17 - 05 - 2024

الدكتور حمدي عبدالمنعم حسين.. سيرة ومسيرة وحديث ذكريات

الدكتور حمدي عبدالمنعم حسين.. سيرة ومسيرة وحديث ذكريات

أقيمت في رحاب كلية الآداب جامعة الإسكندرية ندوة لتكريم الأستاذ الدكتور حمدي عبدالمنعم محمد حسين بمناسبة بلوغه سن السبعين، وقد ازدحمت ردهات كلية الآداب بالمحتفين بأستاذهم الجليل بعد أن ضاقت القاعة عن استيعابهم، وكان يوما مشهوداً وهو بمثابة استفتاء وتقدير على محبة أستاذنا الغالي، وقد جاء الجميع من كل مكان في مصر من قنا وأسوان والوادي الجديد وأسيوط والفيوم ومرسى مطروح وطنطا وكفر الشيح والمنصورة.. بل جاء أحد الباحثين من الإمارات خصيصا لحضور هذه المناسبة ..حيث عبر الجميع شيوخاً وشباباً عن مشاعرهم تجاه أستاذنا الدكتور حمدي عبدالمنعم.. وقد أعد بهذه المناسبة كتاب تكريمي بهذه المناسبة في مجلد ضخم بلغت صفحاته قرابة الألف صفحة وقد حرره الصديق الفاضل الأستاذ الدكتور محمد عبدالسلام أستاذ ورئيس قسم التاريخ في كلية الآداب جامعة الوادي الجديد.. في أبحاث سبرت أغوار شخصية الدكتور حمدي عبد المنعم ومشواره الفكري الذي استمر قرابة نصف قرن قضاها في محراب التاريخ يساهم في تنمية الوعي والمعرفة بالتاريخ الإسلامي في كل حقبه، وقد كان الدكتور حمدي عزوفا عن الكلام عن نفسه وعن الإدلاء بأحاديث صحفية أو إذاعية أو تليفزيونية.. وكم حاولت على مدار عشرين عاما مذ عرفته أول مرة ولم أنجح إلا مؤخراً..   

ويُعَّد الأستاذ الدكتور حمدي عبدالمنعم محمد حسين، أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية الآداب جامعة الاسكندرية، واحداً من رواد مدرسة جامعة الإسكندرية التاريخية والتي تميزت بدراساتها في تاريخ المغرب والأندلس، بما أنجزه من أبحاث علمية رائدة في هذا المجال، وقد تميزت بالعمق، خصوصاً وأنه من أخلص تلاميذ العلامة الكبير الدكتور السيد عبد العزيز سالم، والذي أشرف عليه في رسالتيه للماجستير والدكتوراه.. وقد تعرفت عليه قبل عقدين من الزمان عندما وقعت في عشق هذه  المدرسة العريقة، وحاولت أن أتعرف على رموزها الأجلاء من أمثال: الدكتور جمال الدين الشيال، والدكتور السيد عبد العزيز سالم، والدكتور أحمد مختار العبادي، فكنت اتصل به على الدوام ويحكي لي الكثير عنهم وعن منجزاتهم، ثم قابلته أول مرة في مؤتمر "الحضارة الإسلامية في الأندلس- دورة الدكتور أحمد مختار العبادي"، الذي عقد في رحاب مكتبة الإسكندرية في منتصف شهر نوفمبر 2016، وتحدثت معه كثيراً خلال زياراتي العديدة لمدينة الإسكندرية.. كنت ألتقيه، وأتجاذب معه أطراف الحديث، وقد أمدني بالكثير عن حياته ومنجزاته. 

ولد حمدي عبدالمنعم محمد حسين بمدينة الإسكندرية عام 1953، لأسرة تنتمي إلى صعيد مصر من ناحية الأب والأم، وإن كان والده قد ولد في مدينة الإسكندرية، فالأب يعود بجذوره إلى قرية "موشا" بأسيوط، والأم إلى إحدى قرى محافظة سوهاج.. 

