17 - 05 - 2024

د. جمال زهران: "طوفان الأقصى" أعاد هيكلة المنطقة وإسرائيل في طريقها للزوال (حوار)

د. جمال زهران:

الدكتور جمال زهران أستاذ العلوم السياسية في حوار ساخن لـ "المشهد" 
- الإجابه إيران وموقف مصر الرسمي مجرد علاقات عامة أو محايد
- المشروع الناصري هو الأهم والأقوى في مناهضة المشروع الصهيوني بالمنطقة
- الرئيس السيسي لن يعين نائباً له ومدبولي باقٍ في رئاسة الحكومة والتغييرات المقبلة شكلية

الدكتور جمال زهران كاتب سياسي مصري وأستاذ للعلوم السياسية بجامعة بورسعيد، شارك بالعديد من الأبحاث والدراسات العلمية في منتديات (داخل مصر وخارجها) وقدم فيها أكثر من مئه بحث علمي، خبير بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام وأستاذ زائر بأكاديمية ناصر العسكرية العليا وأستاذ محاضر بمعهد العلوم الإستراتيجية بالقاهرة. "المشهد" أجْرَت معه هذا الحوار:

* حدثنا عن نتائج وتداعيات طوفان الأقصى حتى الآن؟

 - حرب السابع من أكتوبر  - طوفان الاقصى - هي التي أطلقت نقطه التحول الكبيرة في إعادة هيكلة الإقليم بالكامل، وهناك بعض قِصار النظر الذين ينظرون إلي  الأمور باعتبارها أحداثا عادية،  من جانبي منذ البداية وأنا أنظر إليها نظرة واسعة وشمولية، من حيث أنه حدث في  الوقت الذى كنا نحتفل بالذكرى الخمسين لحرب 6 اكتوبر وكان الكيان الصهيوني يحتفل بانتصاره في أكتوبر وكان هذا شيء من الاستفزاز لنا ، وتلك الحرب رغم النصر فيها، لم تخلق واقعا جديدا بالنسبة للإقليم لأنها أوقعت مصر في شبكة التبعية للكيان الصهيوني وأمريكا والاستعمار، وهذا ماترتب عليه المعاهدة  المصرية الاسرائيلية ، وتم تقييد الدور المصري منذ ذلك الوقت وأصبحت ما هي إلا علاقات عامة، وليس لها ما يتفق مع تاريخ ومكانة مصر، مصر ذات المرجعية التاريخية  وليس جمال عبد الناصر فقط بل محمد علي وحتشيبسوت وهي سيدة حكمت مصر فترة من الفترات التاريخية منذ ما يقرب من 5000 سنه، وكانت تفكر كيف توفر العيش والأمن بالدولة المصرية، لأن مصر مستهدفة  منذ قديم الزمان ، لذلك استولت حتشبسوت على السودان واثيوبيا وأوغندا والهضبة واحتلت الصومال وباب المندب واليمن إلى الشام، ومعها فلسطين وسوريا ولبنان وأرض الحجاز، ونصف ليبيا ايضا وما يحكم مصر في مختلف المراحل التاريخية، اذ لم يكن الجيش في عقيدته الاحتلال ، لكن هناك إلزام ان يكون لديك سيطرة وهيمنة على تلك الدول لانها تسمى بالجوار الجغرافي، وما حدث في 6 اكتوبر عام 73 من مساعدات مختلفة من الدول العربية ، يدل ذلك على العروبة المصرية، وكان لابد أن يؤدي إلى تحرير فلسطين ولكن أدى الأمر بعد كامب ديفيد  إلى التبعية، والسادات تجاهل وجود قبول عربي، واستحب على أن يعمل حركة زعامية بمفرده، فنتج عن ذلك ضياع السلاح والمال وقبل حرب 7 اكتوبر - طوفان الأقصى -  دخلت قضية فلسطين وضع النسيان، طوفان الاقصى هو نقطة تحول خطيرة في مسيرة القضية الفلسطينية التي وصلت لمرحلة النسيان الاقليمي والدولي، والتآمر بين بنيامين نتنياهو وشركائه في نشر التطبيع مع الدول الخليجية ، وكشفت 7 أكتوبر جانبا آخر هو إمكانية تكرار المفاجأة الاستراتيجية التي تعلموها من حرب  6 اكتوبر وأيضا ضعف أجهزة المخابرات بالكيان الصهيوني، حيث تم كشف عوراته وجيشه وكسر أسطورة الجيش الذي لا يقهرمجددا.

