19 - 06 - 2024

في مناسبة عيد الإعلاميين (2) | قَدْ سَمِعَ اللهُ و كلَّمَ اللهُ .. فهل يسمع معالي رئيس الوزراء للمتقاعدين في ماسبيرو أو يكلمهم!!

في مناسبة عيد الإعلاميين (2) | قَدْ سَمِعَ اللهُ و كلَّمَ اللهُ .. فهل يسمع معالي رئيس الوزراء للمتقاعدين في ماسبيرو أو يكلمهم!!

على خلفية أزمة تأخر صرف المستحقات الواجبة بحكم القانون للمتقاعدين في ماسبيرو لما يقرب من خمس سنوات ؛ التقيت للمرة الثانية رئيس الهيئة الوطنية للإعلام ؛ لكن هذه المرة مع عدد محدود جدا من الزملاء المتقاعدين ، و باستدعاء شخصي من سيادته ، و في حضور جميع كبار مساعديه . 

في اللقاء الذي جرى قبل رمضان الماضي بأسابيع قليلة ؛ قدمت إلى رئيس الهيئة مقترحا لحل الأزمة ؛ في شكل مذكرة قانونية ؛ مرفق بها حافظة قوانين و أحكام و فتاوى و قرارات ؛ عن الوضع القانوني لمنحة / مكافأة نهاية الخدمة المقررة للعاملين المتقاعدين في الهيئة . و كانت خلاصتها أن الهيئة الوطنية للإعلام مستثناة - و بعبارة واضحة و مانعة لأي جدل قانوني - من أحكام المنشور العام لوزارة المالية الرقم 9 لسنة 2013 الذي خاطب الجهاز الإداري للدولة بـ " عدم قانونية صرف أية مبالغ كمكافأة نهاية الخدمة للعاملين المحالين إلى المعاش خصما على اعتمادات الموازنة ... وذلك عدا الجهات التي تنظم شئونها قوانين خاصة تخالف ذلك " ، و هو استثناء ينطبق انطباقا تامّا على الهيئة الوطنية للإعلام ( اتحاد الإذاعة و التلفزيون السابق ) ؛ باعتبارها هيئة اقتصادية ، و ينظم عملها قانون خاص بها .  

وأكد هذا العرض القانوني - بدون أي التباس - أحقية العاملين المحالين إلى المعاش بالهيئة الوطنية للإعلام في صرف المنحة / المكافأة المقررة لهم ، على أساس الضوابط المحددة في قرار رئيس مجلس أمناء اتحاد الإذاعة و التلفزيون الرقم 332 لسنة 1990 الذي رفع قيمة المكافأة إلى ما يعادل 150 شهرا على آخر راتب أساسي شهري حصل عليه العامل ، و خصما على اعتمادات موازنة الهيئة التي حلت محل الاتحاد ؛ إعمالا لمبدأي المساواة و تكافؤ الفرص اللذين يستوجبان مساواة المتقاعدين بالهيئة الوطنية للإعلام بمن سبقوهم في التقاعد ، و اتباعا لما ذهبت إليه الفتاوى و الأحكام القانونية الصادرة عن القضاء المصري في حالات مماثلة ؛ خاصة أن المادة الرقم 83 انتقالية من القانون 92 لسنة 2016 الذي أنشأ الهيئة الوطنية للإعلام ؛ نصت على أن " ينقل العاملون بالاتحاد إلى الهيئة بذات درجاتهم و أقدمياتهم ، و يحتفظ لهم بالمرتبات و البدلات و المكافآت و سائر الحقوق المالية المقررة لهم بصفة شخصية ... " .  

و الحقيقة أنني كنت قد قدمت المقترح نفسهإلى رئيس الوزراء قبل أشهر قليلة من هذا اللقاء ؛ ملتمسا منه مخاطبة الهيئة الوطنية للإعلام ؛ و كنت أعلمت رئيسها بطريق غير مباشر بنيتي مخاطبة رئيس الوزراء بشأن الموضوع ؛ لتقوم الهيئة - بتوجيه مباشر من سيادته - و بصفة عاجلة ؛ باستئناف صرف مكافأة نهاية الخدمة للعاملين المتقاعدين فيها ؛ خصما على اعتمادات موازنتها ، و بالشروط المحددة للصرف التي طبقت على الزملاء الذين تقاعدوا قبل منتصف ديسمبر 2018 ؛ استرشادا – على الأقل - بفتوى مجلس الدولة بمشروعية صرف مكافأة نهاية الخدمة للعاملين بالهيئة العامة للتنمية الصناعية ، و إدراجها بموازنة الهيئة ؛ خلافا لما تضمنه منشور وزارة المالية الرقم 9 لسنة 2013 . 