تعلم حمدي عبدالمنعم في مدارس الإسكندرية في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية وحصل على الشهادة الثانوية عام 1971، ثم أراد أن يلتحق بكلية الشرطة وقدم فيها أوراقه، إلا أنه لم يوفق في القبول، فولى وجهته إلى كلية الآداب جامعة الإسكندرية واختار قسم التاريخ والآثار المصرية والإسلامية، ليتلقى العلم على رواد كبار في كل شعب التاريخ القديم والوسيط والإسلامي والحديث، وكان يحرز الدرجات العليا كل عام وتخرج بتفوق عام 1975، ومن أشهر أبناء دفعته، الأستاذ الدكتور كمال السيد أبو مصطفى، والأستاذ الدكتور إبراهيم خميس، والأستاذ الدكتور عزت زكي قادوس، والأستاذة هدى الشيال ابنة المؤرخ الكبير الدكتور جمال الدين الشيال، ثم عُيِّن معيداً بالقسم عام1975م، وأكمل دراساته العليا، واختار مجال تاريخ المغرب والأندلس أسوة بكبار أساتذته، أمثال: الدكتور أحمد مختار العبادي، والدكتور سعد زغلول عبدالحميد، والدكتور السيد عبدالعزيز سالم، وقد حصل على الماجستير في رسالة بعنوان: "دولة على بن يوسف المرابطى فى المغرب والأندلس" من كلية الآداب بالإسكندرية، بإشراف أ.د السيد عبد العزيز سالم 1980، ثم ترقى إلى درجة مدرس مساعد 1981، ثم حصل على الدكتوراه بعنوان: "مجتمع قرطبة فى عصر الدولة الأموية فى الأندلس" من آداب الاسكندرية أيضاً وبإشراف أ.د السيد عبد العزيز سالم، 1984، ثم ترقى إلى درجة مدرس، ثم أستاذ مساعد 1990، ثم حصل على درجة الأستاذية عام 1995، ثم عين رئيساً لقسم التاريخ والآثار المصرية والإسلامية كلية الآداب جامعة الإسكندرية من عام 1996 إلى عام 2000.

في عشق المغرب والأندلس:

اشتهرت مدرسة جامعة الإسكندرية بتميزها في تاريخ المغرب والأندلس- كما ذكرنا - منذ تأسيس كلية الآداب وقسم التاريخ بها عام 1938، على يد المؤرخ الكبير عبد الحميد العبادي، وكتابه المؤسس "المجمل في تاريخ المغرب والأندلس"، وقد حاضر بها المؤرخ الفرنسي الكبير "ليفي بروفنسال"، وألقى سلسلة محاضرات قيمة قام على ترجمتها تلميذه الدكتور محمد عبدالهادي شعيرة، ثم جهود الدكتور الشيال، ثم تسلم الراية بعد ذلك جيل يعد بحق المؤسس الحقيقي لهذه المدرسة العريقة بما له من جهود جبارة امتد أثرها في مصر والدول العربية، وهم الأساتذة: سعد زغلول عبد الحميد، وأحمد مختار العبادي، والسيد عبد العزيز سالم، ثم جاء بعد ذلك تلاميذهم الذين انتشروا في الآفاق من أمثال: محمد أحمد أبو الفضل، أحمد محمد الطوخي، وحمدي عبدالمنعم – موضوع مقالنا- وكمال أبو مصطفى، وغيرهم ...

