21 - 06 - 2024

الغرب يقف لأول مرة في مواجهة الغرب: الجنائية الدولية وقرار اعتقال القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل وحماس

الغرب يقف لأول مرة في مواجهة الغرب: الجنائية الدولية وقرار اعتقال القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل وحماس

لم نشهد تداعيا في مواقف بعض المثقفين العرب مثل ما شهدناه خلال هذه الحرب وأتساءل: ماذا سيقولون لمشاهديهم وقرائهم ومتابعيهم، بعد أن وقفت المنظمات الدولية الشرعية رافعة سلطة القانون ضد كل من هيأت له نفسه ارتكاب جرائم حرب؟ 

قبل بضعة أيام قدم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، طلب اعتقال إلى قضاة المحكمة بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه الحالي. كما أصدر طلبا آخر لاعتقال ثلاثة من قياديي حركة حماس، اثنان في الجناح العسكري وواحد في الجناح السياسي للحركة، مستندا إلى أدلة يملكها مكتب الادعاء كافية لإدانة الجميع في جرائم حرب، تتضمن التجويع والقتل المتعمد للمدنيين والاختطاف..الخ من التهم التي يحاسب عليها القانون الدولي الأفراد الضليعين في الحروب. 

وتعد هذه الخطوة تاريخية، لأنها الأولى من نوعها، والتي تصدر بحق أشخاص في حكومة حليفة للغرب، إسرائيل، تدعمها كافة الحكومات الغربية. وتكتسب هذه الدعوة أهمية استثنائية، لما حظي به المدعي العام، كريم خان، من ترحيب وثناء من حكومة إسرائيل واميركا عندما رشح لهذا المنصب، وقد زار السيد كريم خان إسرائيل في ديسمبر الماضي، أي بعد أحداث السابع من أكتوبر، واحتفي به هناك. كما كان مقررا أن يقوم مع وفد من المحكمة الجنائية بزيارة ثانية لإسرائيل بعد يوم من إعلانه طلب الاستدعاء، ولكن ألغيت هذه الزيارة بسبب طلبه.

لمحة تاريخية للمحكمة

تأسست المحكمة الجنائية الدولية عام 2002 كأول محكمة لها الحق في اعتقال الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الاعتداء وتقديمهم للمحاكمة. وقد صادقت 123 دولة على قانون المحكمة عام 2015 ، شملت غالبية أوروبا وأمريكا الجنوبية، ونصف أفريقيا، غير ان اسرائيل واميركا  سحبتا توقيعهما على قانون المحكمة، وأشارتا إلى أنهما لا ترغبان بالعضوية، وبذلك لم يعد هناك ما يحملهما على تنفيذ ما يترتب عليهما من التزامات تجاه المحكمة التي تعد الثانية دوليا التي تتناول جرائم الحرب والإبادة الجماعية، ولكنها تعني بملاحقة ومحاكمة الأفراد، بينما تهتم محكمة العدل الدولية بشؤن الدول التي ترتكب جرائم الحرب والإبادة الجماعية. وتعد هاتان المحكمتان من السلطات القضائية المهمة في العالم، لأنهما تقومان بما لا تستطيع الجهات القضائية التابعة للدول أن تقوم به، إما لعدم صلاحية أنظمتها القضائية، كما هو الحال في الدول الدكتاتورية، أو لأن قانون الدولة لا يسمح لسلطته القضائية بمحاكمة الجهات العليا. وهنا تأتي أهمية القرار الذي صدر مؤخرا عن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، والذي به ولأول مرة يطارد اشخاصا في دول تعد من دول القانون، أي تلك الدول التي لها سلطة قضائية مستقلة. وهذا ما أثار الانقسام في ردود الفعل بين الدول الغربية، التي تعد نفسها من دول القانون، لأن إسرائيل كانت، قبل شنها الحرب على غزة والشعب الفلسطيني، محسوبة على دول القانون، على الأقل في الغرب، رغم أن حكومتها الحالية بقيادة نتنياهو قد عملت على تحديد السلطة القضائية منذ توليها السلطة في إسرائيل.  

