22 - 06 - 2024

هل هناك صفقة لإعادة تدوير «ماكس ميشيل»؟

هل هناك صفقة لإعادة تدوير «ماكس ميشيل»؟

ظهور ماكس ميشيل على قناة النيل الثقافية الرسمية للدولة ونقل جزء من قداس عيد القيامة يثير العديد من التساؤلات ويطرح علامات استفهام حول مدى التفاهمات التي وصل إليها النظام مع الطائفة غير المعترف بها رسميا بحكم قضائي، ولا يمكن حصر معانيه في تفسير واحد قاطع.

وقد يعتبر ظهوره على القناة الرسمية للدولة اعترافا رسميا من قبل الدولة بأفكاره ومواقفه، مما يضفي شرعية على نشاطه ويمنحه منصة أوسع لنشر أفكاره، خاصة أن عدد اتباعه غير معلوم ولا يوجد له كنائس أو تحالفات دينية في العالم، وقد ينظر إلى ظهوره على أنه محاولة من قبل جهات معينة لترويج فكر انقسامي داخل الكنيسة الأرثوذكسية وإضعاف وحدتها، وقد يعتبر ظهوره استغلالا لوسائل الإعلام الرسمية لنشر أفكاره الهرطوقيه والترويج لها على الرغم من  إعلان الكنيسة الأرثوذكسية الرسمية خطوات تصعيدية ضده مسبقا، وهي أيضا محاولة عبثية لتضليل الجمهور ونشر معلومات مضللة حول الدين والعقيدة الأرثوذكسية، خاصة أن رسامته علي يد المجمع اليوناني الذي ينتمي إليه المنشق المذكور قد حل نفسه عام 1967، وقد ينظر إلى ظهوره على أنه خطوة إيجابية في إتجاه فتح حوار مباشر ليس مع أصحاب الأفكار المختلفة ولكن مع المهرطقين وأصحاب البدع المدعومين من أجندات مشبوهة تسعى للسطو علي الكرسي المرقسي وتعتدي علي شرعية البابا تواضروس الثاني الممثل الوحيد للطائفه الأرثوذكسية، ولعل الرسائل التي تنبعث من وراء ظهوره أخطر من مجرد السطور السابقة، خاصة بعد صدور حكم مجلس الدولة برفض دعواه بإقامة طائفة جديدة ووقف لقبه بالبطاقة من الأحوال المدنية، فهو يعد محتالا وكان يجب غلق كنيستة بالمقطم.

في السابق، أعلنت الكنيسة الأرثوذكسية رفضها القاطع لأفكار ماكس ميشيل وحذرت من الاستماع إلى محاضراته أو حضور ندواته، والبعد عن الأفكار المضللة، وأعرب العديد من الشخصيات الدينية والمثقفين عن مخاوفهم من أن يؤدي ظهور ماكس ميشيل إلى محاولات عبثية لإضعاف الطائفة الأرثوذكسية، وأطرح تساؤلا: لماذا لم ينقل أي مرسم للطائفه الكاثوليكية أو الإنجيلية أو الإنجليكانية، ولماذا أيضا لا ينقل أي شعائر دينية للشيعة أو أي طائفة أخرى في مصر؟.

الحقيقة أن مسألة الظهور علي القناة الرسمية للدولة أمر معقد وربما يمهد لظهور "شهود يهوه" يوما ما، تحت مزاعم الحريات، ولا يمكن حصر معانيه في تفسير واحد قاطع، وتتطلب المسألة مزيدا من البحث والتحليل والنظر في جميع الجوانب المختلفة قبل استخلاص أي استنتاجات نهائية.

نشأ ماكس في أسرة بسيطة، وكان يجتمع بعائلات صغيرة في الفيوم داخل البيوت، وكان والدة "ميشيل حنا" يعمل صولا في الداخلية، وكان يدرس القداسة الكاملة في العلاقة الزوجية، ثم قدم نفسه علي أنه نبي وأن الله قد أوحي له أن يتزوج وأشاع أنه الله غاضب علي الكنيسة وأنه أعطى له قيادتها علي خطى طائفة "الحشاشين"، كما ادعي أيضا النبوة وقرب وجود مجاعة، وشرع في جمع تبرعات منذ بداية التسعينيات بحجه أنه الله يريد تحويل الملجأ الذي كان يتقابل فيه مع أتباعه إلى حصن وأشتري أرضا من العرب البدو علي الطريق الصحراوي، وحولها إلى مشروع تجاري زراعي من حوالي ١٠٠ فدان، وفي عام ١٩٩٢ استعان بقس إنجيلي مشلوح يدعي ي. ص ثم أستطاع أخذ تصريح من الشؤون الاجتماعيه عام ١٩٩١ بعد التصالح في بعض قضايا نصب للأحوال الشخصيه، وتزوج طبيبة أسنان وأنجب منها، وكان ينتقي اتباعه من صفوة سيدات ورجال الاعمال، الي أن وافق الرئيس الراحل حسني مبارك علي ترخيص الأرض علي شكل عمارة سكنية رغم أن الارض كانت بعقود صورية، عرفت بعد ذلك باسم اسقفيه القديس اثناسيوس، ثم درس اللاهوت في مدرسة أمريكية وتقابل مع كونداليزا رايس التي قامت بمباركه افتتاح الكاتدرائية عام ١٩٩٨، ولا نعلم كيف لعمارة سكنية أن تتحول الي كنيسه بالمقطم، ثم توالت المقرات ومن الغريب انه يقوم بالموافقة او الرفض لزيجات تابعيه حسب درجة ارتياحه، وهي تعاليم معوجة لا يقبلها أي شرع سماوي، وبعد توسط الخارجية الأمريكية، قام بإنشاء قناة تلفزيونية وإقامة مؤتمرات دينية دعائية.

