17 - 08 - 2024

علاقات الشراكة الاستراتيجية بين الصين والدول العربية.. تطور وتعاون مثمر على مدى عقدين

علاقات الشراكة الاستراتيجية بين الصين والدول العربية.. تطور وتعاون مثمر على مدى عقدين

على مدار العشرين عامًا الماضية، شهدت العلاقات بين الصين والدول العربية تقدمًا ملموسًا، متحولة من "علاقات الشراكة" إلى "علاقات التعاون الاستراتيجي"، وصولاً إلى "علاقات الشراكة الاستراتيجية".

في الاجتماع الوزاري الأول للمنتدى عام 2004، اتفقت الصين وجامعة الدول العربية على إقامة علاقات شراكة قائمة على المساواة والتعاون الشامل.

وفي الدورة الرابعة للاجتماع الوزاري للمنتدى عام 2010، أعلن الجانبان عن إقامة علاقات التعاون الاستراتيجي القائمة على التنمية المشتركة.

ثم في الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري للمنتدى عام 2018، تم الارتقاء بالعلاقات إلى شراكة استراتيجية تهدف إلى مستقبل أفضل.

حتى اليوم، أقامت الصين علاقات شراكة استراتيجية شاملة مع أربع دول عربية: مصر، الجزائر، السعودية، والإمارات. كما أقامت علاقات شراكة استراتيجية مع عشر دول عربية أخرى، بما في ذلك قطر، العراق، الأردن، السودان، المغرب، عمان، جيبوتي، الكويت، فلسطين، وسوريا، بالإضافة إلى جامعة الدول العربية.

وقد انضمت 13 دولة عربية إلى "مجموعة الأصدقاء لمبادرة التنمية العالمية"، وأصبحت ثلاث دول عربية أعضاء جديدة في آلية البريكس، في حين أصبحت ست دول عربية شركاء حوار لمنظمة شانغهاي للتعاون.

تتبادل الصين والدول العربية الدعم الثابت للحفاظ على المصالح الجوهرية لكل منهما، وتدعو كلاهما إلى احترام السيادة والاستقلال وسلامة الأراضي، وترفض التدخل الخارجي والهيمنة بجميع أشكالها.

 يتبنى الجانبان مبدأ عدم الاعتداء وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ويعززان مبادئ المساواة والمنفعة المتبادلة والتعايش السلمي.

وفي إطار هذا التعاون، تبنى مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية قرارات داعمة للصين 44 مرة متتالية، مؤكداً التزام الدول العربية بمبدأ الصين الواحدة، ودعمها لمبادرة "الحزام والطريق".

وتعزز هذه القرارات التعاون مع الصين في مختلف المجالات، وتدفع باستمرار بناء منتدى التعاون الصيني العربي.

تتشارك الصين والدول العربية في دعم المنظومة الدولية التي تركز على الأمم المتحدة،

 وتعزز النظام الدولي القائم على القانون الدولي، وتدعم القواعد الأساسية للعلاقات الدولية المستندة إلى ميثاق الأمم المتحدة.

 يعمل الجانبان معًا لدعم التعددية ورفض الأحادية وسياسة القوة، وتعزيز دمقرطة العلاقات الدولية.

كما يساهمان في زيادة تمثيل الدول النامية في الحوكمة العالمية وصيانة مصالحها.

وتعد جامعة الدول العربية هي أول منظمة إقليمية توقع مع الصين على وثيقة التعاون بشأن بناء "الحزام والطريق"، وتطبيق مبادرة الحضارة العالمية، بالإضافة إلى وثيقة التعاون لمكافحة الجائحة ومبادرة التعاون بشأن أمن البيانات.

هذا التعاون المستمر يعكس التزام الجانبين بتعزيز العلاقات الثنائية وتطوير شراكة استراتيجية تدعم السلام والتنمية.