لقد تكرر كثيرا الحديث عن أن القوانين الدولية التي تنصف الضعفاء وتحمي حقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها وإلى آخره من المؤسسات الدولية التي يفخر المجتمع الدولي بالتوصل إليها بعد كوارث حربين عالميتين، تكرر أنها وضعت من أجل حماية من وضعها، أي الغرب، وبالتحديد المنتصرون في الحرب العالمية الثانية، أي الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا (الاتحاد السوفيتي آنذاك) والصين ولاحقا فرنسا. وصحة هذا الرأي لا تنبع من أية كراهية للغرب أو أي تعاطف لمناصرة الدول الأقل حظا في أخذ مكانتها الدولية، وإنما هي نابعة مما يشهد عليه التاريخ الحديث، أي خلال ما يقارب الثماني عقود السابقة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ولحد الآن، حيث أن هذه المؤسسات عملت على حفظ السلام والدفاع عن حقوق الإنسان، متى ما كانت في مصلحة الدول القوية، أي التي لها سلطة في المجتمع الدولي، وبالأخص التي لها حق النقض، الفيتو.

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وجد العالم الحر، أي غير المستَعمَر، ضرورة إيجاد هيئة أو منصة تجمع الدول الاعضاء، وتهدف إلى منع الحروب وإشاعة السلام في العالم، فأنشئت عصبة الامم، غير أن هذه المنظمة فشلت في مهامها، خاصة في ثلاثينيات القرن الماضي بعد انسحاب العديد من الدول الاستعمارية بما فيها إيطاليا واليابان منها، وتمثل فشلها الذريع في منع قيام الحرب العالمية الثانية وما جلبته من مآسي، ليس على الدول التي كانت السبب في الحرب، وإنما على جميع دول العالم. ولذا استجدت الحاجة إلى تحديث هذه المنظمة بعد الحرب العالمية الثانية لتصبح منظمة الأمم المتحدة، والتي مُنحت شرعيتها وحددت مهامها استنادا إلى الوثائق التأسيسية التي نصت على: ”منظمة الأمم المتحدة، وتعرف اختصارًا بالأمم المتحدة، هي مُنظمة حُكومية دَولية وواحدة من أكبر وأشهر المنظمات الدولية في القرن العشرين، تأسَّست عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية، وقد حدَّد ميثاق الأمم المتحدة الغاية من تأسيسها بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين عن طريق اتخاذ تدابير جماعية فعَّالة لمنع وإزالة الأخطار التي تهدد السلام، وإلى تنمية العلاقات الودية بين الدول على أساس احترام مبدأ المساواة في الحقوق وتقرير المصير للشعوب وتعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين، بالإضافة لأن تكون مركزًا لتنسيق أعمال الدول في تحقيق هذه الغايات المشتركة.“ وبعدما كان أعضاؤها بعد التأسيس لا يتجاوز 51 دولة، تنامى هذا العدد بعد نيل العديد من الدول استقلالها من الاستعمار الأوروبي في الثلاث عقود اللاحقة من تأسيس المنظمة، ليضم 193 دولة في عام 2011، بعد انضمام جمهورية جنوب السودان إليها. وكما هو معروف، فإن أهداف هذه المنظمة لا غبار عليها، بل إنها إنسانية ويمكن حتى القول بأنها سامية، ولكن يجب التذكير مرة اخرى بأن من صاغ ميثاقها وعمل على تأسيسها هو ”القوي“، المنتصر في الحروب وذو القدرة العسكرية والاقتصادية والسياسية، فأعطى لنفسه حق الرفض ”الفيتو“، ذلك الحق الذي رأيناه يستخدم لخدمة أغراض الدول التي تتمتع بهذا الحق، وأفضل دليل على ذلك، الحرب الروسية-الأوكرانية وحرب إسرائيل على غزة.

