30 - 06 - 2024

أحداث المنيا الطائفية

أحداث المنيا الطائفية

الأسبوع الماضى كانت هناك حوادث طائفية حدثت فى قرى الفواخر والكوم الأحمر بمركز المنيا، فقد تم حرق المنازل والاعتداء والسحق ومحاولة خطف بعض الأطفال وغير ذلك، وكان الادعاء لتبرير ذلك هو منع المصريين المسيحيين من بناء كنيسة !!!

فلم تقع مثل هذه الحوادث الطائفية منذ حوالى ثلاث سنوات، خاصة بعد صدور قانون بناء الكنائس الذى استتبعته عملية تقنين لكنائس موجودة سابقا بدون ترخيص.

نعم قانون بناء الكنائس كان مطلوبا وكان خطوة مهمة جدا فى إطار هذه المشكلة التى تفاقمت طوال تاريخ طائفي كان يعامل فيه المصريون المسيحيون كطائفة مثل طائفة الحدادين أو النجارين ...الخ وكان البطرك هو رئيس هذه الطائفة مثل أى رئيس لطائفة أخرى، نعم هذه المرحلة الطائفية كانت قد رسّبت فى الضمير الجمعى الطائفى حالة من حالات التمايز الاجتماعى فى صورة دينية كاذبة والأدعاء بحماية الدين فى مواجهة الآخر، كان هذا ولايزال نوعا من المتاجرة الرخيصة التى لايحتاجها الدين أى دين، فالأديان كلها لها رب يحميها. هنا لنا عدة ملاحظات :

أولا: القانون .. ودولة القانون يجب ألا تسمح ابدأ أن تقوم جماعة أيا كانت صفتها أو اسمها بتصرفات وسلوكيات همجية بديلا عن القانون ودولته. لأن هذا هو طريق الفوضى الحقيقية التى تهز أركان الوطن، وطن كل المصريين وليس وطن جماعة بذاتها.  

ثانيا: هذه المنطقة يسكنها مايسمون بالعرب أى التابعين لقبائل ليبية لهم تقاليدهم وعاداتهم التى يتمسكون بها بل يتمايزون بها على الجماعة المصرية !!! وكأنهم دولة داخل الدولة بل يصور لهم خيالهم المريض أنهم اكبر من الدولة.. وهنا نذكر بالحوادث المؤسفة التى تمت فى هذه المنطقة، ومنها الاعتداء على ضباط الأمن الوطنى والاعتداء على زوار دير الأنبا صموئيل.. ناهيك عن تكرار مثل هذه الأحداث الطائفية فى المنيا تحديدا، أليس هذا مبررا لأن تكون هناك نظرة أمنية خاصة لهذه المحافظة حيث توجد إضافة لهذه الجماعات القبلية جماعات سلفية وتنظيمات إسلامية، وتؤكد هذه الحوادث على تواجد تلك الجماعات بل تأثيرها المباشر عندما تريد أن تفعل ماتريد!!

ثالثا: يذكر هنا أن أهالى القرى من المصريين الشرفاء هم الذين قاموا بحماية الأطفال من الاختطاف، وهذه هى الشخصية الحضارية المصرية التى هى ثمرة ونتاج الهوية المصرية الجامعة والتى حافظت وسوف تحافظ على السلام الاجتماعى لمصر على الدوام فى مواجهة كل من لايريد للوطن الخير.

رابعا: هؤلاء كانوا قد استمرأوا فكرة مايسمى بجلسات الصلح العرفية التى هى نقيض للقانون بل هى الأداة الخطيرة لإسقاط القانون وإحلال الفوضى بديلا، فجلسات الصلح والعرفيات والقبليات هذه نماذج تهدد وحدة الوطن، وهنا لابد فى هذا الإطار أن نضع الأحداث المؤسفة التى تحدث حولنا فى ليبيا والسودان واليمن في اعتبارنا!  ولذا ينتظر الرأى العام المصرى (المحافظ على دولة القانون) القبض على المتهمين ومحاكمتهم .

خامسا: الطائفية والقضاء عليها لن يكون بشعارات (الإخوة الأقباط ...شركاء الوطن ... الخ ) وتقبيل اللحى ولكن بالقانون والقانون وحده.

سادسا: بتطبيق القانون نكون قد بدأنا الخطوة الأولى لتحقيق المواطنة الكاملة والحقيقية لكل مواطن مصرى أيا كانت صفته أو شكله أو جنسه أو دينه ..الخ .

سابعا: المواطنة هى خضوع أبناء الوطن بكل مسمياتهم للدولة، فلا طائفية ولا قبلية ولا عنصرية ولا دولة داخل الدولة لأي من كان، ولذا لا يستقيم على الإطلاق الإصرار وحتى الآن على معاملة المصريين المسيحيين وكأنهم طائفة تابعة للكنيسة!! فبعد أحداث المنيا ما معنى أن يقوم وزير الدفاع ووزير النقل بالاتصال باسقف المنيا؟ هل المسيحيون تابعون سياسيا وقانونيا ودستوريا لرعاية الأسقف ؟ أم هم أبناء الوطن وتابعون لوطنهم العزيز مصر؟ وهل الاسقف مسؤول سياسيا عن المسيحيين؟ وهل المواطنون المسلمون هم مسؤولية الأزهر مثلا ؟ المواطنون كل المواطنين وبلا تفرقة هم مسؤولية الدولة المصرية. وأذكر هنا فى تسعينيات القرن الماضى كانت هناك حادثة راح ضحيتها عشرات الشباب المسيحى، فوجدنا بعض الوزراء والمسؤولين يعزون الأنبا شنودة !! رفضت هذا فى مقال بجريدة الاخبار . وقبلها فى كتابى (من يمثل الأقباط الدولة أم البابا؟)  لأن هذا إسقاط لمواطنة المصرى المسيحى. لأن هذا قسمة للوطن، فهناك دولة لهؤلاء مسؤولة عنهم ودولة الكنيسة لأولئك مسؤولة عنهم . فوزير الداخلية ورئيس الوزراء هو المسؤول عن حادثة المنيا وليس أي أسقف.  

ثامناً: مجاملة رجال الدين المسيحيين فى مثل هذه الحوادث ليست مجاملة للمصريين المسيحيين، لأن ذلك هو تأكيد للتعامل الطائفى بل تكريس للطائفية ولمجاملة رئيس الطائفة الدينى. المواطن المصرى لا يعنيه تلك المجاملة التى تسقط حق المواطنة، ولكن مايعنيه هو تطبيق القانون وتحقيق المواطنة الحقيقية لكل المصريين فى دولة المصريين حيث أن مصر لكل المصريين. 

حمى الله مصر وشعبها العظيم من شر الطائفية وكل المتاجرين بالأديان هنا وهناك.
----------------------------------
بقلم: جمال أسعد 


مقالات اخرى للكاتب

ماذا يريد الشعب؟ (١٤)





اعلان