27 - 09 - 2024

المواطنة والهوية واتحاد القبائل العربية

المواطنة والهوية واتحاد القبائل العربية

تم الإعلان عن قيام مايسمى باتحاد القبائل العربية، وتم اختيار رجل أعمال سيناوى رئيسا للاتحاد واختيار الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيسا شرفيا للاتحاد. 

بداية وجدنا حملة تأييد غير عادية تمثلت فى كثير جدا من المقالات والبرامج التلفزيونية التابعة للشركة المتحدة، وهذا طبيعى فى إطار حق التأييد لأى عمل أو حدث، ولكن غير الطبيعى أن حملات التأييد هذه اخذت تنعت وتصف كل من يتحفظ أو يعترض على هذا الاتحاد - خوفا على الهوية والمواطنة المصرية من وجهة نظرهم - بأنهم ليسوا وطنيين، وهم من يساند الإرهاب إلى آخر كلمات هذا القاموس الذى لايجب أن يكون فى إطار حق التعبير عن الرأى فى الاطار الدستورى والقانوني، مع مواجهة الرأى بالرأى وليس بتلك الطريقة التى لا ولن تكون فى صالح الوطن أولا وأخيرا. 

كما أنه لايوجد حدث أو قرار، مثل هذا الاتحاد، لا يبدى المواطن حقه فى رفضه أو قبوله لأنه لايوجد مقدس غير المقدس. 

كما أننى أتحفظ على اختيار رئيس الجمهورية كرئيس شرفى لهذا الاتحاد، حيث أن رئيس الجمهورية هو رمز لمصر الوطن والتاريخ والحضارة، لكل المصريين مؤيدا ومعارضا. فالمعارضة هى جزء من النظام السياسى المصرى الذى يمثله رئيس الجمهورية، والرئيس رئيس لكل المصريين بلا استثناء من أى نوع. فهل نسمح لكل من يعلن مثل هذا الاتحاد أن يكرر هذا؟ 

أما الحديث بأن هذا الاتحاد هو فصيل من القوات المسلحة، كما قال من يسمى بالمتحدث الرسمى لهذا الاتحاد، فهذا كلام مرفوض شكلا وموضوعا. فالقوات المسلحة هى جيش كل المصريين، والشعب المصرى بكامله هو الاحتياطى الاستراتيجى لقواته المسلحة فى أي وقت ، ولذا لايجب أن نعتبر قطاعا نوعيا من المصريين لهم عاداتهم وتقاليدهم وعرفهم الذى يرفعونه فوق قوانين الدولة أن يكون فصيلا من القوات المسلحة

أما الحديث عن دور بعض قبائل سيناء فى رفض التوجهات الاسرائيلية التى كانت ضد الوطن بعد ١٩٦٧، أو دور بعضها فى مواجهة الإرهاب، فهذا شئ جميل ويقدر تاريخيا على اعتبار أن هؤلاء مصريون أولا وأخيرا وأنهم وطنيون، كما كان هناك وسيظل بعض أفراد هذه القبائل من يكون سلوكه نقيض ذلك. فهل المظاهرات التى كانت وقت الإرهاب فى سيناء والتى كانت تجوب الأركان بسيارات الدفع الرباعي، أليس هؤلاء كانوا جزءا من بعض المقيمين فى سيناء؟. خلاصة القول هنا أن التعامل يجب أن يكون على أرضية المواطنة المصرية من هو ضد الوطن ومن هو مع الوطن، وهناك آلاف الشهداء من رجال القوات المساحة والشرطة والمدنيين كانوا قد دفعوا الثمن، وهم مواطنون مصريون فى إطار التوحد الوطنى الواحد لهم كل الاحترام وكل التبجيل

وهنا نقول إن الهوية المصرية التى كانت وستظل صمام الأمن والأمان لمصر من كل المؤامرات الاستعمارية التى تهدف إلى تفتيت هذه الوحدة طوال التاريخ، هذه الهوية هى نتاج ثقافات فرعية (مصرية قديمة . مسيحية . إسلامية . بدوية . نوبية) ولكن كل هذه الثقافات تتجمع طوال الوقت لتشكل الثقافة المصرية الواحدة والجامعة لهذه الهوية. ومثل هذا الاتحاد يعنى تكريس ثقافة بعينها بعيدا عن مجمل الثقافات الفرعية وبالطبع بعيدا عن الثقافة الجامعة. 

فتعبير القبائل العربية سيكون فى مواجهة الهوية المصرية، لأن تكريس القبلية هو فصل تعسفى للثقافة النوبية والمسيحية، حيث أن هذه القبائل تعتبر أن نسبها ليس إلى مصر ولكن إلى الجزيرة العربية في ربط خاطيء بظهور الاسلام فى الجزيرة العربية، حيث أن الإسلام هو دين لكل الجغرافيا العالمية. وهذا يمارس كنوع من التمايز عن الآخر، فلا يزال الأمر قبليا فلا زواج ولا مصاهرة من غير القبائل . ولا تعليم للفتيات حسب ثقافة القبائل. فهل  تكريس هذه السلوكيات فى إطار تنظيمي يتم التهليل له سيكون فى صالح الوطن؟  أم الأجدى والأصلح هو دمج نعم دمج هذه الثقافات فى الإطار الوطنى الجامع؟ 

وأذكر هنا أننى كنت وسأظل أنادى وأتبنى (وأدفع الثمن) بأن يعود المصريون المسيحيون من الكنيسة إلى المجتمع، مع العلم أن هجرة المصريين المسيحيين إلى الكنيسة كانت لها ظروفها التاريخية التى بدأت تزول بعد ٣٠ يونيو. ألا يمكن أن يكون هذا بداية لتنفيذ المخطط الاستعماري الذى يعمل دائما على تفتيت الوطن لأكثر من كيان؟ ألا ننظر إلى نتائج تلك الممارسات القبلية التى تدفع ثمنها دول الجوار (السودان وليبيا واليمن). وهل هناك تشابه بين هذا الاتحاد ووجود حزب الله اللبنانى فى إطار النظام السياسي هناك؟ مصر ياسادة فى أمس الحاجة إلى التوحد الوطنى لمواجهة تلك التحديات الخطيرة وغير المسبوقة على المستوى الخارجى والداخلي، وليس تكريس وتنظيم اتحادات تحت أى مسمى. وإذا كانت بعض هذه القبائل أدت وتؤدى دورا وطنيا فهذا طبيعى، ولايجب أن يكون أمرا استثنائيا. وحتى لاتكون هناك قاعدة بأن من يؤدى دوره الوطنى والواجب والطبيعى يحتاج إلى ميزة أو تمايز عن باقى المصريين. 

حمى الله مصر وشعبها العظيم دائما فى وحدة وتوحد بعيدا عن التفتت والقبلية، فنحن مصريون قبل الأديان ومصريون بعد الأديان ومصريون إلى آخر الزمان، وستظل مصر وطن كل المصريين.
---------------------------
بقلم: جمال أسعد
 

مقالات اخرى للكاتب

العقل ليس شقة للإيجار