22 - 06 - 2024

"الفواخر" بالمنيا جريمة كراهية أم إرهاب؟

يحاول الباحثون الاتفاق علي مفهوم ما لوصف ما حدث في قرية الفواخر بالمنيا، والذي يعد مشينا في كل الحالات، فهناك فرق بين اعتباره حدثا جنائيا بشكل طائفي وبين الحدث الإرهابي الذي يأخذ أبعادا أكثر طائفية، ومنه الإرهاب الحركي والفكري ويظهر بشكل واضح في الوجه القبلي والقرى التي يجب أن يعاد النظر في الملف الطائفي برمته فيها.

تحاول الجماعات المتطرفة إعادة تدوير نفسها عن طريق كسب تعاطف للأعمال الإجرامية التي ترتكبها بحرق دور العبادة، ومنها بث إشاعات وفتن تتعلق بطبيعة البيت الذي حوله أقباط القرى للصلاة فيه، أو من خلال شرعنة حرقه إذا كان دون ترخيص أو من خلال اعتبار أن الأنبا مكاريوس قد اتخذ قرارا منفردا بفرض أمر واقع علي كل القرية حتى لو كانت أوراق دور العبادة قيد البحث، ورأينا أصواتا تعلو بأن هناك كثرة من الكنائس بالنسبة والتناسب في الفترة الأخيرة مقارنة بما سبق، وكثيرا ما يميل المسؤول الأمني إلى اعتبار ذلك المشهد محاولة من طرف لاستخدام سياسة  ليّ الذراع، في حين أن هناك تحريض واضح من عرب القرية على مسمع ومرأي من الجميع، ويغض البصر عن الكثير من الجوانب الأخرى، ولذلك أصبح يشارك بجزء من المسؤولية ترتقي لكونها تقصيرا في مواجهة التطرف وتهيئة الأجواء ونشر مخبرين بالمكان وإرسال حشد أمني من القوات وسيارات إسعاف والمطافي وتقدير كامل للموقف، وأيضا مكافحة المنشورات التحريضية باستدعاء عمدة او كبار المنطقة لعمل لقاءات مع الأهالي المعترضين بديلا عن استغلال الأحداث وتأجيج الصدام ، حتي حدثت أسوأ واقعة في بداية الولاية الثالثة للرئيس السيسي، كما يتم الاعتماد دوما على تحليل الاستخبارات المتقدم واستخدام الخوارزميات لتحديد الأنماط القابلة للتطرف والتهديدات المحتملة، ولكن أصبحت فكرة وجود حيز داخل البلاد لا تستطيع القوات وصوله في مدة زمنية سريعه لتترك فراغا أمنيا فادحا في ظل منظومة البنية التحتية المتجددة وشبكه الطرق، باتت غير مقبولة وتتنافى مع جاهزيته، مما يهيئ الأجواء لتعزيز فرضية أن الحل الأمني ليس الإجابة المنتظرة، بالرغم من تطبيق نفس الحل في الملف الاقتصادي ومطاردة السوق السوداء وسوق الذهب، ولم يكن هذا الخيار مناسبا إلا أنه أتى بثماره علي المدي القصير.

الحقيقة نحن بحاجة لطرح تساؤلات مع التأكيد أن الأقباط هم حلقة ضمن خمسة قوي مستهدفه لوقوفها باستمرار مع النظام، فلماذا سقطت القرية من تنفيذ المشاريع القوميه بها؟، ولماذا أصبح ولاء الأهالي للعشائر والقبائل وليس لسلطة الدولة، وكيف سمحت الدولة في غفلة من الزمان بتجمع ٥٠٠ شخص بأسلحة نارية، وربما تتوجه سهامهم إلي مبني مديرية الأمن أو ما شابه في المستقبل القريب، ولذلك فما يحدث يظل معضلة أمنية أكثر من كونه تطرفا، ومن المؤكد وجود أهداف أخرى خفيه تتعلق باستهداف المشروع الرئاسي للرئيس السيسي في ملف المواطنة والمرأة، فنجد السطو علي ذهب الأقباط حتي شمل أقراط الفتيات في المدارس، وذلك يتشابه مع مشروع الهجوم علي محالّ الذهب في نهاية الثمانينات، فعلينا بحث استخدام نفس الأيديولوجية ونقلها للقري، وهناك أيضا أسباب خفية تتعلق بأراضي الاقباط والتربص بهم، وتخطيط كامل لكل بعد في العملية.