* ما رأيك في رد فعل الكيان الصهيوني على طوفان الاقصى؟ 

- أولا إسرائيل في طريقها إلى الزوال ، وما حدث خلال الأشهر الستة الماضية يؤكد أن إسرائيل في بداية نهايتها حيث جاء رد فعل الكيان الصهيوني بأنه لم يقاتل المقاومة بل المدنيين العُزل، والملاحظات على الحرب المستمرة نحو 200 يوم دون انقطاع أنهم قتلوا ودمروا وخربوا وقاموا بتشتيت الفلسطينين وهدم المنازل - ما يقرب من 60% من جميع مباني غزة ومؤسساتها ومراكز الخدمة من المستشفيات والتعليم- وقتلوا نحو 35 ألف فلسطيني وأصابوا 75 ألفا، وهذه سلسلة من جرائم الإبادة سيحاسب عليها كل عنصر في حكومة نتنياهو أمام التاريخ أولا وسيحاكم أمام المحكمة الدولية يوما ما، ورغم ما حدث فهو يكشف صمود شعب غزة والمقاومة، وطوفان الاقصى بدا كي لا ينتهي إلا لتحقيق النصر الكامل وتحرير فلسطين وبيت المقدس وهي حرب استنزاف العدو الصهيوني، وهو يقتل والشعب يتحمل ويصمد ولكن المقاومة تستنزفه.

* ما تحليلك للخطاب السياسي لإسماعيل هنية؟

- الخطاب كان عن بداية المعركة ولم يتوقف، ولن يتوقف الا بتحرير بيت المقدس، فبالتالي تحليلي يتركز على الاستمرارية لأنها أساس تحقيق الهدف ، فعند توقف المقاومة سيتوقف تحقيق الهدف، ولهذا أقول إن قوة المقاومة في الاستمرارية، ونتوجه الى شيئين هما الدول الداعمة "للكيان الصهيوني" الذي أراه مشروعا أمريكيا استعماريا، وتم توريده بعد الحرب العالمية الثانية وزرعه لتحقيق هدفين، أولهما ألا يتحقق مشروع الوحدة العربية الذي كان السبب والدافع له هو الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وكانوا يخافون منه كثيراً ، حتى عندما ظهر اسمه من جديد قالوا لن نسمح بوجوده مره اخرى، والهدف الثاني ألا يحدث تقدم في المنطقة واستمرار السيطرة عليها بالكامل.

* ماهي الخطوات العملية لتحرير فلسطين في رايك؟

- أول خطوة في تحرير فلسطين، هى توحيد جميع المنظمات الفلسطينية التي تبلغ نحو 22 منظمة، والثانية بدء فتح ساحات لتخفيف العبء عن غزة لاستنزاف الجيش الصهيوني وفتح جبهات مختلفة، ومنها جنوب لبنان وسوريا في الجولان واليمن والجبهة العراقية وغلق طريق باب المندب، وللأسف توجد نظم عربية خادعة تعمل في خدمة الكيان الصهيوني وتحاول إنشاء طريق بري آخر بدلا من باب المندب، وهناك انكشاف للأنظمة التي تعمل لدى الكيان وبهدف حماية نفسها تنخرط في مشروع التبعية للاستعمار ، وهذه الصورة الأخيرة التي أصبحنا عليها الآن.