عشق الدكتور حمدي عبدالمنعم هذا المجال، وقرر أن يكمل المشوار فيه، متأثراً بأستاذه الدكتور السيد عبد العزيز سالم، وقد امتلك أدواته، فتعلم اللغة الإسبانية في المعهد الإسباني بالإسكندرية، وسافر في رحلات علمية عديدة إلى إسبانيا، وطاف في أرجائها واطلع على المخطوطات والوثائق، والمدونات الإسبانية وكتابات المستعربين، وتلقى عنهم العلم مباشرة وصادق معظمهم.. وتكون له زاد وفير أعانه في كتبه وأبحاثه فيما بعد، وكما ذكرنا- تخصص منذ البداية في تاريخ المغرب والأندلس، فكانت رسالته الأولى عن على بن يوسف بن تاشفين الذي ورث مملكة ممتدة الأطراف في المغرب والأندلس، وقد عانى الدكتور حمدي في جمع المادة العلمية؛ لأن المرابطين رغم كفاحهم في نشر الإسلام في ربوع المغرب وإنقاذ الأندلس من السقوط الذي كان قاب قوسين أو أدنى، ورغم هذا فقد تعرضوا لإعصار الموحدين الذين استأصلوا شأفتهم كما فعل العباسيون مع الدولة الأموية في المشرق عام 132هـ ، ورغم هذا فلم ييأس ومضى في سبيل البحث قدماً، واعتمد على ما توفر لديه من المصادر العربية تاريخية، وجغرافية، وأدبية، كما اعتمد على المراجع الحديثة سواء العربية منها والأوربية التي تناولت تاريخ المرابطين من قريب أو بعيد.. ووضع أمام نصب عينيه منذ البداية أن يتعرض للتاريخ السياسي والحضاري في عصر على بن يوسف بن تاشفين.

   وفي رسالته للدكتوراه والتي جاءت تحت عنوان "مجتمع قرطبة في عصر الدولة الأموية في الأندلس 138-422هـ/756- 1031م"، تناول الدكتور حمدي عبدالمنعم دراسة المجتمع القرطبي خلال الفترة من قيام الدولة الأموية في الأندلس حتى سقوط الخلافة في قرطبة، وكانت دراسة تاريخ المجتمعات الإسلامية حدثاً فريداً وقت إعداد الدكتور حمدي لرسالته التي انتهى منها عام 1984، وكان جل الرسائل تتناول التاريخ السياسي والعسكري، حتى أن المؤرخين القدامى ركزوا على هذه الجوانب وأهملوا تاريخ الشعوب والمجتمعات اللهم من شذرات وجدت عرضاً في سياق سرد التاريخ السياسي وتاريخ الحروب والغزوات وتاريخ الملوك .. وقد دفعه إلى دراسة هذا الموضوع الإحساس بالدور العظيم التي لعبته مدينة قرطبة على مسرح الأحداث التاريخية في التاريخ الإسلامي بصفة عامة والتاريخ الأندلسي بصفة خاصة، وكالعادة يلجأ الدكتور إلى موضوعات بكر ومن الصعوبة بمكان، فقد ندرت الكتابات حول هذا الموضوع، وساعده السفر إلى إسبانيا في منح دراسية من المعهد الإسباني، ثم إيفاده إلى بعثة إشراف مشترك، قد هيأ له الاقتراب كثيراً من الأماكن التي دارت فيها الأحداث، ثم توالت كتبه وأبحاثه بعد ذلك وتناولت تاريخ المدن، والأسرات، والظواهر الاجتماعية، والشخصيات التي أثرت على مسرح الأحداث، مثل "أضواء جديدة حول ثورات طليطلة: فى عصر الإمارة الأموية"، و"دولة بنى برزال فى قرمونة [404-459 هـ./1013-1067 م.]"، و"مدينة سلا فى العصر الإسلامي: دراسة فى التاريخ السياسي والحضاري"، و"ثورات البربر فى الأندلس فى عصر الإمارة الأموية: (138 - 316هـ / 756 - 928م)"، و"التاريخ السياسي لقلعة رباح ودورها فى حوادث الصراع بين المسلمين والنصارى"، و"فارس الأندلس غالب الناصري ودوره فى حوادث المغرب والأندلس"، و"ظاهره الزواج السياسي في الاندلس في عصر الدولة الأموية"، و"واضح الفتى الصقلبي ودوره فى حوادث الفتنة القرطبية".

