16 - 08 - 2024

"مقدمات طه حسين"وما يمثله عميد الأدب العربي من تيار فكري

صدر عن مجموعة بيت الحكمة للثقافة في القاهرة كتاب "مقدمات طه حسين"، من جمع وتعليق علي قطب. الكتاب جاء في ظل قيام عدد من دور النشر بإعادة نشر كتب طه حسين في ظل انتهاء حقوق الملكية الفكرية لمؤلفاته، وتميَّزت في هذا السياق الدار المصرية اللبنانية، التي قدمت طبعة مزوَّده بدراسات وتعليقات وافية، في حين ذهبت دار بيت الحكمة لمنحي مختلف، في الكتاب الذي نعرض هنا لمحتواه، وهو جمع كل المقدمات التي كتبها طه حسين لتقديم كتب رأى أنه يجب أن يساندها. وفي حقيقة الأمر نحن هنا أمام تيار فكري قاده طه حسين، وعبّرت عنه مقدماته لكتب الأخرين. فالكم الهائل لهذه المقدمات وتنوع موضوعاتها يضعنا أمام مفكر رأى أن يقود حراكا فكريا تجاوز فيه ذاته. 

وفي رأي علي قطب فإن طه حسين يمتد في مقدماته زمنيا، فتعيش أفكاره في نصوص أخرى، إذ يرسم لصوته مدارات جديدة تصله بقارئآخر. هنا يلتقط علي قطب شيئا مهما في شخصية طه حسين، هو قدرته علي كسب جمهور جديد خارج الدائرة التي اعتادت علي قراءته، فهو لم يحبس نفسه داخل مدرجات الجامعة؛ بل اشتبك مع الرأي العام عبر الصحافة وكتبه، فخلق أجواء من النقد والاتفاق حوله، وصار يتابعه من يحبه ومن ينتقده، فتحوّل لحالة من حالات المشروع الفكري الذي يثير الكثير من الجدل. 

اتبع علي قطب في هذا الكتاب الترتيب الزمني، واختار ذلك حتي يقدم لنا ما يشبه سيرة الحركة الثقافية من خلال صوت طه حسين. وفي السياق نفسه نرى طه حسين عبر نصف قرن في صحبة أصدقائه من المبدعين. فالترتيب الزمني، في رأي علي قطب، يناسب طبيعة السيرة والتطور. إن طه حسين لم يكن ذلك الذي يقدم كتابا وحسب، أو نصا يُقرأ فقط، بل يسرب ما لديه من أفكار عبر تلك المقدمات، ويكررها من مقدمة إلى أخرى، بصيغ مختلفة. فهو في كل محل يستخرج ما يتوافق مع منهجه. في مقدمته مثلاً لنظام الأثينيين، نراه يقسم القسم العملي في فلسفة أرسطاطاليس إلي أربعة أقسام علي النحو التالي:

 الأول؛ البحث عن الإنسان من حيث إنه جزء من جماعة سياسية، وهو هنا ينزع إلى الفلسفة السياسية .

الثاني: البحث عن الإنسان من حيث إنه فرد من جماعة له حقوق وعليه واجبات، وهذا هو علم الأخلاق. 

الثالث: هو البحث عن الإنسان من حيث أنه مفكر، وهذا هو علم المنطق. 

الرابع: البحث عن الإنسان من حيث إنه مفكر يريد أن يعبر عما يجول في خاطره، وهذا هو علم البيان. 

