26 - 06 - 2024

خانة الديانة في كشوف طلاب المدارس بين الجمود والطرح

خانة الديانة في كشوف طلاب المدارس بين الجمود والطرح

أثارت قضية وضع خانة الديانة في كشوف طلاب المدارس جدلاً في المجتمع المصري، حيث رأى البعض انها خطوة نحو تعزيز الهوية الدينية للطلاب، أو ربما أنها ضرورية لفهم التركيبة الدينية للمجتمع، بينما اعتبرها آخرون انتهاكًا لحرية المعتقد ودمجًا للدين مع التعليم، و تختلف سياسة وضع خانة الديانة في كشوف الطلاب من دولة إلى أخري، قد تكون خانة الديانة اختيارية في بعض الدول، بينما تعد إلزامية في دول أخرى إسلامية، حيث أعلنت نتيجة شهادة الاعدادية لعام ٢٠٢٤ بمحافظة الجيزة علي صفحتها و تفاجأ البعض بوجود خانة الديانة، و لذلك سابقا كان هناك جدل حقوقي ونزاع برلماني وتشكيك في دستورية القرار.

والحقيقة، أن بعض الطلاب غير المسلمين وأولياء أمورهم قد يشعرون بعدم الراحة تجاه وضع خانة الديانة في كشوف الطلاب خارج الكنترول، حيث قد يُفسر ذلك على أنه نوع من الضغط لفرض عقيدة معينة عليهم، لذلك يجب أن يظل التعليم علمانيًا ومحايدًا، ولا ينبغي ربطه بأي عقيدة دينية محددة، فقد يؤدي وضع بيت الديانة إلى تمييز ضد الطلاب من الأقليات في بعض المواقف، مثل منحهم امتيازات أو معاملة خاصة، فما الداعي لوضعها طالما أن الإسم يعرض كاملا ويعد كافيا؟، و يبدو أنه مشهد مكرر، اتفقت فيه رؤى التيار المتشدد لعقود فيما يخص قضايا حرية الدين والمعتقد، ولكن في ظل الجمهورية الجديدة، ما المانع من إعادة إثارة الأمر وأخذ خطوات ملموسة بتقديم مشروع وطرحه أمام البرلمان من ضمن تطبيقات مفوضية لمكافحة التمييز؟، خاصة أن مصر أخذت خطوات في ملف حقوق الإنسان، وينص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966 في بنود المادة 18 على حرية الإنسان في الإعلان عن دينه ومعتقده أو عدم الإعلان و«لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية» و هو ما لا ينطبق في حالات نتائج الطلاب فيما يخص التربية والتعليم ، فهذا الموقف المرتبك مؤشر ذو دلالة على عدم الإتجاه نحو حرية الدين والمعتقد بأسس سليمة، حيث أن السياسات الدينية للدولة المصرية لا تزال تتغلغل بها سياسات دينية تاريخية، ويليها تباعا خانة الديانة في استمارات العمل داخل سوق العمل، إن جعل المعتقدات الدينية سمة وظيفية مرغوبة أمر غير قانوني، فنحن بحاجة الي إتحاد للحريات المدنية في مصر، الأكثر شمولاً للتعامل مع هذه المواقف التي من شأنها أن تنتهك الفصل بين الدين والدولة.

و قد تُساهم خانة الديانة في تعزيز التعصب أو الصراع الديني بين الطلاب، مما يؤدي إلى مشكلات وتداعيات نفسية وأيدولوجية في المستقبل، و يعتبر نوعا من التلقين العقائدي المدجج، حيث نذكر منها الطالبة «مريم» طالبة صفر الثانوية العامة الشهيرة، و لذلك أجد من الضروري إعادة الطرح للحوار المجتمعي في إشارة إيجابية بشأن حقوق الفرد الدينية، وسيكون لدى المواطنين المزيد من الحرية في التعبير عن معتقداتهم الدينية دون قلق من التمييز، خاصه أنه لا يجوز إجبار أي مواطن على الإفصاح عن ديانته إلا إذا كان الإفصاح ضروريا لترتيب مركز قانوني وهو البند الغائب بين الطلاب، ولكن هذه الخطوة المبدئية سوف تقوم بالاتكاء على السياسات الدينية المصرية وسياسات الدين الرسمي التي اعتدنا عليها طوال السنين الماضية، بدلا من تصويرها كأنها ساحة معركة تتعارض فيها المصالح الدينية للآباء والطلاب والإداريين والمعلمين في كثير من الأحيان، وتؤثر الصراعات على العديد من جوانب التعليم العام، بما في ذلك المناهج الدراسية، والتي توجب علي وزارة التربية والتعليم أن تؤكد للآباء بأن المدارس العامة ستكون علمانية ولن تتنافس مع الآباء في التنشئة الدينية لأطفالهم، و التي تؤكد ضمان دستورية تجديد الخطاب الديني الذي يبدأ بالتنشئة.