ولو نظرنا إلي توصيات المؤتمر الدولي الأول لمركز سلام لدراسات التطرف برعاية رئاسه الوزراء، نجد أنه يجب تطوير مجال دراسة ومكافحة التطرف والإرهاب وتنسيق الجهود والتشبيك بين المؤسسات الدينية وصناع القرار لتشمل القري أيضا، حتي نرى مجهود الدولة في وضع ضوابط حول المتصدرين للخطاب الديني والتغلغل نحو كتب التنظيمات مثل فكر المقاومة الشعبية، وهل يتفق مع الشريعة، وتنظيم ورش عمليه للتوعية بمخاطر التطرف ومناقشة منطلقاته الفكرية وتفكيك منظومة أفكاره، حتي لو من خلال مسابقات دورية ورصد مكافآت تشجيع للأعمال الدينية الموجهة لمكافحة التطرف مع العمل علي تخفيف حدة تحورات الفكر المتطرف علي منصات التواصل الاجتماعي بديلا عن تغذيته بواسطة باحثين ويوتيوبرز يبثون السموم، وتنقية الكادر التعليمي وخاصة موقع التدريس والتربية وعمل لجان تشرف عليها جهات دينية وتعليمية وتربوية للنظر في استراتيجية إعداد المناهج التعليمية لنشر ثقافة التعايش السلمي ومبادئ التعايش بين الأديان، والتخلص من التخوفات التي تحيط برجل الدين في المواجهة مع الأغلبية من حاملي الفكر الملوث، ولكن لم نر تحرك وزارة التربية والتعليم تجاه مدير المدرسة الابتدائية بالقرية والذي قام بالتنمر علي بعض الفتيات القبطيات وطرد ذويهم، فإن كانت المؤسسات الدينية معنية بمواجهه التطرف، فإن من الضروري أن تصبح مكافحة الارهاب مسؤولية الدوله والمجتمع كله باستراتيجيات متسلسلة أيضا للتعامل مع التوترات الطائفية بفاعلية وتحقيق الاستقرار الاجتماعي.

لا ينطوي الإرهاب على العنف فحسب، بل يشتمل أيضا على إيصال الرسائل الأيديولوجية والحرب النفسية بالرغم أن أشكال التعصب هذه ليست من مكونات أي ديانة أو عقيدة أو عرق بعينه، ولا ترتبط بأي منها، فالارهاب حينما يتطور يشمل التطهير العرقي أو التهجير الطوعي من كثرة التضييق ، وهناك ضرورة لخلق بيئة ديناميكية ومتطورة باستمرار تطرح تحديات متجددة على الأجهزة الأمنية، لأن استمرارية الإرهاب هدفها توصيل رسائل سياسية بأنه باق رغم أنف الدول العازمة على دحره، ويتطور وينبثق منه حركات جديدة تطرح تهديدات لم تكن متوقعة، لذلك فهي جريمة إرهابية تنطوي على تخطيط مسبق متكامل الأركان، ولكن المنظور الأمني والاجتماعي يضعها في ثوب الكراهية وانعكس ذلك خلال وسائل الإعلام الرسمية التي لم تصف الهجوم ولا الفاعل بأوصاف ملائمة، وجاء التعبير بوصفهم "أهل القرية" بديلا عن "المتشددين"، واعتباره حدثا جنائيا كأنهم محتجون شرعيون رغم حصار الأهالي قرابة ساعتين، في حين أن الدولة يجب ألا تخضع لابتزاز المأجورين وتخفف من الصيغ التعبيرية، خاصة إذا نظرنا للتوقيت نجدة سانحا، فجميع الأنظار تتجه إلى عملية الاحتلال الإسرائيلي في رفح مع انشغال الجبهة الداخلية في المشاكل الاقتصادية.