و ناشدت سيادته - على سبيل الاحتياط - صرف هذه المكافأة من المخصصات المالية الجائز استخدامها لهذا الغرض في الموازنة العامة للدولة ؛ و منها مخصصات الطوارئ ، و البند الرقم 10 المتعلق بالمنح و الدعم و برامج الحماية الاجتماعية ؛ إنْ هو اعتبر أن مشكلتنا هي قضية اجتماعية ( تتعلق بمواطنين يعيشون تحت خط الفقر ) مؤداها أن نحو 5000 أسرة يجري تجويعها و تدميرها و تخريب بيوتها و إهانتها !! على أن تتم تسوية الموارد التي يقررها من مخصصات الهيئة الوطنية للإعلام ، أو ديونها المستحقة لدى الحكومة ، أو بأية طريقة يراها . 

و ختمت الملتمس بالقول : " إننا نتطلع إلى أن تتخذ سيادتكم قرارا عاجلا لحل مشكلتنا حلا شاملا نهائيا ، أو بطريقة جزئية مؤثرة ؛ قرارا تظاهره رؤيتكم الثاقبة للمشكلة في أبعادها الإنسانية المتعددة " .  

***

و على قدر ما قرأت و تابعت و درست ؛ لم أعرف في تاريخ الدولة الوسيطة و الحديثة كبيرا أو رئيسا للوزراء إلا و كان على دراية و معرفة بمشاكل الرعيّة / الشعب الذي يعاون هو الحاكم في البحث عن حلول لها ؛ كونه طبقا لأحكام السياسة الحديثة و النظم الرئاسية يعدّ الرجل الثاني في الدولة ، و يفترض ألا تخفى عنه شاردة أو واردة . و لا أظن أن رئيس وزراء مصر دولتنا الراسخة التي هي الأولى في تاريخ البشرية يمثل استثناء من هذا التعميم ! 

و الرؤساء في النظم الرئاسية المعروفة حديثا قد يغيّرون رئيس وزرائهم لأسباب عديدة ؛ قد يكون من بينها مجرد تجديد الدم ؛ إنما لعدم المعرفة و الإلمام أو بسبب الصمت عن تردي أحوال رعيّته من البؤساء و المنعّمين ؛ على حد سواء ! لا توجد أية حالة أعرفها في هذا الصدد ! 

بناء على ذلك ، و من دون أدنى شك ؛ يعرف رئيس وزراء مصر بمشكلة المتقاعدين في الهيئة الوطنية للإعلام ؛ مثلما كان يعرف بمشكلة العاملين في المؤسسات الصحفية ! و لهذا نسأل : لماذا تدخل في مشكلة الصحفيين و يلتزم التجاهل و الجمود تجاه مشكلة المتقاعدين في ماسبيرو ؟ دلالة هذا السؤال واضحة ؛ فرئيس الوزراء لا يعمل وفقا لقواعد العدل و المساواة ، و هو يواجه المشكلات بطريقة انتقائية ، و يهتم بشرائح معينة فقط من مواطنيه الذين منحوه الثقة انطلاقا من كونهم منحوا الثقة و التأييد للرئيس الذي اختاروه لقيادة الدولة . و المفترض و قد قام الرئيس بما يتوجب عليه من دور في ما يخص القضية العامة المتمثلة في تأمين أموال أصحاب التأمين الاجتماعي و المتقاعدين في مختلف مؤسسات الدولة فور توليه السلطة ؛ أن يقوم كبار معاونيه و من هم في مستويات الإدارة الأدنى ؛ بمتابعة و مواجهة المشكلات الفرعية الموصولة بها . 

و قد فعل ذلك رئيس الوزراء مع الصحفيين !!! فقبيل انتخابات مجلس نقابة الصحفيين قبل سنوات قليلة وجد الرجل الحل لمشكلة الصحفيين المماثلة ؛ قبيل عملية التصويت فيها بسويعات ! و كان مؤداه اللجوء إلى المخصص المالي للطوارئ في الموازنة العامة ، و إذا لم يكن ذلك صحيحا فقد وجد مخرجا عاجلا أيّا ما كان لمشكلة الصحفيين . فأين هو من مشكلة المتقاعدين في الهيئة الوطنية للإعلام ؟ و لماذا لا يطبق الحل الذي قدّمه لمشكلة الصحفيين على مشكلتهم ؟ 