ردة الفعل ومواقف الدول

والجدير بالذكر، أن المرحلة الحالية التي يمر بها العالم هي من المراحل النادرة في التاريخ الحديث، حيث ظهر فيها بوضوح كيف تتلاعب هذه الدول في استخدام هذه الصلاحية، الفيتو، عندما شهدناها تصوت لصالح أمر ما لمساندة من تدعمه، بينما تصوت ضد نفس الأمر عندما يتعلق الامر بمن تعاديه، أي أن ما يطلق عليه بـ ”الكيل بمعيارين“ لم يكن بهذا الوضوح يوما ما، خاصة بما يتعلق بالدول التي تتبجح بالالتزام بالمواثيق الدولية التي قامت عليها الأمم المتحدة. وقد رأينا ذلك في استخدام حق الفيتو من قبل الولايات المتحدة عدة مرات، رغم تصويت مجلس الأمن بالأغلبية الساحقة على ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي وتقديم المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني. كما استخدمته الصين وروسيا مرة واحدة ضد مقترح للولايات المتحدة في نفس الشأن.

لقد سرب خبر طلب المدعي العام قبل صدوره بأسبوع، ورغم عدم التأكد من ماهيته ومضمونه، أثار ضجة صاخبة في العالم، خاصة في إسرائيل وحليفتها وداعمتها الأزلية الولايات المتحدة. وظهرت التصريحات ضد هذه القرار، واعتبر لاغيا حتى قبل صدوره، بل ذهب إثنا عشر سيناتورا جمهوريا، أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي، إلى أبعد من التصريحات، عندما بعثوا برسالة تهديد علنية للمدعي العام، كريم خان، إن أصدر مثل هذا الطلب. وتضمنت التهديدات ملاحقته، وملاحقة فريقه القضائي وعائلته! ومن ضمن ما جاء في هذا التهديد ”إن استهدفتَ اسرائيل فسنستهدفُكَ“. وبذا أظهروا علانية مدى استخفافهم وعدم احترامهم للمواثيق الدولية، وإن كانت الولايات المتحدة من الدول غير الموقعة على ميثاق هذه المحكمة، إلا أن الأعراف الدبلوماسية والتعامل الدولي لم يشهد سابقا مثل هذا الاستهتار بهيئة دولية كانت ولحد اليوم من الهيئات التي دعمتها الولايات المتحدة سياسيا وماديا. لقد مارس هؤلاء المنتخبون في أعلى مجلس تشريعي في الولايات المتحدة برسالتهم للمدعي العام أساليب لم تكن معهودة من قبل، ويمكن تصنيفها من إحدى أساليب ”المافيا“ التي باتت معروفة من الوثائق القضائية ومن أفلام هوليوود الشهيرة، عندما ترسل رسالة من إحدى عصابات الجريمة المنظمة إلى من تود ابتزازه ”سنلاحقك، أنت وعائلتك“.

