20 - 06 - 2024

الأنبا أرميا ومرمي نيران الهجوم الأشرس

الأنبا أرميا ومرمي نيران الهجوم الأشرس

استنكرت الحملة الممنهجة ضد نيافة الأنبا أرميا بعد بيان الوحدة الوطنية التي أعلن فيها وحسم مؤسسة كيان مع الشيخ أسامة الأزهري، حيث يبدأ البيان - بالتأكيد- على وحدة الله تعالى بين جميع المؤمنين، وهي نفس البداية التي استخدمت من الراحل البابا شنودة وظل علي نهجه، كما ذكرت عدة مرات في مئوية الراحل وتكريمه، مما لا يدع مجالا للشك أن لحاف العلمانية والتنوير يحوي الكثير من المستتر في جعبته.

 ويؤكد البيان على ضرورة الحفاظ على الثوابت الدينية دون أي تغيير، رافضا بشدة أي محاولة لإنكار السنة النبوية أو التقليد الكنسي، وهي الجملة التي أحدثت الكثير من الضجيج غير مبرر وكأن التشبيه أصبح جريمة في نظر بعض الأقباط رغم أنه السياق اللفظي إستلزم وضعهما معا بالتعددية وليس العطف طبقا لخلفيات لم تعلن علي العامة، وقام فريق متشدد يحاول تصوير وضعهما معا بالتشدق بالذمية والمازوخية، رغم أن البيان يعلن بوضوح رفضه لأي تيارات غريبة أو أفكار هدامة قد تهدد السلام المجتمعي أو تضر بأفراد الشعب، بغض النظر عن دينه، وهو دور وطني اتسم به البيان وجاء في إطار المحبة والتواصل، ولم يكن وليد اللحظة أو وليد تدخل من الكنيسة الارثوذكسية علي الخط والزج بها كطرف، ولكنه خلف سيلا من الاتهامات والانتقادات دون الإطلاع علي الصورة الكاملة التي استدعت صدور بيان متوازن و توافقي مع كافه اطياف المجتمع، فأي أرث يريد هؤلاء المهاجمين بضراوة لابنائهم فيما بعد؟ 

أليس من حق الكنيسة أن تنتفض في مواجهة فقاعة وثنية ورطانة طائفية تحت مسمي "كاتب وفيلسوف" سبق أن طعن في البابا كيرلس ووصفه بالفاسد الراشي وروج لنسطور وأريوس الذي نعته بالموحد وصور السيد المسيح أنه رمز أفلاطوني في روايته المشؤومة وروج أيضا لمظلمة طرد اليهود من مصر.

وقد أعلن نيافة الأنبا أرميا عن تعاونه مع فضيلة الدكتور أسامة الأزهري على نشر الوعي والحفاظ على الثوابت الدينية، وتكوين جيل واع قادر على فهم التحديات الحالية، مع تأييده الكامل للبيان السابق الذي أصدره فضيلته، وهي ليست المرة الأولى التي يتعاون الأزهر الشريف مع المركز الثقافي القبطي، و- بالتأكيد - لديهم الخلفيات غير المعلنة والأهداف الأخرى المستترة لدي «تكوين»، والتعجب الحقيقي يأتي من شن حملة شعواء، وكأن أمل البلاد يتعلق بمجرد إنشاء كيانات هلامية تدعى العلم الشامل والفلسفة النقدية دون أثر حقيقي بالشارع، أو لعلهم يدافعون عن أشخاص بعينهم أساءوا للكتاب المقدس، أليس هذا نوعا من المازوخية عند تأييد نفس الوجوه المتلاعبة بالتقليد الكنسي والتي ترى بدلا منها استحداث قوانين توحد حياة الطائفة، حيث سبق لها ازدراء وطعن المسيحية بذاتها ولم يمنحوا أنفسهم دقيقة ليطرحوا عدة اسئلة، ما قيمة إصدار بيان واحد وهل يهدد بقاء المركز على الرغم من إعلان المناظرة، وهل بإمكان مركز ثقافي أن يدرس كافة العلوم الدينية والأوراق البحثية ويتفوق على مكتبات قيمة وثرية بالمعلومات لها دورها التنويري أيضا في مكافحة الإلحاد والدين العالمي الموحد؟ وهل كان يجب أن تترك المؤسسات الدينية أبنائها للتخبط والانحناء لمؤسسة غير واضحة الملامح تحت عباءة التنوير؟، ولماذا كانت مصر نواة لإنشاء المؤسسة على الرغم من وجود اثنين من مؤسسيها عربا بتمويل أيضا عربي، فماذا يعيب نيافة الأنبا أرميا من تثمين الحوار بين الأديان وتعزيز التفاهم ونشر الوعي الديني ومواجهة الأفكار المتطرفة، في آن واحد، كما يؤكد البيان أهمية دور الدين في تعزيز السلام المجتمعي.