المنتدى الصيني العربي.. قوة دافعة للتعاون العملي

منذ إنشائه قبل أكثر من 20 عامًا، لعب المنتدى الصيني العربي دورًا حيويًا كمنصة لتعزيز التواصل والتعاون بين الجانبين في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصاد والتجارة والطاقة والابتكار الأخضر والصحة.

وجاءت القمة الصينية العربية الأولى لتعزز هذا التعاون الشامل بين الصين والدول العربية.

خلال أكثر من عام مضى، عمل الجانبان بجد على تنفيذ مخرجات القمة عبر قنوات ثنائية ومتعددة الأطراف، مستخدمين المنتدى كأداة رئيسية.

وقد شمل ذلك تنفيذ 73 إجراءً بالكامل وإحراز تقدم ملموس في 125 إجراءً آخر من بين 238 إجراءً للتعاون تضمنتها "الخطوط العريضة لخطة التعاون الشامل" و"الأعمال الثمانية المشتركة" التي طرحها الرئيس شي جينبينغ.

وهناك 40 إجراءً طويل الأمد يجري العمل عليها بجدية.

توافق الجانبان على أهمية التعاون في مبادرة "الحزام والطريق"، حيث وقّعت الصين على وثائق تعاون مع 22 دولة عربية ومع جامعة الدول العربية.

نتج عن ذلك تنفيذ أكثر من 200 مشروع ضخم، استفاد منها حوالي ملياري نسمة.

أصبحت الصين أكبر شريك تجاري للدول العربية لعدة سنوات متتالية، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري من 36.7 مليار دولار في 2004 إلى 398.1 مليار دولار في 2023، بزيادة عشرة أضعاف.

و تشكّل واردات الصين من النفط الخام من الدول العربية نصف مجموع وارداتها، حيث بلغت 260 مليون طن في 2023.

شمل التعاون الصيني العربي مجالات الغاز والنفط، مع مشاريع مثل مصفاة ينبع في السعودية، ومجمع بانجين في لياونينغ الصينية، ومشروع فوجيان، ومشاريع في أبوظبي. كما توسع التعاون ليشمل الطاقة الجديدة، مع مشاريع مثل مدينة البحر الأحمر في السعودية، ومحطة حصيان في دبي، ومجمع بنبان للطاقة الشمسية في مصر.

تتواصل المشاريع في مناطق التعاون الاقتصادي، مثل منطقة تيدا السويس في مصر، ومنطقة جازان في السعودية، وحديقة التعاون الصيني الإماراتي، والمدينة الصناعية الصينية العمانية في الدقم، ما يعزز الشراكات ويحقق الفائدة المشتركة للشركات الصينية والعربية.

التعاون الصيني العربي.. إنجازات ومشاريع محورية ضمن مبادرة "الحزام والطريق"

أسفرت شراكة الصين والدول العربية في إطار مبادرة "الحزام والطريق" عن تنفيذ حزمة من المشاريع النموذجية والمعالم الوطنية والمشاريع المعيشية. من أبرز هذه المشاريع "أطول برج في إفريقيا" في مصر، بارتفاع 385.8 مترًا، والذي وصفه المصريون بـ"هرم جديد" في العاصمة الإدارية الجديدة. في الجزائر، يعد الطريق السيار شرق-غرب (1216 كيلومترًا) شريانًا حيويًا يربط شرق الجزائر بغربها، وقد ساهم في تدريب حوالي عشرة آلاف عامل محلي في قطاع البناء والتشييد.

تجسدت معالم وطنية أخرى في المنطقة، مثل استاد لوسيل في قطر الذي استضاف المباراة النهائية لكأس العالم 2022، وجامع الجزائر، أكبر جامع في إفريقيا وثالث أكبر جامع في العالم، بالإضافة إلى جسر محمد السادس في المغرب، أكبر جسر معلق في إفريقيا، والمقر الجديد للبنك المركزي الكويتي.