كان طه حسين مدركا أنه لابد أن يشد من عضد تلامذة الجامعة المصرية، فكتب مقدمة لأحمد بيلي عن دراسته للدكتوراه المتعلقة بحياة صلاح الدين الأيوبي، وهي من أوائل الدراسات المعاصرة في التاريخ الأيوبي. ومما نلاحظه الآن هو أن أحمد بيلي اختفي كباحث مرموق، بالرغم من أن كتابه ذاع وانتشر وطبع أكثر من مرة، وما زال يطبع. وهذه ظاهرة لم تدرس بعد، فيجب طرح تساؤل حول اختفاء عدد من الباحثين المصريين الذين تخرجوا في مراحل مبكرة من تاريخ الجامعة المصرية. طه حسين في مقدمته لهذه الدراسة كان متواضعا، فقد نعت تلميذه بأنه صديقه، وتمنى له التوفيق، وأشاد بأنه وُفِق إلي شيء من النفع كثير وكثير جدا. واستغل طه موضوع الكتاب ليربط الماضي بالحاضر فقد أدرك أن التاريخ حلقات ودروس نتعلم منها. طه حسين كشف أيضا عن وجه يرى الحضارة الإسلامية صامدة عبر الكثير من الإيجابيات، حينما ذكر ما يلي في مقدمته: "أظهر الدكتور بيلي في هذا الكتاب وجها من وجوه الشخصية المصرية التي حمت الحضارة مرات، فعصمت حضارة اليونان وفلسفتهم من الضياع، وصدت غارات الصليب عن الشرق وأهله، فاستبقت للحضارة الإسلامية حياتها وقوتها، ثم تصدت لهجمة التتار على هذا العالم الإسلامي أيضا، وكانت مصر آخر معقل أوت إليه آثار المسلمين العقلية والأدبية، فظلت فيها آمنة حتي أتيح لها هذا العصر الذي نحن فيه والذي أخذ يبعث فيها القوة والحياة". 

طه حسين كان ناقدا لتخلف المسلمين نعم، ولكنه كان يحمل للنتاج الحضاري لهم التقدير، وهذا ما سبق أن خلص إليه الدكتور عمار علي حسن مثلا في كتابه عن عميد الأدب العربي والذي حمل عنوان "بصيرة حاضرة". كان طه حسين مهموما منذ فترة مبكرة بجوهر التعليم وأهميته في بناء الأمم، لذا نجده في مقدمته لكتاب "روح التربية" لجوستاف لوبون الذي صدر مترجما في عام 1922، يدفع قاريء الكتاب إلى النقد والتحليل، وليس قبول كل ما طرحه المؤلف، فيقول: "فمن الحق أن تقرأ هذا الكتاب فنصل منه إلي نتيجتين اثنتين، كلتاهما قيمة: الأولى الشعور بهذه العيوب الكثيرة الخطرة التي تفسد التعليم في مصر خاصة وفي الشرق عامة، والثانية: العلم بالقواعد الأساسية التي يتخذها المصلحون المحدثون لتغيير النظم التعليمية على اختلافها وعلى اختلاف موضوعاتها وأطوراها". وجَّه طه حسين أيضا لنقد الكتاب وعدم قبول كل ما جاء به. 

والخلاصة هي أن طه حسين عبر صفحات هذا الكتاب يقدم لنا وجها آخر لطه حسين يساعدنا علي اعادة بناء رؤيتنا له كمفكر وكاتب أراد أن يبني ثقافة عربية معاصرة قوية. 

وتبقى الإشارة إلى أن علي قطب اختير "كاتب شهر أبريل بنادى الكتاب بالإمارات لعام ٢٠٢٤"، وهو كاتب ومهندس مصري من مواليد محافظة الغربية حاصل على درجة الماجستير في هندسة الري. وبالإضافة إلى كتاب "مقدمات طه حسين"، صدر له قبل أيام كتاب "الغناء والطرب فى أدب نجيب محفوظ"، وله أربع روايات هي: "كل ما أعرف، أنثى موازية، ميكانو، الانتظار"، ومجموعة قصصية بعنوان "ملخص ما سبق". كما كتب قصصا للأطفال في مجلتي "علاء الدين" و"قطر الندى"، وترجم قصة الأطفال "حكاية الأرنب بيتر" عن الإنجليزية. وله مقالات نقدية في جرائد ومواقع الكترونية منها: "مكة، القافلة، منشور، أدب ونقد، إضاءات، الأهالي". 

حصل على جائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب في أدب الطفل، وجائزة ساويرس الثقافية، وجائزة وزارة الشباب والرياضة، وجائزة إحسان عبد القدوس، وجائزة "اي ريد" للقصة التاريخية، وجائزة المجلس الأعلى للثقافة للمواهب الأدبية "دورة خيري شلبيط. وكرمه مركز عدن للدراسات بالتعاون مع المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي، وشارك في كتابة وإنتاج الفيلم القصير "روح أليفة" الذي حصل على أكثر من 15 جائزة في مهرجانات سينمائية دولية.