وبعد صدور طلب المدعي العام، سارعت الولايات المتحدة وإسرائيل في رفض طلب الادعاء هذا، ووصف الرئيس الاميركي هذا الطلب بأنه ”شائن وفظيع“، بينما كان ترحيبه التام عندما أصدرت نفس المحكمة قرارا باعتقال الرئيس الروسي ”بوتين“ ولنفس الأسباب. أما رئيس الوزراء الإسرائيلي فقد ظهر بتصريح يعلن فيه اشمئزازه من هذا الطلب، واستهجن مقارنته بـ ”إرهابيي حماس“ على حد تعبيره، كما وصف في نفس التصريح المدعي العام، الذي بارك أمر تعيينه قبل بضعة سنوات، بأنه من المعادين للسامية، التهمة التي امتهنتها إسرائيل مؤخرا بعد أن ألصقتها بكل من عارض او انتقد أو حتى أبدى أي شك في سير الحرب على غزة، حتى أصبحت هذه التهمة اليوم عديمة المعنى، ولم تعد تسكت الأصوات المنتقدة لإسرائيل بعد أن بالغ مسؤولو الحكومة الإسرائيلية والمتحدثين باسمها في تكرار هذه التهمة على كل معارض، حتى وإن كان اسرائيليا ويهوديا، رغم أن الأخير يوصف بالكراهية ليهوديته، كما حدث مع أكاديميين ومفكرين يهود، مثل نعوم تشومسكي وأيلان بيبيه وآفي شليم وغيدون ليفي وآخرين كثر من داخل وخارج إسرائيل. وردة الفعل هذا تنم عن أهمية هذا الطلب تاريخيا لأسباب عدة، منها أنه وضع قادة الحكومة الاسرائيلية، والتي تعتبر حكومة ديمقراطية من الطراز الاوروبي المتحضر، في مصاف من يصفونهم، في حركة حماس، بالإرهابيين والمخربين والوحوش، بل حتى بالداعشيين. كذلك فإن هذا الطلب أوضح للعالم بأن هذه المحكمة لا ترى أن هناك احد، مهما كان منصبه وفي أية دولة في العالم، هو فوق سلطة القانون، الذي لا يحتكم إلى اعتبارات أخلاقية، وإنما إلى ما يمارس أثناء الحروب. كما وأن الطلب هذا وضع من كان يدعي دعم المواثيق والهيئات الدولية التابعة للأمم المتحدة في الموقع الذي فيه تتكشف مدى مصداقية هذه الادعاءات. والحق يقال، أن مواقف غالبية الدول الأوروبية بشأن هذا الطلب كانت أقل حدة من الموقف الإسرائيلي والأميركي، بل دعمت كل من فرنسا والنرويج وإسبانيا وأيرلندا وبلجيكا وسويسرا ومالطا وسلوفينيا والسويد قرار المدعي العام، وأكدت هذه الدول على ضرورة احترام القانون واستقلالية المحكمة. وبينما عارضت إيطاليا وهنغاريا والنمسا طلب المدعي العام، اكتفت دول اخرى في انتقاد صيغة الطلب التي تساوى فيها مسؤولون في حكومة ديمقراطية وقادة "منظمة إرهابية"!، مثل ألمانيا وإنكلترا، رغم أن هذا الادعاء مضلل، لأن المدعي العام أصدر طلبين منفصلين، يطلب في الأول منهما اعتقال المسؤولين الإسرائيليين وفي الثاني اعتقال قادة حماس. أما في العالم، فهناك تأييد واسع من غالبية دول العالم وترحيب كبير من جنوب أفريقيا وشيلي والبرازيل وكندا وأستراليا وكولومبيا وسلطنة عمان والأردن.

أصوات مسموعة في الوطن العربي

لقد مرت اليوم أكثر من سبعة شهور على أحداث السابع من أكتوبر، وسمعنا خلال هذه الفترة العديد من التصريحات والآراء التي انقسمت بين من وقف ضد ومن وقف مع ما قامت به المقاومة الفلسطينية عندما اخترقت السياج الذي أقامته إسرائيل لحجز أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة صغير المساحة، حتى أصبحت هذه الرقعة الجغرافية من أكثر بقاع العالم كثافة في السكان، وأصبح القطاع يوصف بالسجن المفتوح. ومن وراء هذا السياج مارس الكيان الإسرائيلي جميع أنواع التحكم في حياة سكان القطاع، وكان السلطة الوحيدة التي تتحكم فيما يدخل ويخرج من القطاع من طعام وكهرباء وماء وسبل اتصال وسلع وكل ما يحتاجه أي مجتمع إنساني في العالم، حتى بلغ الأمر عدد السعرات الحرارية التي تصل لكل مواطن هناك. ورغم كل هذا الحصار الذي دام لما يقارب العقدين من الزمن، إلا أننا شهدنا أصواتا في الغرب تتحدث عن ”حق“ إسرائيل في حماية نفسها من ”المخربين“، متناسين أن إسرائيل، وبحكم المجتمع الدولي ليست إلا سلطة احتلال وعليها، بضمن القوانين الدولية، توفير الحماية والرعاية لمن تحتلهم. غير أن هذا ليس بالغريب على الأصوات الغربية لما نعرفه من موالاة لإسرائيل ونكران لحقوق الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال منذ أكثر من سبعة عقود من الزمن. إلا أن الغريب أن نسمع أصواتا عربية، ومن إذاعات رسمية، ومن إعلاميين ومحللين مرموقين في المجتمع العربي، تستنكر على المقاومة أعمالها، وتضع مسؤولية ما حدث بعد السابع من أكتوبر للشعب الفلسطيني على كاهل المقاومة! ويمكننا القول أن هول المأساة وما يتعرض له الشعب الفلسطيني منذ سبعة شهور، من قتل جماعي وتدمير وترحيل جعل كل من في غزة يعاني من الفقدان والحرمان والجوع، يمكن له أن يجعل ردة فعل هؤلاء المهتمين أن تكون عاطفية، كذلك الذي يقفد إيمانه بالحياة أو بربه بسبب فقدان ابنه أو ابنته. 

