامل" يعد الأفضل لأن تحديد حد أدنى للأجور بهدف تحسين دخول العاملين في المناصب أو الوظائف الأقل أجرًا، يظل قاصرًا في تحقيق المرجو منه في الدول الفقيرة أو ما يُطلق عليها دول الجنوب لعدم تغطيته الفئات الأكثر احتياجًا وزيادة حجم الاقتصاد غير الرسمي.

ويبقى إلا أن نؤكد على أن زيادة الحد الأدني للأجور حل مهم لتحسين دخول المواطنين من الموظفين، وكذلك بالنسبة لأصحاب المعاشات، وقد زاد بالفعل بنحو 71% من 3500 إلى 8 آلاف جنيه، إلا أن الشيطان دائما يكمن في التفاصيل والتي كثيراً ما تجعل من أي قرار عديم المفعول، وإما أن تكون هناك إلزامية بالتطبيق لضمان عدالة الأجر، أو البحث عن حلول أخرى، من خلال نقاش مع أهل الإختصاص، .. وعبر الحوارات القومية الدائرة من وقت إلى آخر.
--------------------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | رسالة إلى رئيس وزراء مصر





اعلان