* ما تداعيات الرد الإيراني على إسرائيل بعد قصف القنصلية الايرانية في دمشق؟

أهم نقطة في موضوع الكيان الصهيوني هي استراتيجيته، القائمة على الانفراد بجبهة واحدة ويركز عليها لإحداث انتصار وهذه قاعدته، فعندما قامت مصر بالتنسيق مع سوريا لمجابهته قبيل حرب 67شنوا هجوما استباقيا على ثلاث جبهات واحتلوا سيناء والجولان، وكان ذلك نتيجة الأخطاء وغياب الوعي لدينا، ولكن الاستراتيجية بعد تلك الحرب أصبحت عدم تمكن جبهتين من التوحد ضده، ومع ذلك تفاجأ العدو الصهيوني بحرب 7 اكتوبر، والجبهة اللبنانية أثبتت أنه غير قادر على تحقيق النصر حتى إذا كان على جبهة واحدة، عقب الاستراتيجية السالفة ذكرها، وعند احتلال لبنان استطاعت بنفسها تحرير دولتها، وأصبحت منذ ذلك حائط صد للكيان الصهيوني، وتصور أنه سينتصر على الفلسطينيين ولكنه راى أن مواجهتهم شرسة، فقام بمواجهة رئيس محور المقاومة وهي إيران لتحقيق هدفين، فضرب القنصلية الايرانية، التي يوجد بها سبع قيادات كبرى من الحرس الثوري الإيراني بسوريا، والاعتداء على أرض ايرانية، وكان الهدف الآخر هو الدخول في مناقشة معها لاختبارها وتخويف كل الأنظمة العربية، وهذه رسالة للمطبعين العرب تدعوهم للاستسلام للمشروع الصهيوني الامريكي. 

وايران عند ضرب قنصليتها في دمشق كان أمامها احتمالان، سكوتها إلى وقت معين تحت فكرة الصبر الاستراتيجي أو أن تقوم بالرد،  وكنت من أنصار أن إيران ستوجه ضربة عسكرية بمختلف الاشكال للكيان الصهيوني، وقد حدث ذلك بالفعل، وهذا الحدث سيبقى تاريخيًا وقوه الدولة الايرانية انكشفت هنا، والقدرة العسكريه للجيش يجعلها رقم 11 على مستوى العالم، وذلك بدراستنا العسكرية والاستراتيجية، بينما العدو الصهيوني يحتل المرتبه 17 عسكريا.

* ماهي نتائج الضربة الايرانية على الكيان الإسرائيلي؟

- الضربة العسكرية وجهت رسالة للمطبعين العرب، بأننا من الممكن أن نضرب الكيان وآن الاوان ان تتخلصوا من تلك التبعية عديمة المعنى، والرد الايراني أحرج المطبعين العرب وهز هيبة الكيان وأسطورة الجيش لا يقهر، كما أعلنت صحيفة أمريكية ، ورصد أحد مراكز البحث أن 50% من القذائف الايرانية على الكيان قد اجتازت كل قواعد الدفاع الجوي الصهيونية، وأصابت أكثر من قاعدة من ضمنها قاعدة نفتالين، التي أطلقت منها طائرات لضرب القنصلية الايرانية وأيضا مركز الاستخبارات الصهيونية المتواجد في جبل الشيخ في الجولان، كما أدت – كما يؤكد رئيس الأركان الإيراني توقف إلى توقف أحد المطارات لما حدث به من أضرار حتى الآن. 

* كيف ترى الموقف الرسمي المصري حتى الآن من طوفان الأقصى ومن الرد الايراني؟

- باختصار أرى أن موقف مصر الرسمي لا يرتقي أن يكون أكثر من علاقات عامة ، او قُل موقفا محايدا.

* ننتقل إلى موضوع داخلي .. هل تتوقع تعيين نائب لرئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي ؟

لا أتوقع ذلك، فالرئيس السيسي لن يقوم بعمل أي تغييرات على الإطلاق والرئيس "مستريح" مع هذه النخبة من الحكومة والأشخاص المتواجدين على الساحة، وليس لديه حاجة إلى ضخ دماء جديدة في شرايين الحكومة ، لانها من الممكن أن تعكر صفو المشروع الرأسمالي المتوحش الذي يحكمنا، والذي يتمثل في صندوق النقد والبنك الدولي وصناديقه المتواجدة في العالم التي تدعم بالقروض، وأدت لدخولنا في تلك الدوامة التي لن نستطيع الخروج منها، فبالتالي ذلك المشروع والمتواجدين قاموا بالواجب ولا يلزم تعيين نائب للرئيس.