في الآونة الأخيرة، برز اسم "ماكس ميشيل" كشخصية مثيرة للجدل خاصة في مصر، يثار الجدل حول أفكاره لعدة أسباب، من أهمها: التشكيك في السلطة الكنسية وشرعية بطريركها، ويدعو إلى "إصلاح" مزعوم للكنيسة من الداخل، ويروج لأفكار دينية "غريبة" لا تتوافق مع العقائد الأرثوذكسية، مثل الطعن في بعض الأسرار المقدسة ورفض بعض التعاليم الأساسية وهو أمر كان يشكل تحديا كبيرا للسلطة الكنسية، فهو منشق عن طائفة أرثوذوكسية اتبعت جماعة منشقة عن الكنيسة اليونانية وحاليا لا تتبع أي من الكنائس الشرقية، ولذلك لا يوجد لقب يدعي الأنبا مكسيموس الأول الذي أطلقه علي نفسه، على اعتبار أنه لا يوجد دليل قانوني ولا قرار جمهوري بإنشاء مؤسسته الدينية أو ممارسة الشعائر الدينية طبقا للقانون رقم 462 لسنة 1955 الخاص بقيد واعتماد رجال الدين رسميا بوزارة الداخلية، وكان للراحل البابا شنودة موقف راسخ، ولهذا نتساءل تحت أي منطلق ظهر في قناة رسمية في عيد القيامة؟، وكيف يتورط إعلام الدولة في ظهور شخصية ذات مصدر تمويل مجهول قد يكون جهات خارجية، مثل منظمات دينية أو سياسية تؤيد أفكاره أو جهة لا تريد الإفصاح عن نفسها، فهناك مخاطر من الاعتراف بطائفته أو إعطاء أي شرعية بعرض شعائره، ويؤدي ذلك إلى تأثير كبير على السياسة والمجتمع. وقد تتغير السياسات الحكومية والقوانين لتلبية احتياجات هذه الطائفة، أو تفاقم التوترات الاجتماعية والدينية، خاصة إذا كان هناك تنافس بين الطوائف المختلفة، وأيضا علي العلاقات الدولية.

والحقيقة أن ماكس ميشيل لم يقع في خطأ اعتيادي حينما انضم إلى جماعة خلقيدونية، لكنه قام بالتوقيع على وثيقة إيمانية مع ملكي صادق الأسقف المنشق أيضا عن كنيسة كييف، وقبل الإعلانات العقائدية للمجامع المسكونية الـ7 للخلقيدونيين، بمن فيهم البابا ديسقور بابا الإسكندرية الـ25، وصف القديس ديوسقوروس مع أوطاخي الهرطوقي بأنهما مكروهان من الله، ولقد غزت جماعة خلاص النفوس الخمسينية أمريكا الجنوبية وهي التي تنادى بشركة جميع الطوائف المسيحية، أي الطائفية، وعقد اجتماعات في مصر برعاية مؤسسه تدعي "من مصر دعوت ابني" وفيها بعض المراسم والمظاهر التي تتسم بنوع من التصفيق وربما الرقص و تتكون من كهنه ارثوذكس منشقين وأكثر من طائفة وينادي بتوحيد الطوائف، فليس من باب الصدفة أن يهل علينا هذه الأيام وهو يتخفى تحت الزي القبطي الأرثوذكسي، وكان من الأجدر أن يعلن صراحة أنه خمسيني حتى النخاع خاصة بعد قبول الشذوذ الجنسي واعتباره ليس خطيئة وهو تطابق فكري مع نفس وثيقة الفاتيكان، والتي بسببها تم تجميد الحوار اللاهوتي للكنائس الشرقية، ولذلك يعتبر نفسه فرعا مما يسمى مجمع المسيحيين الأرثوذكس بالمهجر في أمريكا.

في النهاية، يبدو أن ظهور ماكس ميشيل على قناة الدولة يفهم منه أنه انعكاس لرسائل تظهر توترات داخل الكنيسة الأرثوذكسية وقد يكون له تأثير على العلاقة بين الكنيسة والمجمعات المنشقة، وقد يكون ظهوره المريب في هذا الوقت مرتبط بأحداث معينة تحدث في الكنيسة أو المجتمع، فيما يتعلق بقضايا دينية أو سياسية تشغل الرأي العام، كما أن لظهوره تأثيرا على المجتمع القبطي سلبيا، وهو بالتأكيد مرتبط بتوجه ديني معين، وتوجه للتبشير بالتعاليم المخالفة وتعكس أيضا رسالة غامضة تجاه البابا تواضروس الثاني، لذلك تواجه الكنيسة القبطية تحديات كبرى، مثل الخلافات اللاهوتية أو ملف الأحوال الشخصية، ويجب أن يتم التعامل مع هذه القضية بحذر وبموقف حاسم أيضا من مسألة ظهوره ومطالبة القناة بتقديم اعتذار.
---------------------------
بقلم: جورجيت شرقاوي 

مقالات اخرى للكاتب

خانة الديانة في كشوف طلاب المدارس بين الجمود والطرح





اعلان