و السبب الوحيد المنطقي للإبقاء علي خانة الديانة قد يكون بسبب امتحان مادة الدين الذي يزيد من تعزيز الهوية الدينية للطلاب وتجعلهم أكثر ارتباطًا بدينهم وثقافتهم، ولكن ليس بالضروري إظهارها علي المواقع الرسمية، ومن المؤكد أن يساعد تعليم الدين في غرس القيم الأخلاقية والاجتماعية لدى الطلاب، مثل الصدق والاحترام والتسامح، حيث يري البعض أن وضع خانة الديانة في كشوف الطلاب يساعد على فهمهم بشكل أفضل لدينهم وثقافتهم، وذلك من خلال التعلم من متخصصين في الدين، ولذلك يجب الفصل بين الأمرين، فما الجدوي من استمرار عرضها إذا كانت الدولة جادة في مكافحة الطائفية خاصة داخل المدارس, 

فكان من المفترض ان يساعد تعليم الدين في الحد من ظاهرة التنمر بين الطلاب، وذلك من خلال تعزيز احترام الآخرين بغض النظر عن اختلافهم، لذلك يجب على صانعي السياسات والمجتمع ككل مناقشة هذه القضية بعناية ودراسة جميع جوانبها قبل اتخاذ أي قرار، في ظل وجود هوية رسمية يتم التعامل بها في جميع التعاملات الرسمية، ومدونة بها الديانة، لكي نري تعديلات جوهرية بدلا من إفساح الطريق لإحلال رجال التيار الإسلامي وشبكة تحالفاتهم المستمرة إلي الآن داخل التربية والتعليم محل رجال حكومات ما قبل الثورتين لتنفيذ نفس السياسات المركزية بملامح جديدة.

و في عام٢٠١٦ ، أصدر رئيس جامعة القاهرة في مصر، الدكتور جابر نصار، قرارا فريدا من نوعه يتعلق بإلغاء خانة الديانة في جميع المستندات الرسمية، التي تصدر عن الجامعة، مستدلا بحالات لطلاب تم استبعادهم من دخول الدراسات العليا بسبب الدين، ودعا إلى توحيد القرار في جميع الجامعات المصرية، و لذلك نجد أن وضع خانة الديانة في المدارس يخالف القانون والدستور إذا كان لا يستدعي ذكر الديانة في الجامعة، وقوبل بوابل من الأستنكار المتشدد واتهام د.نصار بتنفيذ أجندة غربية خبيثة ! بالرغم من أن المادة الثانية من الدستور لا علاقة لها بالمدارس، وبالرغم من أن خانة الديانة ما تزال متواجدة في الأوراق الشخصية للطلاب المتقدمين.

و في الولايات المتحدة الأمريكية، تم إلغاء خانة الديانة من كشوف المدارس العامة في معظم الولايات خلال القرن العشرين، وفي فرنسا، تم إلغاء خانة الديانة من سجلات الميلاد والوفاة في عام ١٩٧٥، وتم إلغاؤها من كشوف المدارس في عام ١٩٨١، وحتي النموذج التركي، تم إلغاء خانة الديانة فيه من بطاقات الهوية الشخصية في عام ٢٠١٠، وتم إلغاؤها من كشوف المدارس في عام ٢٠١٢.

وفي تونس، تم إلغاء خانة الديانة من بطاقات الهوية الشخصية في عام ٢٠١٤، وتم إلغاؤها من كشوف المدارس في عام ٢٠١٦، وفي البرازيل، تم إلغاء خانة الديانة من سجلات الميلاد والوفاة في عام ١٩٨٨، وتم إلغاؤها من كشوف المدارس في عام ٢٠١٨. ويأتي ذلك في تصحيح مسيرة العديد من الدول في فصل الدين عن الدولة، في إطار يحترم حرية المعتقد ويمنع التمييز على أساس الدين، حيث أن خانة الديانة تُمثل انتهاكًا للخصوصية أيضا، ولا ينبغي للدولة أن تتدخل في معتقدات الأفراد الدينية أو علي الاقل إظهارها بشكل عام، فقد تبقي حبيسه أجهزة الكمبيوتر والأدراج مراعاه لمشاعر الأقليات، لكن البعض يريد إثارة الشارع وحفيظه المسيحين في مصر، خاصه أن التوقيت قد يبدو مناسبا لحل هذه النقاط الجدلية إن كانت الدولة جادة في استعادة الهوية المصرية، إلا أن الاستثناء المحدود دال على التقييد الأصلي للاختيارات فيما يتعلق بالأديان والعقائد، وهو ما يعني عمليا التقييد التام للعديد من الحقوق التي تترتب على اعتداد الدولة بسياسات بعينها علي المدي البعيد.
------------------------------
بقلم: جورجيت شرقاوي


مقالات اخرى للكاتب

خانة الديانة في كشوف طلاب المدارس بين الجمود والطرح





اعلان