    وكما له العديد من الكتب التي تناولت حقب التاريخ الأخرى في المشرق الإسلامي وكانت مصر في القلب من هذه الكتب ومن هذه الكتب نذكر، "محاضرات فى تاريخ الأيوبيين والمماليك"، و"نصوص تاريخية"، و"دراسات فى تاريخ الدول الاسلامية"، و"تاريخ الجزيرة العربية"، و"محاضرات في تاريخ مصر الاسلامية"،وغيرها.. 

 وقد أشرف الدكتور حمدي عبدالمنعم على عشرات رسائل الماجستير والدكتوراه في مصر والدول العربية ، وكذلك شارك في العديد من المؤتمرات في مصر والدول العربية..

هذا قليل من كثير عن شيخ مؤرخي جامعة الإسكندرية وجهوده لا يمكن أن تحصى في مقال.

 الدكتور حمدي عبد المنعم ومحطات بين مصر والأندلس:

ونختم كلامنا عنه بجزء من حوارنا المطول معه وحدثنا فيه النشأة والتكوين وتعلمه ورحلته إلى الأندلس وعلاقته بالمستعربين هناك وموضوعات أخرى:

*حدثني عن النشأة وكيف كان لها الأثر في حياتك العلمية فيما بعد؟

- نشأت في حي القباري بمدينة الإسكندرية، والحي ينسب إلى العارف بالله سيدي القباري وهو من مشاهير علماء الإسكندرية في العصر المملوكي. كان معاصرا للسلطان بيبرس وجاء من بلاد المغرب إلى الإسكندرية واستقر في هذه المنطقة، وأنشأ بستاناً عاش فيه حتى مماته، وقد زاره في هذا المكان الظاهر بيبرس مرتين وكان يستشيره في بعض أمور الدولة .. 

أما عن الميلاد فقد ولدت في أسرة بسيطة متوسطة الحال عام 1953، كان الوالد يعمل سائقاً في هيئة السكك الحديدية، وتمتد الأسرة بجذورها إلى صعيد مصر، الوالد ينتسب إلى موشا بأسيوط والوالدة إلى إحدى قرى محافظة سوهاج، ونشأت في أسرة مكونة من الأب وثلاث من البنات، وكان ترتيبي الرابع بينهم، ولم تكن الوالدة على قدر من التعليم، وكان همها في الدنيا أن يواصل هذا الابن الوحيد تعليمه، وبالفعل كان الدور الأول والأكبر في حياتي يعود إلى هذه الأم. 

بدأت حياتي الأولى في كتاب من كتاتيب هذه المنطقة الشعبية، ثم انتقلت إلى المرحلة الابتدائية في مدرسة جبل الزيتون الابتدائية بحي القباري، ثم مدرسة طاهر بك الإعدادية بحي الورديان المجاور لحي القباري، ثم مدرسة الورديان الثانوية في نفس الحي، ومنها التحقت بكلية الآداب جامعة الإسكندرية بقسم التاريخ حيث قضيت سنوات الدراسة الأربعة وتخرجت عام 1975 وعينت في نفس العام معيداً في تخصص التاريخ الإسلامي.

*ما الدوافع التي جعلتك تختار مجال التاريخ؟

كنت شغوفاً بحب التاريخ من خلال والدي الذي كان مهتماً بتوفير الكتب التاريخية والصحف اليومية مما أحببني في دراسة تاريخ بلدي، وكان أملي أن أتخصص في التاريخ الحديث والمعاصر لولا أن أساتذتي فضلوا أن أتخصص في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية وسجلت رسالتي للماجستير تحت إشراف أستاذي المرحوم الدكتور السيد عبدالعزيز سالم، واتبعت ذلك في دراسة الدكتوراه في موضوع "مجتمع قرطبة في عصر الدولة الأموية في الأندلس" بعد أن حصلت على بعثة الإشراف المشترك بين جامعة الإسكندرية وجامعة مدريد المركزية، وسافرت إلى إسبانيا لمدة عامين تحت إشراف مشرف إسباني يدعى خواكين بلبي، ثم عدت من مدريد بعد أن انتهيت من دراستي للدكتوراه وتمت مناقشتها عام 1984. 