وفي السابق، كان بيان مشترك عام ٢٠١٠ لفضيلة الشيخ أحمد الطيب والراحل البابا شنودة بعد الأزمة التي تسببت فيها تصريحات الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس، ولم يسبب البيان أي موجه غضب تذكر، وعلي الرغم من انحصار الأمر كله في صورة مناظرة، ألا تستحق رواية عزازيل وما يعرف باللاهوت العربي التصدي الحاسم، وخطة تفريغ الشرق الأوسط من المسيحية، وإذا كان المركز الثقافي القبطي يحظى بالمخطوطات والوثائق القبطية والبحوث والدراسات التراثية، فما المانع أن يتم إسناد مهمة التصدي للمغالطات الفادحة خلال المناظرات له، ومن الممكن انضمام أساقفة آخرين من المجمع المقدس لتكون وقفة حاسمة، لكن هذا الفريق يريد استبعاد الأنبا أرميا لحسابات شخصية لاترقى أن تطرح، طالما هناك خطر يواجه الطائفة الأرثوذوكسية حتى لو كان غير معلن أو لم يقتنع البعض بهذا المنظور لندرة المعلومة وحساسيتها، وهي ليس تكهنات أيضا بوجود مخططات أيضا خارجية تستهدف الأرثوذكسية، فما يحاك للطائفة أكبر من مجرد بيان، فتكفي خلفية بعض القائمين علي المركز، فلديهم من السجل ما يكفي كي يسبب النفور الفكري والثقافي، كما أوضح الشيخ أسامة خلال الاتصال أنه هناك حزن لدي نيافته من تطبيق نصوص الإنجيل فقط، مع هجر التقليد الذي نقلت به الديانة المسيحية، حيث إن الأسرار السبع لدي الكنيسه القبطية لم تذكر – بالتفصيل - في الإنجيل، بل تم تلقيها حسب التقليد الكنسي التاريخي جيلا من وراء جيل، فجاء البيان رد فعل مكمل لوجود نية قائمة لدي أصحاب القرار داخل الأجهزة بتطبيق حزمة قوانين وقرارات جديدة، بالتوازي مع تنقية التراث الإسلامي، وبالتالي دخول الكنيسة طرفا ليس رفاهية، وهو مرتبط من البداية بفكرة "تكوين" والقرارات المصاحبة لها، بل تعد من صلب أنشطه المركز الثقافي، فليست الطائفة بمنأي عن الأحداث ولم يكن الوقت مبكرا لإصدار البيان.

إن التقليد الكنسي ليس مجرد محاكاة الماضي، بل هو تسليم وديعة ، فترتيب العبادة، والمنهج الروحي والسلوكي متصل بالحاضر والمستقبل يحمل قيم وتجارب الآباء والأجداد، إذا تم إلغاؤه، فقد يؤدي إلى عدم الاستقرار والتشتت في العقائد والممارسات، وتغير في الأسرار الكنسية والمنهج الديني،وانقسام المؤمنين وضياع الوحدة التي تتبنى آراء متباينة ، فالنموذج الأوحد الناجح جاء باختلاف الحكام والثقافات، ففي مصر القديمة، استمرت التقاليد الدينية لآلاف السنين. ومع ذلك، قد شهدت بعض التغييرات على مر العصور، مثل تغيير الآلهة المعبودة والطقوس الدينية، وفي عصر الأسرات المبكرة، تأسست طبقة رجال الدين وكانوا يلعبون دورا حيويا في الحفاظ على المعتقد الديني والتقاليد، وتطور هذا الدور علي مر العصور، والسؤال هنا، هل الدولة بحاجة إلى استنساخ تجربة مارتن لوثر للطائفه الأرثوذكسية مستغلين التيار العلماني الأعلى صوتا؟ وانطلاق حركه الكتابيون مثل المعمدانيين و الخمسينيين واللوثريين! وبالتالي إضعاف الهوية القبطية.