 في لبنان، يتم بناء المعهد الوطني العالي للموسيقى كهبة من الصين، ليصبح معلمًا ثقافيًا وفنيًا يرمز للصداقة بين البلدين. أما في جزر القمر، فأصبح ملعب مالوزيني الذي بنته الصين كهبة أحد أبرز المعالم.

في مجالات البنية التحتية الأخرى، يعد خط سكة حديد أديس أبابا-جيبوتي أول خط سكة حديد مكهرب حديث عابر للحدود في إفريقيا، بينما يعد مشروع الدور 2 لإنتاج الكهرباء في البحرين من أكبر مشاريع توليد الكهرباء في البلاد. وفي موريتانيا، سيساهم مشروع جسر ملتقى طرق مدريد في نواكشوط في تحسين الظروف المرورية للعاصمة، وسيصبح رمزًا للصداقة الصينية الموريتانية.

تستفيد فلسطين واليمن من "المشاريع الصغيرة والجميلة"، مثل مشروع مستلزمات النظافة ووسائل النقل في اليمن، ومشروع الطرق في مدينة رام الله بفلسطين.

 وقدمت الصين مساعدات إنسانية للدول المتضررة من الزلازل والفيضانات مثل سوريا والمغرب وليبيا، وساهمت في إعادة الإعمار بعد الكوارث.

في المجالات الناشئة، يتعمق التعاون الصيني العربي في تكنولوجيا الجيل الخامس والفضاء والأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي والطاقة الجديدة.

وتم إنشاء مراكز صينية عربية مشتركة للطاقة النظيفة ونظام بيدو للأقمار الصناعية، مما يربط آلاف مؤسسات الأبحاث والشركات المبتكرة من الجانبين.

و في تونس، تم إنشاء أول مركز خارج الصين لنظام بيدو، وأطلقت الصين أول قمر صناعي جزائري للاتصالات "ألكوم سات-1".

كما أصبح ميناء صحار في عمان أول ميناء ذكي بالجيل الخامس في الشرق الأوسط، وتم بناء نحو 1000 محطة قاعدية للجيل الخامس في الكويت، ما جعلها أول دولة تغطي كامل أراضيها بهذه التقنية.

استكشفت الصين والدول العربية طرقًا جديدة للتعاون المالي، محققة اختراقات في التسهيلات التجارية والاستثمارية. أنشأت رابطة البنوك الصينية والعربية، بمبادرة من بنك التنمية الصيني، أول آلية متعددة الأطراف للتعاون المالي بين الجانبين. قدم بنك التنمية الصيني دعمًا لـ99 مشروعًا في الدول العربية بقيمة 17.189 مليار دولار.

وبدأ بنك الاستيراد والتصدير الصيني التعاون مع البنك الوطني السعودي على القروض باليوان الصيني بقيمة مليار يوان. تم تسوية تجارة النفط والغاز بين الصين والإمارات باليوان الصيني، ووقعت الصين اتفاقيات لمبادلة العملات المحلية مع السعودية ومصر والإمارات.

كما أصدرت مصر سندات باليوان الصيني بقيمة 3.5 مليار يوان، وأنشأ البنك الصناعي والتجاري الصيني ومصرف قطر المركزي مركزًا لتسوية المعاملات باليوان الصيني بقيمة تجاوزت 400 مليار يوان.

وافق العراق على تسوية تجارته مع الصين باليوان، وأصبحت 17 دولة عربية أعضاء في بنك آسيا للاستثمار في البنية التحتية.

فتحت صناديق الثروة السيادية الكبرى مثل جهاز أبوظبي للاستثمار وشركة مبادلة للاستثمار في الإمارات والهيئة العامة للاستثمارات في الكويت وصندوق الاستثمارات العامة في السعودية مكاتب أو بعثت ممثلين لها في الصين، مما يعزز التعاون المالي والاقتصادي بين الجانبين.