* وما هي ذكرياتك ذكريات عن الأندلس؟

- الأندلس من أجمل الأماكن التي يتمنى الإنسان أن يشاهدها، لأنها تضم جوانب من الحضارة العربية الإسلامية، يكفينا فخراً مسجد قرطبة الجامع ومساجدها المختلفة، وأسوار المدن الإسبانية القديمة، ومدينة غرناطة وأهم مشاهدها قصر الحمراء جنة الله في الأرض..

الأندلس تعطينا المثل والقدوة تجعلنا نتذكر دائماً أن وحدة المسلمين في قوتهم وأن الخلاف هو الذي أضاع هذه البلاد ونتمنى أن تعود الأندلس وتعود مشاهدها الجميلة نتمتع بها ونتذكر مجد الإسلام على أرضها. 

*ما شعورك عندما وطئت أقدامك أرض الأندلس؟

-عندما وطئت أقدامي أرض الأندلس شعرت في البداية بالغربة، ولكن بعد قليل أحاطني الكثيرون بالحب والرعاية، ولعل أبرزهم الأستاذ الدكتور صلاح فضل المستشار الثقافي ومدير المعهد المصري للدراسات الإسلامية بمدريد، وكان نعم الأستاذ والعالم.. منحني من وقته ومن جهده الكثير، وأشعرني بروح الأخوة بين أخ كبير وأخ أصغر.. هذا فضلاً عن وجود العديد من الزملاء المصريين: الدكتور أبو همام عبداللطيف عبدالحليم أستاذ الدراسات الأدبية في كلية دار العلوم والشاعر الكبير، الذي حضرت مناقشته للدكتوراه في مدريد، وكان منهم صديقي وزميل دفعتي الدكتور كمال السيد أبو مصطفى، وكنت أسكن معه في نفس الحجرة في مدريد وكنا لا نفترق أبداً فهو نعم الرفيق والصديق، وغيرهم من الطلاب المصريين والعرب الذين كنا نجتمع ولاسيما في شهر رمضان المبارك. 

كان هناك نوع من المحبة والدفء والحنين ولاسيما مع أعضاء السفارة المصرية والملحقية الثقافية والمعهد المصري وغيرهم .. 

*مع المستعربين الإسبان؟

-أحمل عاطر الذكريات للأساتذة الإسبان المستعربين الذين أحبوا التاريخ والحضارة الإسلامية لدرجة العشق وكانوا يحملون في قلوبهم حباً وتقديراً للإسلام رغم أنهم مستشرقين، وكانت لديهم قدرة على تفسير النصوص التاريخية وقراءة الكثير من المخطوطات في لغتها الأصلية وقدموا خدمات جليلة لدارسي التاريخ والحضارة الإسلامية من أمثال: أستاذي خواكين بلباس ودراساته المتعدة في مجال التاريخ الإسلامي، وهو امتداد للمستشرقين الكبار الذين خدموا التراث الأندلسي أمثال المستعرب الكبير والأديب اميليو غرسيه غومث، وبيدرو مارتنيث مونتابيث، وفيديركو كورينتي وخوسيه ميجيل بيلشيت وغيرهم.. أما غرسيه غومث فهو أستاذ المستعربين وأشهرهم على الإطلاق وقد التقيت به كثيراً، هذا الأديب الرائع الذي أشرف على العديد من الطلاب العرب وقدم دراسات رصينة في الأدب والتاريخ الأندلسي، وترجم عيون التراث الأندلسي مثل "طوق الحمامة" لابن حزم، و"رايات المبرزين" لابن سعيد، كما ترجم أيضاً الأعمال الفكرية والأدبية لرواد النهضة العربية المعاصرة، أما بيدرو مونتابيث والذي رحل مؤخراً فقد كان وثيق الصلة بالشرق العربي والإسلامي وعاش فترة طويلة في مصر، والتقيته في مدريد..  

