30 - 06 - 2024

الزير سالم مخنثًا وجبانًا في المرويات التاريخية !!

الزير سالم مخنثًا وجبانًا في المرويات التاريخية !!

تختلف صورة الزير سالم في المرويات التاريخية عما هو موجود في سيرته الشعبية، تلك المرويات التي تتميز بتعددها وتناقضها، مثلما تتعدد السير الشعبية باختلاف نسخها ورواية الرواة لها في كل قطر أو في كل محيط جغرافي مختلف داخل القطر نفسه، فإذا أخذنا نموذجًا على سبيل المثال للتعدد في المرويات التاريخية للحدث الواحد، سنجد أن بعض المرويات تقول إن مقتل «جساس» جاء على يد «هجرس بن كليب»، وفي ثانية قُتل على يد التغلبيين حيث لحقوا به قبل هروبه إلى الشام وفيها جرح ومات من هذا الجرح. وتتماس هذه المرويات التاريخية في بعض أحداثها مع ما جاء في السيرة، بينما تختلف كل واحدة منهما عن الثانية، في رسم الشخصيات والنموذج الواضح على ذلك صورة الزير التي تتسم بالفحولة والقوة في السيرة وبينما في المرويات التاريخية تكاد تكون عكس ذلك.

 ففي السيرة، شخصية «الزير» بطل همام ممتدح ويرد في بدئها في طبعة الجمهورية»...فهذه سيرة البطل الأسد الكرار والبطل المغوار الذي شاع ذكره في الأقطار، وأذل بسيفه كل صنديد وجبار المهلهل بن ربيعة صاحب الأشعار البديعة، والوقائع المهولة المريعة... ». بينما في المرويات التاريخية تنزع عنه تلك البطولة الأسطورية التي تغلفه بها السيرة، فهو فيها لا يقل حماقة عن «جساس» حين قتل «بجير بن الحارث بن عباد» ذلك الرجل الذي سالم تغلب ولم يشترك في الحرب ضدهم مع قومه البكريين لأنه يرى ما فعله جساس بقتل ابن عمه في ناقة أمر لا يليق؛ مما أشعل الحرب من جديد بين القبيلتين ووقع«المهلهل» في قبضة «الحارث» يوم «تحلاق اللمم» ونجح في أخذ الأمان لنفسه بعد حيلة احتالها عليه، ولما سأله «الحارث» عن كفء لابنه كي يقتله ثأرًا له، دله على صديقه «امرئ القيس بن أبان»، الذي كان عارض المهلهل في أن يقتل «بجير». وبعد المعركة هرب المهلهل إلى اليمن بعد أن ورط قومه في حرب جديدة مع البكريين، وهناك أُجبر على أن يزوج ابنته لمن لا يراهم أكفاء له في النسب.

 وتترجم كتب الأدب للمهلهل ترجمة مغايرة لما هو في السيرة «... هو ابن لربيعة...، وإنما لقب مهلهلا لطيب شعره ورقته... هو أول من كذب في شعره وهو خال امرئ القيس بن حجر الكندي، وكان فيه خنث ولين، وكان كثير المحادثة للنساء، فكان كليب يسميه زير النساء...» فأكثر ما تمتدحه  تلك الترجمة التي نقلها الأصفهاني في كتابه الأغاني في الزير هو طيب شعره ورقته وأنه أول من كذب في الشعر، وستعد تلك ميزة له على حد عبارة «الأصمعي» الذي قال  «الشعر نكد بابه الشر، فإذا دخل في الخير ضعف» أو حسبما هو شائع «أعذب الشعر أكذبه»، أما عن الفروسية فهي ليست من الصفات التي تمنحه إياها التراجم بل على العكس تعطيه ما يناقضها «وكان فيه خنث ولين».

وتقوم بينة السيرة الشعبية في جزء من أحداثها على العداء بين الزير وجليلة بنت مرة التي توغر صدر كليب عليه، وتمعن في إرسال الزير إلى رحلات يصعب النجاة منها،  إلا أن كل هذه الأفاعيل تبطل أمام شجاعة هذا الصبي «الزير» الذي يقاتل الأسود، انتقامًا لحماره الذي أكلته ذات مرة، ويقرر الثأر له بأن يقتل كل السباع الموجودة في «بئر السباع». فالزير في السيرة رغم إدراكه أن كل تلك المهمات القصد منها فناؤه بسبب كيد «الجليلة» له بإيغار صدر أخيه عليه، فإنه يختار طاعة أخيه حتى وإن أراد موته، وفي الأخير يستأذنه في الانصراف والبقاء في الغابة لما يرى صعوبة القرب من أخيه في ظل كراهية زوجته له وسعيها إلى قتله «فقال له كليب ...إنك اليوم ساعدي وزندي وأنت الحاكم من بعدي، فقال - أي الزير - لا أريد سوى سلامتك والذي أريده منك أن تأمر لي بصيوان... عند بئر السباع.. لأني أنفرد عن باقي الناس وأكون وحدي خصوصًا من كيد النساء... فإن الانعزال أفضل للرجال الأحرار ولا سيما قد صار لي على السباع ثأر على قتل الحمار ولا بد لي من قتل جميع الأسود أو أن الحمار يرجع...».

أما المصادر التاريخية فلا تذكر أن هناك خلافًا كان بين الزير وجليلة. تلك الكراهية التي كانت محركًا للأحداث في السيرة الشعبية، والتقطتها الكثير من الأعمال الدرامية مثل مسلسل الزير سالم إخراج حاتم علي 2000، الذي جعل كراهية جليلة هي كراهية نابعة من حبها الشديد للزير ولأنه لم يتقدم للزواج منها فهي تنتقم منه، في حالة مشابهة لما بين حربي وصفية في رواية بهاء طاهر «خالتي صفية والدير» تلك المحبة التي يصدق فيها القول «ومن الحب ما قتل». 







اعلان