بالتأكيد يعرف رئيس الوزراء حجم و طبيعة المآسي التي يعانيها المتقاعدون في الهيئة ، و يعرف أن عددهم أضعاف أضعاف الصحفيين ، و يعرف أن وزارات عديدة في حكومته العتيدة مدينة بمبالغ كبيرة للهيئة نظير خدمات قدمتها الهيئة إليها ، و يعرف أن حكومته تضع أغلالا و قيودا حديدية حول يدي الهيئة لمنعها من التصرف في أصولها العينية ، و يعرف ما أصاب العملة الوطنية في ظل إدارته من انخفاضات متتالية في قوتها الشرائية ، و يعرف المستويات القياسية التي بلغتها أسعار السلع بمختلف أنواعها ، و النفقات اللازمة للحصول على الخدمات الحيوية كالعلاج و النقل و التعليم و الاتصالات ، و يعرف أن حكومته تحصّل مديونياتها لدى الهيئة الوطنية للإعلام - التي تقدم لها مخصصات للدعم من خلال وزارة المالية - و لا تقوم بسداد ما عليها لها ؛ فحكومة رئيس الوزراء تعطي الهيئة الوطنية للإعلام بيدٍ ، و تأخذ ما أعطت و يزيد باليد الأخرى ! و لعله لا يعرف أن منشور سنة 2013 لوزارة المالية الذي بات سيفا مسلطا على رقاب المتقاعدين المنكوبين ؛ يمنحهم بنصه المنشور في الجريدة الرسمية استثناء واضحا لحل مشكلة مكافأة نهاية الخدمة ! 

و لهذا أسأله : أين هو ؟ لماذا لا يتعامل مع مشكلة المتقاعدين في ماسبيرو و لا يرد على مكاتباتهم ؟ لماذا يتجاهل مشكلات مواطنيه و لا يسمعهم أو يكلمهم ؟ و أطالبه بالتدخل بالطريقة نفسها التي تدخل بها لحل مشكلة الصحفيين ، أو بأية طريقة أخرى ؛ عن طريق الموازنة العامة أو عن طريق إعفاء الهيئة من جزء من ديونها أو تأجيلها أو غيرها من طرق ؛ فلقد بلغت الحلقوم يا معالي رئيس الوزراء !!  

***

لقد فعل الدكتور مدبولي كل شيء على مدار سنوات رئاسته الطويلة لمجلس الوزراء من أجل بناء الكراهية بينه و بين المتقاعدين المستضعفين في ماسبيرو ، و لهذا ؛ فلو اجتمعت مصر كلها على تأييد تكليف الرئيس له بتشكيل حكومة جديدة ؛ فإن المتقاعدين في ماسبيرو لن يفعلوا !

و تقول العرب أحيانا في عدم الالتفات إلى النصح ، و أحيانا في اليأس من إجابة الغوث ؛ استعارة من ابن مَعْد يَكْرِب : و لو نارٌ نفختَ بها أضاءت و لكن أنت تنفخ في رمادِ   

هل سمعت المتقاعدين في ماسبيرو ؟ إنهم ينادونك يا دولة رئيس الوزراء ! لقد وصل التماسهم إلى سيادتك مرتين ؛ ثانيتهما تحديدا أحيل فيها إليك التماسهم مع عدد من المتقاعدين كانوا قد ذهبوا به إلى فخامة الرئيس في المقر الرئاسي ، و تسلمه منهم مستشار سيادتك المسئول عن الشكاوى ( !! ) . 

***

قبل يومين دعا الرئيس عددا من وزراء الحكومة إلى مخاطبة المواطنين و الحديث معهم ، و كان ذلك في حضور كبيرهم الذي علمهم الصمت ( !! ) : فهل استشعر الدكتور مدبولي الحرج ؛ بافتراض أنه حاول أن يستذكر مثلا عدد اللقاءات التي عقدها مع المواطنين ، أو حتى مع وسائل الإعلام ؛ على مدار سنوات رئاسته للحكومة ؟ إنما من جانبي استذكرت و أنا أستمع إلى الرئيس قول المولى تبارك و تعالى " قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون " . 

لقد سمع الله السائلين و الطالبين و الشاكين و المجادلين و كلّم اللهُ من رسله يا دولة رئيس الوزراء ؛ فهل يسمعنا رئيس حكومتنا !! أم إنه يفضل الاستماع إلى مواطنيه الضعفاء من أصحاب الحقوق في مقره الجديد ؟ و ليطمئن !! هم لن يفعلوا ، و السبب بسيط و مخزٍ : فهُم لا يملكون نفقة الذهاب إلى سيادته هناك ليسمعهم أو يكلمهم ؛ فيتأذى ! و يستدعي لهم عناصر إنفاذ القانون ؟! نعم ... نعم ... بالضبط ... القانون الذي لا يطبق يا رئيس الوزراء !
-----------------------
بقلم: عبد المجيد إبراهيم  
[email protected]

 

مقالات اخرى للكاتب

في ميدان عمليات تغيرت مقارباته | كيف سيكون الرد الجوابي لحزب الله على العدوان الصهيوني ضد لبنان؟





اعلان