إن الإصلاح الكنسي المزعوم غالبا ما يتسبب في انقسام داخل الكنيسة عاطفيا، ويدور حول قرارات إدارية تتعلق بمزيد من الشفافية والمساءلة من جانب القيادة الكنسية، وربما هو دور يسعى إليه التيار العلماني ويتضمن أيضا إصلاحات طقسية ومعالجة قضايا الأحوال الشخصية، ومن الممكن أن يؤدي الإصلاح إلى انقسام الكنيسة، وفتح الباب لاستبدال التقليد الكنسي بنظم حديثة، والتشكيك في العقيدة، ونشر أفكار متطرفة، ولذلك لا يجب أن يكون تجديد الخطاب على حساب الإيمان السليم وتسلسله، ولا يستوجب ذلك أي تعديلات من جانب الدولة عبر حزمة قوانين تتعلق بإلغاء التقليد نفسه، مما دفع الأنبا أرميا لاتخاذ موقف مغاير، تم وضعه في الصورة لإصلاح تداعيات أكبر، ووجد نفسه في دائرة مغلقة نواتها السنة النبوية، فصاغ لغويا جمله اعتراضية لبيان أهمية التقليد عند الكنيسة القبطية الذي يعادل نفس الأهمية والغضب عند الغاء السنة والاكتفاء بالقرأن الكريم، وهو بمثابه مقارنة شرفية ارتقي فيها البيان ليوضح خطورته، فترك البعض البيان كاملا وذهب يتهم الأنبا ارميا بالدفاع عن السنة النبوية وحدها، وكأن نيافته مع الجمود، خاصة أن بعض المفاهيم داخلها يستند إليها بعض المتشددين لتبرير أفعالهم، ولكن لا بد لمتخذ القرار أن يضع نفسه مكان الآخر بحيث تكون صفقه رابحه للطرفين في اتجاه واحد، فلا يمكن بحال من الأحوال قبول تنقيه التراث في دين الآخر بينما يظن الأقباط أنهم سيحتفظون أيضا بالتقليد الكنسي دون أن تأتي عليهم الرياح، حتى وإن كان المشهد ضبابيا ، وفي نفس التوقيت وجد النظام نفسه في مأزق بعد إعطاء الضوء الأخضر لفريق "تكوين"، فلا يستطيع أن يعفي الأقليات من التغير والاكتفاء بالتعديل الإسلامي تحت أي مسمى، خشية أن يتهم البعض الدولة باستهداف دين الأغلبية والتركيز على دين واحد فقط وضياع مبادئ الارتكاز السليم، فوجد نيافته أرضا مشتركة مع الشيخ أسامة وهي الغيرة الدينية بمفهومها السليم في محاولة تصحيح المخرجات بعد أن حادت الدفة وصارت ضجيجا عند القيادة السياسية، وبعد اتهامات بنشر مبادئ الدين العالمي الموحد وأسند لهما الدور الأساسي في قيادة المناقشات بأفق أوسع تحت مظلة حقيقه آمنة و بيئة حوار له أسس تتوافق مجتمعيا، فالقضيه قومية قبطية بعيدا عن معركه الأشخاص الجانبية، وأري أن انتهاز هذه الفرصة يعد في صالح الطائفة حتي لو اختلف البعض علي الصياغة، فلم يكن هناك مفر من ترتيب الطرح ليلقي قبولا مجتمعيا وإبراز أهمية التقليد بالبيان.
-------------------------
بقلم: جورجيت شرقاوي

مقالات اخرى للكاتب

خانة الديانة في كشوف طلاب المدارس بين الجمود والطرح





اعلان