 تعريف الإرهاب يشمل العنف الموجه بدوافع سياسية ضد المدنيين والعزل من أجل الرضوخ لمطالبهم أو تفريغ جزء من شحنة مكبوتة ضد الحاكم، تخرج علي هيئة أعمال سلب و بلطجة تستهدف الأقليات، ولكن الحكومات لا زالت تسعى للتوافق حول تعريف واحد للإرهاب، رغم أن الدافع السياسي موجود في واقعة «الفواخر» وهو الاعتراض علي سياسة الحاكم الذي ينتزع حقا يكفل به حرية العبادة للأقليات، لذلك فهو عمل موجه للدولة وليس الاقباط وحدهم، و اقترنت أيضا بجريمه تمس هيبة الدوله مثل قطع الكهرباء عن القرية بالكامل، كما أن هناك تعريف آخر هو استخدام القوة أو العنف، الذي يغرس الخوف، ضد الأفراد أو الممتلكات في محاولة لإكراه أو تخويف المجتمعات، أو إحكام السيطرة على السكان، لتحقيق أهداف سياسية أو دينية أو أيديولوجية. وعلى الرغم من استخدام بعض المصطلحات المشتركة، مثل العنف والخوف، فإن التعاريف تتباين تباينا واضحا باختلاف منظور واضعها. لذلك أن الإرهاب مصمم خصيصا لتكون له آثار نفسية بعيدة المدى تتجاوز ضحيته أو ضحاياه المباشرين أو المستهدفين بالاعتداء. والهدف هو زرع الخوف لدي جمهور أوسع، وهو الاستخدام المتعمد للعنف أو التهديد لفرض تغيير السلوك السياسي الذي يتضمن تقنين أوضاع الكنائس، وينطوي أيضا على أعمال عنف القصد منها توجيه رسالة سياسية على نطاق أوسع من الحدث نفسه، أن وجد فرد مساره الخاص نحو التطرف، يدخل في دائرة من مستويات التماسك الأيديولوجي داخل الجماعات الإرهابية، ولذلك يجب استخدام معرفتنا بشأن محركات الدفع والجذب والدوافع الشخصية لدورة حياة الجماعات المتطرفة، وهناك دينامية أخرى هي التشابه والتفاعل بين أهداف وسرديات واستراتيجيات وتكتيكات مختلف الجماعات المتشددة، التي قد تبدو ظاهريا متباعدة، لكنها تجد فائدة داخل دورة العنف والتشدد التي تتغذى منها الواحدة والأخرى لتحقيق مآربها الخاصة، و وجدنا ذلك في حوادث مشابهة مثل منشية الزعفران والفرن وآشروبة وعلي الباشا والبرشاء بالمنيا.

فإن كانت الدولة جادة في المواجهة لا بد من تأخذ في الاعتبار بعض الجمعيات المنتشرة بكثافة في القرى وتمويلها منذ التسعينيات والتي يجني البراعم ثمارها هذه الأيام في هيئة بؤر تنمو اقتصاديا بعيدة عن أعين مراكز الشرطة، فإن فرض هيمنة فرض الإتاوات السائدة علي الأقليات والتي ربما يفشل فيها، فيتجه إلى التنفيس عبر سياسة نهب البيوت والممتلكات وتصفيتها كنوع من أنواع ربح النزال الطائفي في ظل غياب خطاب التسامح ومواجهة أفكار العنف.
---------------------
بقلم: جورجيت شرقاوي 

مقالات اخرى للكاتب

خانة الديانة في كشوف طلاب المدارس بين الجمود والطرح





اعلان