ويمكن لنا أيضا أن ننظر لها بأنها نابعة من العداء لفصيل مشارك أو مسؤول ما في المقاومة الفلسطينية، ولكن علينا أن نذّكر هؤلاء القامات والإعلاميين ورؤساء تحرير الصحف المرموقة في الوطن العربي، أن ممارسات إسرائيل الهمجية لم تكن وليدة السابع من أكتوبر، بل إن الشعب الفلسطيني يعاني منها منذ قرن من الزمن! وقبل أن تولد حركات ومنظمات المقاومة الفلسطينية التي نعرفها اليوم. ولنا أن نسأل اليوم ما هو موقفهم بعد أن وقفت شعوب العالم، بما فيها العالم الغربي، بجانب الحق الفلسطيني رغم أحداث السابع من اكتوبر، بل اعتبر العديد من المحللين السياسيين، مثل جون ميرشايمر وجيفري ساكس وجوزيف ستغلز وغيرهم من العسكريين في الغرب وحتى في إسرائيل، أن هذه الحرب لم تولد من الفراغ، كما جاء على لسان السكرتير العام للأمم المتحدة غوتيرش. وبعد إصدار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية طلبا لاعتقال نتنياهو وجالانت، هل لا زالت هذه الأصوات متمسكة بآرائها التي تضع كل تبعات المأساة على عاتق المقاومة؟ وماذا سيقولون لمشاهديهم وقرائهم ومتابعيهم، بعد أن وقفت المنظمات الدولية الشرعية رافعة سلطة القانون ضد كل من هيأت له نفسه ارتكاب جرائم حرب؟ صحيح أن المدعي العام للمحكمة الجنائية أصدر طلبا مماثلا بحق قادة حماس، إلا أنه لم يضع مسؤولية هذه الجرائم على عاتق هؤلاء القادة فقط، كما فعلت هذه الأصوات العربية. كما وأن طلبه اليوم ضد قادة اسرائيل يعني تهمة لمن يقف وراءها أيضا، ولهذا شهدنا استنفار الولايات المتحدة بعد صدور الطلب.

إننا نأسف للمواقف العربية التي اعتدنا عليها بشأن القضية الفلسطينية منذ قيام إسرائيل وحتى اليوم، ولكننا لم نشهد تداعيا في مواقف المثقفين مثل ما شهدناه خلال هذه الحرب. ولا يمكننا أن نعزي هذه المواقف إلا إلى ردة فعل عاطفية أكثر منها عقلانية، نابعة من حجم المأساة والعداء الذي يكنه هؤلاء إلى حركة ما أو تنظيم ما، متناسين أن القوانين الدولية لحقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير المصير لا تميز بين ديمقراطي وإرهابي في الحروب، وتنص بوضوح على حق الشعوب المستعمَرة والمحتَلة أن تمارس شتى أساليب النضال من أجل تحررها، بما في ذلك أساليب العنف واستخدام السلاح. 

وفي نهاية المطاف، ما يهمنا هنا هو شعور المواطن الفلسطيني اليوم الذي يكاد أن يفقد أي امل في حقه في حياة كريمة، وما يمكن لموقف المدعي العام أن يعيد ولو شيئا من الأمل له. ولا ننسى أن هذا الطلب لوحده جعل العديد من الدول الأوروبية تسارع على إثره بالاعتراف بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة، يحددون فيها سلطتهم ونظامهم كما هو حال كافة شعوب العالم.
-----------------------------
بقلم: د. سليم العبدلي *
* شاعر ومترجم وعالم فيزيائي دنماركي

مقالات اخرى للكاتب

الأمل واللا أمل يتصارعان عند عتبة تضامن الشعوب الغربية مع غزة!





اعلان