* هل تتوقع تغيير رئيس الحكومة د. مصطفى مدبولي؟

- لا أتوقع تغيير رئيس الحكومة ، مدبولي رجل مسالم يتسم بالطيبة، وأيضا يؤدي دوره كما ينبغي في ظل دعم النظام الرأسمالي، لأنني ضد ذلك النظام وأميل إلى التوجه الاشتراكي الناصري الذي يقوم على فكرة العدالة الاجتماعية، والآن يوجد تمييز كثير في كل شيء ولا توجد عدالة حتى في الأزمات توجد مناطق تنقطع بها الكهرباء، واخرى لا يحدث بها  ذلك، وهذا يسهم في التفكيك المجتمعي، وأتوقع تغيير بعض الوزراء الذين لا يمثلون أهمية كبيرة في النظام الرأسمالي،  لتحسين الشكل الخارجي فقط، وهناك انتهاك للدستور والشعار اليوم هو عدم احترامه، وأطالب النظام أن يحترم النصوص الدستورية.

* ما هي الآليات التي تقترحها لإحياء المشروع الناصري بشكل عام؟

- أولا دعني أقول أن المشروع الناصري هو المشروع الأهم والأقوي في مناهضة المشروع الصهيوني في المنطقة، المشروع الناصري هو مشروع متماسك وليس نظريا ، بل وجدت ترجمة له في الواقع الفعلي نحو 18 سنة منذ ثورة 52 وحتى عام 73 في مرحلة السادات، وعند الحرب تم التخطيط لضرب المشروع الناصري تدريجيا وحتى الآن، من حيث التخلص من شركات القطاع العام وتصفيتها مثل شركات الغزل والنسيج، والحديد والصلب أيضا، وتوجد حالة من العداء في الدولة العميقة بمصر ضد المشروع الناصري وإنجازاته، ولكننا نعلم أن كل ذلك نتاج ضغوط خارجية بقيادة السعودية ضد مصر، ولابد من تغيير السياسات الاقتصادية والاجتماعية المطروحة وأن تشعر الدولة الجمهور بالحماية الاجتماعية، وليس أن تعطيهمأموال صدقه، بل إنها حقوق والدولة لا تتصدق، وتفقد وظيفتها عند ترك مواطنين دون حماية، ولكن يحب أن يكون التعليم والعلاج بالمجان، وتوفير فرص عمل، هنا سيشعرون بالانتماء للمجتمع، ولذلك لابد من حرية الرأي وحرية ممارسة الأحزاب لنشاطها السياسي ، أيضا ومنذ بداية عهد السيسي طرحت مشروع إعادة تنظيم الحياة السياسية،  وقمت بكتابته وطرح أفكار نتيجة خوفنا على المجتمع والبلد والسياسات المتبعة حاليا، لأنها ستؤدي الى مصير مجهول وعنف وعدم استقرار. 

* ما هي الاقتراحات للوصول إلى دولة قوية ومتماسكة ؟

- لابد من عودة التعليم والعلاج بالمجان بأسس جديدة، ويلزم على الدولة أن تلعب دورا كبير في استعادة السيطرة على موارد الدولة وليس الصندوق السيادي، ووقف الإنفاق على مشروعات غير مجدية مثل القطارات والمونوريل وغيرها، لابد أن نقوم بإعادة التوازن للبناء الاجتماعي وتقوية الطبقة الوسطى، وهي عبارة عن  قاعدتي مثلثين مقلوبين، يوجد في الأعلى  أثرياء جداً وفي الأسفل فقراء جداً، والطبقة الوسطى كلما اتسعت تضمن استقرار المجتمع بشكل حقيقي.

 أيضا نشر الحرية السياسية، ولابد أن يكون المشروع بجناحين، جناح اقتصادي بسياسات اقتصادية جديدة، وليس بتغييرات للحكومة،  لأنها أصبحت بلا جدوى، والجناح الثاني هو السياسي عن طريق حركة سياسية واسعة وأن ترفع الدولة يدها عن الأحزاب السياسية والأمن ايضا، السياسة والأمن لا يجتمعان لأن كل شيء وله وظيفته، وكل من يرتكب خطأ فادحا يمثل جريمة، لابد من إيقافه ولابد من التخلص من الاتهامات المعلبة وتجاوزها وتعظيم حرية التعبير عن الرأي، وليس اتهامهم عند التعبير أمام نقابتهم، مثلما حدث مؤخراً من إعتقال لبعض المواطنين  أمام نقابة الصحفيين لمجرد أنهم هتفوا بالتضامن مع الشعب الفلسطيني في حربه ضد الكيان الصهيوني.
-----------------------------
من المشهد الأسبوعية







اعلان