*هل تحرر المستعربون من التعصب؟

بالتأكيد تحرروا وكانوا يملكون الحيادية في دراسة التاريخ وتفسيره دون تعصب كما كان يحدث في الماضي، حتى في كتاباتهم عن أبناء جنسهم.

* هناك مدراس أخرى غير المدرسة الإسبانية في دراسة تاريخ وحضارة المغرب والأندلس حدثنا عن بعضها؟

- نعم هناك المدرسة الفرنسية ولكن تميزت في مجال الآثار، بدليل أن أستاذنا الدكتور السيد عبدالعزيز سالم أخذ الدكتوراه من السوربون، وكذلك أستاذنا الدكتور سعد زغلول عبد الحميد، والمدرسة الفرنسية مدرسة عريقة تأتي أهميتها بعد المدرسة الإسبانية مباشرة، فقد اهتمت بالمشرق الإسلامي كله وبتراث الفرس ولم تقتصر على جهة بعينها كما هو الحال في المدرسة الإسبانية التي تخصصت فقط في دراسة تراث المغرب والأندلس، وقد قدمت المدرسة الفرنسية في مجال المغرب والأندلس العديد من الأعلام أمثال: أرنست رينان وله كتاب ضخم عن "ابن رشد والرشدية"، وقد لقب هو وأتباعه بأبناء المدرسة الرشدية، ولن ننسى المستشرق الكبير ليفي بروفنسال وله دور عظيم في خدمة تاريخ المغرب والأندلس بما ألفه من أبحاث وكتب مفيدة جداً وبما حققه من تراث عظيم، وقد زار مصر مرات عديدة، وألقى محاضرات في كلية الآداب جامعة الإسكندرية عام 1948 وقد ترجمها الدكتور شعيرة .. وقدمت هذه المدرسة المستشرق الكبير هنري بيريس صاحب كتاب "الشعر الأندلسي في عصر الطوائف" والذي ترجمه الدكتور الطاهر أحمد مكي. 

*حدثنا عن دور مدرسة الإسكندرية في دراسة تاريخ وحضارة المغرب والأندلس؟

- هي المدرسة الأم بين الجامعات المصرية والعربية منذ أسس لها الأستاذ عبد الحميد العبادي، ثم حاضر فيها ليفي بروفنسال خلال عام 1948، ولا ننسي دور العالم الجليل الدكتور أحمد قدري، وأستاذنا الدكتور أحمد مختار العبادي، وكان من الرعيل الأول الذي ابتعث إلى إسبانيا في البعثة الأولى التي ضمت أحمد هيكل، ومحمود علي مكي، وعلية العناني، ولطفي عبدالبديع، وهناك دور الدكتور السيد عبد العزيز سالم الذي جمع بين دراسة الآثار تخصصه الرفيع في الأساس ودراسة التاريخ والحضارة، ثم استمرت المدرسة تؤدي دورها على مدار سبعة عقود ومنها تخرج العشرات من الأساتذة في مصر والدول العربية. 

*ماذا يعني لك هذا التكريم بمناسبة بلوغك سن السبعين؟

- ختاماً لسبعين عاماً منها خمسون عاماً من العطاء داخل كلية الآداب، أنجزت عبر هذه السنوات أكثر من 350 رسالة ما بين مناقش ومشرف، كما قمت بترقية العشرات لدرجة أستاذ وأستاذ مساعد في كل الجامعات المصرية، وقمت بالتحكيم في المجلات العلمية داخل مصر وخارجها. ولا يفوتني أن أشكر الشعور الجارف من الزملاء والأبناء الذين غمروني بعطفهم في هذا التكريم ولهم مني جزيل الشكر. 
------------------------
بقلم: أبو الحسن الجمال 
*كاتب ومؤرخ مصري 






اعلان